القضاء العراقي يستكمل إسقاط هيبته بمذكرة قبض على ترامب

ضغوط على القضاء العراقي لإصدار مذكّرات قبض ضد ضباط في جهاز المخابرات العراقي بتهمة التواطؤ في قتل سليماني
الجمعة 2021/01/08
لا تحاول الاختباء.. قيس الخزعلي سيجدك حتما

بغداد - أصدرت محكمة عراقية، الخميس، مذكرة قبض بحق الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، وذلك في إطار “استكمال التحقيقات” في عملية اغتيال قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس، في الثالث من يناير 2020.

وأثار إصدار تلك المذكّرة الشكلية وغير القابلة للتنفيذ موجة من الاستهجان في صفوف العديد من الأوساط السياسية العراقية التي رأت فيها إهانة جديدة للقضاء العراقي ودليلا على تلقيه الأوامر السياسية، ليس من الداخل العراقي فحسب، بل من إيران أيضا.

وبحسب هؤلاء فإن إصدار هذه المذكّرة، وفي هذه الفترة بالذات حيث كثّفت إيران وأتباعها في العراق من إثارة الضجيج حول ملف مقتل سليماني والمهندس، جعل القضاء العراقي ينخرط في حملة دعاية كثيفة أخذت شكل “كرنفالات” امتدّ تنظيمها من طهران إلى صنعاء مرورا ببغداد وبيروت.

وانتظمت في تلك العواصم بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لمقتل سليماني والمهندس تظاهرات ضخمة رُفعت خلالها صور القتيلين والشعارات المعهودة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل. واعتبر مراقبون أن الحملة كانت موجّهة بالأساس إلى الأتباع قبل الخصوم بهدف استرضائهم والتغطية عن العجز على تنفيذ الوعيد الذي أطلقته إيران والميليشيات التابعة لها بالانتقام من الولايات المتّحدة ومن ترامب شخصيا.

ويواجه القضاء العراقي منذ سنة 2003 صعوبات كبيرة في أداء مهامّه بنزاهة وحيادية وذلك بفعل طبيعة النظام السياسي القائم في البلاد والشخصيات التي تقوده والتي لا توفّر أي وسيلة لتحقيق المكاسب السياسية والمادية والحفاظ عليها، ولمواجهة الخصوم والمنافسين على تلك المكاسب، حتى وإن استدعى الأمر تسليط ضغوط شديدة على جهاز القضاء لتطويعه وتوجيه قراراته، وهو ما تجسّد في الكثير من القضايا والقرارات والأحكام التي صدرت عن ذلك الجهاز.

وأصدر ترامب أوامره بقتل سليماني عندما كان يهمّ بمغادرة مطار بغداد رفقة المهندس، حيث نفذت العملية طائرة مسيرة أطلقت صاروخين على السيارات التي كانت تقلّه مع مرافقيه لتسفر العملية بذلك عن تحييد اثنين من أخطر الأذرع الإيرانية في المنطقة.

وتعرض القضاء العراقي لضغوط كبيرة خلال الشهور التي أعقبت هذه العملية، في محاولة لاستصدار أوامر قبض ضد شخصيات محلية وأجنبية دون أن يتمكّن من تنفيذ ذلك المطلب الإيراني بالأساس.

وحاولت الميليشيات الشيعية التابعة لإيران أن تجد أي وسيلة لإدانة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي كان رئيسا لجهاز المخابرات عندما نُفذت عملية اغتيال سليماني والمهندس.

القضاء العراقي ينخرط في حملة دعاية كثيفة أخذت شكل "كرنفالات" امتدّ تنظيمها من طهران إلى صنعاء مرورا ببغداد وبيروت.

ومع حلول الذكرى الأولى لمقتلهما، بحثت الميليشيات الشيعية عن أي انتصار شكلي، بعدما تحدثت كثيرا عن عمليات ثأر مزلزلة، من دون حدوث شيء.

والخميس، أعلن إعلام السلطة القضائية في العراق، أن محكمة التحقيق في جانب الرصافة من بغداد أصدرت مذكرة قبض بحق الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ‏ترامب ‎”بعد أن دوّن القاضي المختص في محكمة تحقيق الرصافة الذي يتولى التحقيق في جريمة اغتيال ‏نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس ورفاقه أقوال المدعين بالحق الشخصي ‏من أفراد عائلته صباح يوم 7 يناير 2021 واكتمال إجراءات التحقيق الابتدائي”.

واستند قرار مذكرة القبض على أحكام المادة 406 من قانون العقوبات العراقي النافذ، التي تنص على معاقبة القاتل المتعمد بالإعدام.

وقالت المحكمة إنّ إجراءات التحقيق ستستمر ‏”لمعرفة المشتركين الآخرين في تنفيذ هذه الجريمة سواء كانوا من العراقيين أو الأجانب”، في إشارة واضحة إلى إمكانية إدانة شخصيات محلية في هذا الملف.

وأشاد أتباع إيران في العراق بهذا القرار واعتبروه “انتصارا لإرادة الجماهير”. و”بارك” رئيس المجلس الأعلى الإسلامي همام حمودي لـ”القضاء العراقي قراره المنصف والشجاع بإصدار مذكرة إلقاء قبض على المتهم دونالد ترامب، على خلفية جريمته الإرهابية” باغتيال من سمّاهما “قادة النصر الشهيدين أبومهدي المهندس وقاسم سليماني ورفاقهما”، مثمنا “جهود رئيس وقيادات تحالف الفتح بهذا الاتجاه وما أبدوه من متابعة وإصرار على إصدار قرار قضائي بتجريم المتهمين بالجريمة”.

وتمثّل العبارة الأخيرة اعترافا صريحا بوجود ضغوط سياسية وميليشياوية على القضاء لإصدار مذكرة القبض على ترامب.

والمجلس الأعلى هو أحد أطراف تحالف الفتح الذي يرأسه هادي العامري، الضلع الثالث إلى جانب سليماني والمهندس في إدارة ملف الميليشيات الشيعية في العراق.

ويرى المجلس الأعلى الذي تأسس في إيران لقتال الجيش العراقي إلى جانب الجيش الإيراني لكنه عاد إلى العراق للمشاركة في حكمه بعد 2003، أن قرار القبض على ترامب “يمثل انتصارا لإرادة الجماهير المليونية التي تظاهرات في بغداد يوم 3 يناير وطالبت بتجربم إدارة ترامب ومحاسبة القتلة، بجانب تنفيذ قرار السلطة التشريعية بإنهاء تواجد القوات الاجنبية”. ويدرك القضاء العراقي أنّ أحدا لن يتعامل مع أوامره للقبض على ترامب بجدية، لكن الميليشيات الشيعية ستستخدم هذا القرار لتبرير تصرفاتها العدوانية ضد كل ما هو أميركي في العراق.

ويقول مراقبون إنّ القضاء العراقي حاول تفادي مهزلة مذكرة القبض على ترامب عبر المماطلة طيلة شهور لكنه لم يستطع التمادي أكثر في مقاومة الضغوط الإيرانية التي وصلت حد التهديد بالقتل.

ومع ذلك ما يزال القضاء العراقي صامدا في وجه الضغوط الإيرانية التي تحاول استصدار أوامر قبض محرجة بشكل كبير ضد ضباط في جهاز المخابرات، بتهمة التواطؤ مع الولايات المتحدة في تسهيل عملية اغتيال سليماني والمهندس.

3