القضاء الجزائري أمام تحدي جلب المطلوبين من الفارين إلى الخارج

الجزائر - أجلت محكمة العاصمة النظر في قضية وزير الطاقة السابق الفار إلى الولايات المتحدة شكيب خليل إلى الشهر القادم، دون وجود أي مؤشر على استقدام الرجل الذي كان يمثل إحدى أذرع نظام الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، ليكون بذلك القضاء الجزائري أمام تحدي جلب المطلوبين لديه سواء كانوا متهمين بالفساد أو ناشطين معارضين.
وأرجأ القطب الجزائي الاقتصادي والمالي بمحكمة بسيدي أمحمد بالعاصمة، قضية أول ملف فساد تورط فيه خليل وعدد من المسؤولين في شركة سوناطراك النفطية المملوكة للقطاع العام، غير أن كل المؤشرات توحي بأن المطلوب الأول في الملف سيتابع غيابيا، كونه لم يمتثل لقرار المثول أمام عدالة بلاده.
وتحولت قضية جلب المطلوبين إلى تحدّ حقيقي أمام القضاء الجزائري، وباستثناء حالات محدودة جدا فإن غالبية هؤلاء لا زالوا في حالة فرار ولم يتسن للسلط المختصة إحضارهم، بسبب تعقيدات العملية خاصة بالنسبة إلى الناشطين السياسيين المعارضين.
وكانت محكمة الدار البيضاء بالعاصمة، قد أصدرت في الآونة الأخيرة، حكما غيابيا في حق ناشطين سياسيين معارضين يقيمان في بريطانيا وفرنسا، تمثل في عقوبة عشر سنوات سجن نافذة، وماعدا الدركي الفار في وقت سابق إلى إسبانيا محمد عبدالله، الذي استلمته الجزائر من نظيرتها في مدريد منذ عدة أشهر، والمنتظر أن تشرع في محاكمته مطلع الشهر الداخل، فإن باقي المطلوبين على غرار الإعلامي هشام عبود والمدون أمير بوخرص، لا يزالون بعيدين عن إمكانية الجلب.
محكمة العاصمة أجلت النظر في قضية وزير الطاقة السابق الفار إلى الولايات المتحدة شكيب خليل إلى الشهر القادم دون وجود أي مؤشر على استقدامه
ويرى متابعون للشأن السياسي الجزائري أن قضية المطلوبين التي تتحفظ باريس على تسليمهم للسلطات الجزائرية، هي واحدة من الأوراق التي ساهمت في تأزيم العلاقات الثنائية خلال الأشهر الأخيرة، حيث لا زالت باريس ترفض تلبية الطلب الجزائري، بحجة عدم توفر الشروط القانونية لمحاكمتهم وإمكانية تعرض حياتهم للخطر.
ويعتبر وزير الطاقة والمناجم السابق، من أبرز الشخصيات المحسوبة على نظام بوتفليقة، المطلوب لدى السلطات القضائية في الجزائر، بدعوى ضلوعه في ملفات فساد توصف بـ"الثقيلة"، وكان محل تجاذب بين الأطراف المتصارعة في هرم السلطة منذ العام 2010، إلا أن نظام بوتفليقة ظل يوفر له الحماية إلى غاية سقوطه في 2019، حيث ألغى مذكرة التوقيف الدولية التي صدرت في حقه العام 2015، وتمكن من العودة الظرفية إلى البلاد حينها، غير أن التطورات التي عرفتها البلاد منذ العام 2019 أعادت الرجل إلى المنفى الاختياري في الولايات المتحدة.
وتتحدث تقارير في الجزائر عن ضلوع الوزير المذكور في ما يعرف بملفات "سوناطراك 1" و"سوناطراك 2" التي أغلقت خلال السنوات الماضية، إلا أنه أعيد فتحها مجددا خلال الأعوام الأخيرة بإيعاز من القيادة السابقة لمؤسسة الجيش، التي تصدرت المشهد الجزائري خلال فترة الفراغ المؤسساتي بين 2019 و2020.
