القاهرة تشيّد شبكة مصالح تجمع الفلسطينيين وإسرائيل

الغاز وقود يبقي على دفء العلاقات المصرية – الإسرائيلية.
الأربعاء 2021/02/24
المرحلة تفرض أدوات مبتكرة

تفرض التحولات في المنطقة استحداث أدوات مبتكرة لحل القضايا، وهو ما تقوم به مصر حاليا من خلال تشبيك أكبر للمصالح الاقتصادية بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أمل أن يمهد ذلك مستقبلا إلى تسوية سياسية للقضية الفلسطينية.

القاهرة - تسعى مصر إلى توظيف الحوافز الاقتصادية لدعم جهود تنشيط المفاوضات المجمّدة منذ سنوات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وخلق شبكة من المصالح المتنامية بين الأطراف الثلاثة.

وكشفت زيارة وزير البترول والثروة المعدنية المصري طارق الملا للضفة الغربية، مؤخرا عن جانب معتبر من هذا التوجه، حيث جرى التوقيع على مذكرة تفاهم لتطوير حقل غاز في قطاع غزة والبنية التحتية اللازمة.

كما اتفقت مصر وإسرائيل على بناء خط أنابيب جديد للغاز بين حقل ليفياثان البحري في شرق المتوسط، وربطه بوحدات إسالة الغاز الطبيعي في شمال مصر، بهدف زيادة شحنات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا.

وأكدت مصادر دبلوماسية لـ”العرب”، أن التحرك المصري يحظى بدعم إقليمي ودولي، ويمنح دفعة لفتح النوافذ السياسية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، حتى إذا جاء وقت انطلاق محادثات السلام تكون البيئة قادرة على استيعاب التحرّك الجديد.

وتضرب القاهرة بتحركها على مستوى الغاز عدة عصافير سياسية، أهمها تدفئة علاقاتها “الفاترة” مع تل أبيب، بعد عزم الأخيرة الاستفادة من ملف التطبيع الذي ظهرت تجلياته مع عدد من الدول العربية ولم تكن مصر مرتاحة لتداعياته، وتخشى من انعكاساته وتأثيره على دورها المحوري في القضية الفلسطينية.

رمضان أبوالعلا: التحرك المصري يمثل مكسبا سياسيا لإسرائيل
رمضان أبوالعلا: التحرك المصري يمثل مكسبا سياسيا لإسرائيل

وقال متابعون إن التوقيع على اتفاقيتين مع السلطة الفلسطينية وإسرائيل في توقيت واحد، يؤكد التلازم بين المسارين على المستويين الاقتصادي والسياسي، ويوحي بأن التحرك جزء من تفاهمات غير معلنة بين الجهات الثلاث ومن خلفها قوى دولية تعمل على تطوير العلاقات المشتركة.

وأضاف المتابعون أن مصر تريد تهيئة الأجواء أمام المفاوضات السياسية والعودة إلى فكرة التعاون الإقليمي لوضع القضية الفلسطينية على الطاولة، باعتبارها ركيزة رئيسية يقوم عليها أي تعاون محتمل، وهي فكرة تجد دعما من السعودية أيضا.

وتسعى الحكومة الإسرائيلية إلى تنويع التعاون مع الدول العربية في ظل ما يمكن أن تجده من كوابح فلسطينية وعربية على صعيد تطوير العلاقات مع الدول التي انخرطت معها في اتفاقيات “أبراهام” وتريد عدم تجاهل القضية الفلسطينية.

وتعمل إسرائيل على حجز مكان بارز لها في منتدى غاز شرق المتوسط عبر الاستفادة من المساحات الاقتصادية المشتركة مع مصر في هذا المجال، فالمنتدى بات مفتوحا على دول عربية وأوروبية، ويمكن أن يصبح ركيزة لتعاون استراتيجي واعد بين دوله، ولا تريد إسرائيل أن تكون بعيدة عنه.

وقال الخبير المصري في شؤون الطاقة رمضان أبوالعلا، إن التحرك المصري يصب في مصلحة الفلسطينيين عموما، لأن قطاع غزة مثلا يعاني قصورا في احتياجاته من الغاز والكهرباء، ويحل الخطوة المصرية مشكلة جذرية.

وأوضح لـ”العرب”، أن الخطوة تمثل مكسبا سياسيا لإسرائيل، حيث يُظهر المسؤولون فيها أنهم حريصون على مساعدة الشعب الفلسطيني وتخفيف معاناته وتقويض المعلومات المنتشرة حول مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وفرض الحصار.

وتتجه مصر وإسرائيل نحو إنشاء بنية تحتية للطاقة مترابطة وقوية في منطقة شرق المتوسط لتعظيم موارد واحتياطيات الغاز في المنطقة، وناقشتا توريد الغاز الطبيعي للفلسطينيين، في وقت جرت فيه محادثات مع قطر لتزويد قطاع غزة بالغاز.

وأعلن رئيس اللجنة القطرية لإعمار غزة محمد العمادي، الجمعة الماضي عن اتفاقية بين شركة “ديلك” الإسرائيلية والدوحة وفلسطين تتعلق بشراء الغاز من حقل “لافيتان” بإسرائيل لمحطة توليد الطاقة في غزة، على أن تقوم قطر بالمساعدة في تمويل تمديد الأنبوب في البحر على الجانب الإسرائيلي.

وعلمت “العرب” أن العمل على توفير موارد للسلطة الوطنية في رام الله وتسريع العمل في حقل غزة، يقللان من التأثير الاقتصادي لقطر في الأراضي الفلسطينية، والذي تستخدمه سياسيا في مساندة حركة حماس التي تحكم سيطرتها على غزة.

Thumbnail

وقالت مصادر فلسطينية لـ”العرب”، إن قيادات محسوبة على حماس أبدت امتعاضا ضمنيا من التطورات المصرية في ملف الغاز، حيث تدعم في محصلتها حركة فتح التي تقود السلطة بموارد مالية جديدة، وتخطف منها بعض أوراق المظلومية السياسية التي تتاجر بها، ومكنتها من كسب تعاطف إقليمي ظاهر.

وأضافت أن حديث “الحمساويين” بعد زيارة الوزير المصري جاء بشكل غير مباشر لتجنب الصدام مع القاهرة، وركز على حصة غزة من موارد الغاز الجديدة، بما يوحي أنها تريد الحصول عليها وتوزيعها بمعرفتها.

ويبدو أن تحرك مصر باتجاه السلطة الفلسطينية وإسرائيل في توقيت واحد يصبّ في خزينة الانتخابات التي تستعد لها الأراضي الفلسطينية بدءا من مايو المقبل، وتلك التي يدخلها رئيس الوزراء الإسرائيلي للمرة الرابعة في مارس المقبل، ويستطيع كل طرف تسخيرها بالطريقة التي تدعم موقفه.

ويمكن للرئيس الفلسطيني محمود عباس توظيف ملف الغاز للتأكيد على أن وجوده واستمراره على رأس السلطة يضمن الحصول على موارد جديدة للمواطنين وتحسين مستوى المعيشة لهم، كما يوظفها بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي في حملته الانتخابية عبر استقطاب أصوات من ذوي الأصول الفلسطينية.

وذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن نتنياهو حث السلطة الفلسطينية على تشجيع عرب إسرائيل للتصويت لصالحه، وأن نائب وزير من الليكود وأعضاء في لجنة العلاقات مع إسرائيل في منظمة التحرير الفلسطينية، بحثوا مؤخرا الانتخابات المقبلة والمساعدة المحتملة من السلطة الفلسطينية لنتنياهو.

2