القشرة والقلب

للإمبريالية عنوان واحد، هي الغزو وتوسيع الهيمنة بقطع النظر عن الشعارات التي يرفعها الغزاة.
الخميس 2022/03/03
فتح باب “الجهاد” لتجميع المقاتلين

يمكنك أن تختار إلى من تقف في الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وأن تجد لمن تدعمه المبررات الكافية. لكنك لا يجب أن تغفل مناصرة المحاربين تختلف عن مناصرة فرق الكرة بأن تغمض عينيك عن كل شيء. المهم أن يفوز فريقك.

كثير من العرب ينحازون لروسيا في حربها على أوكرانيا نكاية في الولايات المتحدة. هكذا من باب الشماتة. وكثير من هؤلاء مثقفون وكتاب بارزون يرون أن الولايات المتحدة دائما في الصف الخطأ. وهذا صحيح، لكن ما تأتيه روسيا لا يبتعد في توصيفه عما فعلته الولايات المتحدة في حروب كثيرة.

لا تستطيع أن تصفق لروسيا لأن الولايات المتحدة إمبريالية تقف ضد قضايا العرب، فروسيا لا تبتعد عن ذلك إلا بدرجات محدودة.

للإمبريالية عنوان واحد، هي الغزو وتوسيع الهيمنة بقطع النظر عن الشعارات التي يرفعها الغزاة.

أن تكون مثقفا يعني أن تدافع عن القيمة، عن الفكرة، فإذا كنت ضد الحرب، فهذا يفرض عليك أن تعارضها ولو كان بلدك أو البلد الذي يستضيفك لاجئا أو مقيما هو من يقود تلك الحرب. لكن أن تكون مع الحرب هنا وضدها هناك، فهذا مناقض للعقل. كثيرون مع روسيا في سوريا وأوكرانيا والقرم، وضد الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران وتركيا في مناطق أخرى.

وفي الضفة الأخرى، هناك من يزين صورة الغرب في الحرب ويبحث للولايات المتحدة وحلفائها عن مبررات ويغمض عينيه عما يجري هناك من ذلك قصة فتح الباب أمام التحاق المتطوعين الغربيين للقتال في الحرب تحت هالة رسمية وإعلامية وحماس شعبي، في مشهد يمكن وصفه بـ”الجهاد الغربي” ضد روسيا. وكأن أوروبا ما تزال تعيش على ثقافة الحروب الصليبية، وترسل رسائل النفير لتجميع المقاتلين.

والمفارق هنا أن ثقافة فتح باب التطوع “الجهاد” ثقافة قريبة من ثقافة المتشددين الإسلاميين الذين تحاربهم أوروبا والولايات المتحدة في كل مكان. لا تستطيع أن تحارب فكرة قديمة ثم تتولى أنت بنفسك استعادتها وبحماس في قالب مغاير. المعنى هو نفسه وإن اختلفت القشرة وقدمت في أطباق متناقضة.

بعد “النفير” في أوكرانيا، ما الذي يمنع دولا ومجموعات أخرى كي تلجأ إلى نفيرها الخاص، وتقدمه في أطباق جذابة وبغلاف مثل أغلفة الدين والتاريخ المشترك. ما الذي يمنع بعد الآن الجهاديين الإسلاميين من أن يعيدوا نفس اللعبة.

صحيح أن الحروب تضرب المقاييس وتبيح خرق القوانين، لكن من واجب المثقف أن يظل واقفا وبوجه واحد ضد الحرب أيا كان قائدها، وينظر فقط إلى القيمة التي لن تجد سواه للدفاع عنها في آخر النفق.

20