كما يتردد عن ضلوع الرجل في ممارسات فساد ورشاوى، قدرت بنحو 200 مليون دولار، بحسب ما أورده الإعلام الإيطالي، بعدما فتحت العدالة هناك ملف شركة "إيني وسوناطراك"، وكشفت عن ممارسات غير شرعية في العديد من الصفقات المبرمة بين الطرفين، خلال قيادة شكيب خليل لقطاع النفط في بلاده، سواء كوزير للطاقة أو كمدير لشركة سوناطراك.
ويتابع الوزير المذكور في عدة ملفات تتعلق بالشركة الكندية "أس.أن.سي لافالان"، و"سبيام" و"إيني"، رفقة زوجته ذات الأصول الفلسطينية والمقربة من الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وابنيه، إلى جانب الوزير السابق للخارجية فريد بجاوي والمدير العام السابق لسوناطراك محمد مزيان، وكذلك مدير المحروقات مصطفى حنيفي.
ويتواجد العديد من رموز المرحلة السابقة في حالة فرار رغم صدور مذكرات توقيف دولية في حقهم، على غرار قائد الدرك السابق الجنرال الغالي بلقصير، ووزير الصناعة عبدالسلام بوشوارب، فضلا عن شكيب خليل، غير أن الإجراءات المعقدة في العملية سمحت لهم بعدم الامتثال لتلك القرارات، مما أضفى حالة من الشكلية على المحاكمات المفتوحة في حقهم.
قضية جلب المطلوبين تحولت إلى تحدّ حقيقي أمام القضاء الجزائري رغم أن غالبيتهم لا يزالون في حالة فرار ولم يتسن للسلط المختصة إحضارهم
ولم تتوقف متاعب السلط الجزائرية في جلب المطلوبين إليها عند هؤلاء، بل تعدتها حتى للناشطين السياسيين المعارضين لها، في صورة الإعلامي هشام عبود، والمدون أمير بوخرص، وضابط الصف محمد بن حليمة، وزعيم حركة "ماك" الانفصالية فرحات مهني، الذين ينتظر محاكمتهم أيضا بشكل غيابي.
ورغم تصنيف حركتي استقلال القبائل "ماك" و"رشاد"، كتنظيمين إرهابيين يهددان أمن واستقرار البلاد، والإعلان عن تفكيك العديد من الخلايا التابعة لهما، إلا أن قيادتهما تبقى بعيدتين عن المتابعة القضائية، نظرا لعدم سماح سلطات أوروبية بتسليمهم للجزائر، بدعوى الخطر المهدد لحياتهم أو عدم توفر شروط المحاكمة القانونية.
وبين خطاب تصفية الحسابات السياسية أو حقوق الإنسان التي يروج لها هؤلاء، سواء كانوا متهمين بالفساد أو ناشطين سياسيين معارضين، وبين تمسك غالبية الحكومات والعواصم التي يقيمون بها بعدم تسليمهم، تجد السلطات الدبلوماسية والقضائية صعوبات وحرجا في غلق ملفات هؤلاء، كون المحاكمات الغيابية تحمل طابعا شكليا في الغالب.
وبمعطيات مشابهة تتم معالجة قضايا الأموال المهربة، حيث وجدت السلطات المختصة عدة عوائق تشريعية ودبلوماسية في استعادة الأموال المنهوبة والموطنة في مختلف المصارف العربية والغربية، الأمر الذي قلص من حظوظ التعهدات التي أطلقها الرئيس عبدالمجيد تبون، خلال حملته الانتخابية، القاضية بـ"استعادة الأموال المنهوبة وأنه يعلم أين هي متواجدة"، لكن نفس سيناريو الشخصيات المطلوبة ينطبق عليها إلى حد الآن.