القاص السعودي عبدالله الصليح لـ"العرب": الواقع جزء من الإبداع ومنطلق للخيال

الكثير من الكتاب يواصلون تجربة الكتابة دون نشر ما يكتبونه، فتبقى مخطوطات حبيسة العتمة، وهذا ما يضر بتجاربهم بشكل فادح، إذ يعتبر النشر الوسيلة الأولى لتطوير التجربة والاحتكاك بالقارئ الذي يمثل عنصرا جوهريا في عملية الكتابة. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الكاتب والقاص السعودي عبدالله الصليح حول تجربته في النشر والكتابة.
عُرف القاص السعودي عبدالله الصليح بعشقه وولعه بالقراءة والكتابة منذ كان صغيرا تحت ظلال النخيل، فكوّن مزيجا رائعا بين الطبيعة البسيطة وعشق القراءة والكتابة.
أصدر الصليح مجموعته القصصية “كأنهم يطفئون حريقا”، وهناك المزيد مما ينوي تقديمه للأدب، منه ما يتعلق بتجارب الشعر، وقصيدة النثر، وكذلك القصة القصيرة، ويطمح إلى الوصول إلى الأدوات الكافية لدخول مجال الرواية، وإن كان لا يزال ممتنا للقصة القصيرة ومحبا لها وساعيا في فلكها بكل رضا حسب قوله.
مسار الكتابة
يعمل القاص في التعليم كما له كتابات صحفية في منابر متعددة ما أثرى تجربته الأدبية وجعلها أكثر تشعبا.
حول بداياته يقول الصليح لـ”العرب”، “في البداية، كانت المرحلة الدراسية تعطي المجال للتجارب الإبداعية كجزء من المنهج التعليمي، فهناك حصص للرسم، والنحت، والتصميم، وكذلك للتعبير والكتابة، وتجربة أكثر من مجال أثناء هذه المرحلة لفتت نظري إلى مدى استمتاعي وتمكني في حصص التعبير، وهذا ما دفع أساتذتي إلى التركيز على جانب التشجيع والتوجيه ومنه استمرت هذه الهواية بالنمو معي شيئا فشيئا، كانت هواية، ثم أصبحت شغفا، وتطاولت أهميتها حتى أصبحت وسيلتي في التعبير عن نفسي وما يحيط بي سواء كان ذلك في الشعور أو التفكير أو كان انعكاسا عن البيئة القريبة والبعيدة والخبرات والمواقف الحياتية”.
ويضيف حول ما وجهه إلى الكتابة “أحب الإشارة إلى أن الاتجاه إلى الكتابة بشكل فعلي لم يكن بمدى وضوحه الآن، كأن تلك الرغبة بذرة طرحت في داخلي ونمت، فما زالت تكبر وتسفر حتى أظلت وأثمرت، ومع مرور الوقت أصبحت الكتابة أول ما أفكر فيه حين أرغب بالتعبير بطلاقة، حتى أنها تفوق أهمية الحديث أحيانا، فتنتشي حروفي حينما أكتبها أكثر منها حين أقولها، لذلك فاختياري للكتابة من الصعب تحديد موقف معيّن مرتبط به لكنه حب تنامى وتزايد حتى أصبح ظاهرا”.
تسأله “العرب” إلى أيّ عالم في السرد يميل القصة أم الرواية، يجيبنا الصليح “لم يكتب لتجربة الرواية أن تسفر عن إصدار حتى الآن، وإن حاولت فيما سبق، لكنها كمثيلاتها من التجارب الأخرى كالشعر والنثر والخواطر في لواعج نفسي وإرهاصات شعوري، وهي كالأبحاث التي كنت أجريها رغبة في شفاء غليل السؤال دون فكرة مستقبلية للنشر، لكن القصة القصيرة تميزت بكونها أول ما اخترته للنشر، وفيها نشرت إصداري الأول فلا شك أن الطريق الذي قطعته في القصة القصيرة أكثر وأبرز من الرواية وغيرها”.
وإن كانت الكتابة القصصية نوعا من الإعلاء بالمفهوم النفسي، يقول القاص “من الصعب التحديد في وجهة نظري، فالكتابة القصصية تتغير من حيث ما تقدمه لمن يكتبها ومن يقرأها، أنظر إلى الكاتب باعتباره شجرة مثمرة، قد يسقط من قلمه ما نضج من حروفه، وقد يثمر الضغط سواء السلبي كإلقاء الحجارة على شجرة عن نص إبداعي، وقد يثمر الضغط الإيجابي كصعود من يقطف الثمرة من غصنها فينتقي منها ما أينع كما يفعله الكاتب حين يتهيأ له الظرف المناسب ليكون منطلقا للتعبير والإبداع، جميع الدوافع الإنسانية واللاإنسانية إذا أحسن الكاتب توظيفها فهي ستسفر دائما عن نتاج إبداعي أو تسهم في تخفيف الضغوط كما أسلفت أو غير ذلك وأبعد منه”.
نسأله هل قدم العالم الرقمي أو التكنولوجيا الحديثة خدمات للأدب بصورة عامة وللسرد بصورة خاصة، ليجيبنا “كما قيل: إن المعطي يأخذ، فكما أن العالم الرقمي أذاب المسافات، واختصر الوسائل، وقرّب ما بين الكاتب والقارئ كثيرا، إلاّ أنه أسهم في التشتيت، والتأطير، وغيره من السلبيات التي لا تمحو حقيقة أن المميزات والفوائد أكثر بكثير من العيوب والمثالب، فبفضل هذا التطور بات من الممكن أن يزاوج الكاتب بين نصه وشعوره ومشاعر من يقرأ له، وأن يكون المتلقي حاضرا في ورشة الإبداع ومراحل النص الإنشائية وجزءا منها، وهذا ولا شك مما جعل للأدب أصنافا حديثة ومتجددة، وأبرز قيمة التفاعل في الإثراء والتحفيز والمواصلة”.
القصة القصيرة
عن الموضوعات التي تشد اهتمامه أكثر في الأدب القصصي، يقول “في البداية كان الجذب يتعلق بملامسة واقع الحال، فالكاتب الذي يصف شيئا شعرت به أو عبرت من خلاله سواء كان إحساسا أو موقفا فإنه يلامسني كثيرا، وبعد ذلك أصبحت أستمتع بفكرة الإبداع في القصة والابتكار، المخيلة المبهرة، الصور البلاغية، السردية المنتظمة، الوصف المعبر، التشبيه الدقيق، تعد الكتابة القصصية وسيلة للتحليق بعيدا خلف حدود الخيال والمنطق والشعور، ولذلك فلكل رحلة ما يميزها وهذا لب ما يجذبني فيها”.
نسأل الصليح من أين يلتقط شخصياته السردية وعن علاقتها بالواقع، ليجيبنا “نعم ولا شك الواقع جزء من الإبداع، ومنطلق للخيال، وكلما كانت إمكانيات الكاتب قادرة على التحليق بعيدا مع الخبرة والممارسة فإنه يحسن تحوير الواقع وإعادة صياغته ليبدو غير مرتبط بمصدره الأساس وهو الواقع البحت، لذلك من الصعب إقصاء الواقع عن الكتابة في وجهة نظري، فهو إما ملهم أولي تبقى لمسته حتى في مراحل النص الأخيرة، أو حافز يدفع بالنص إلى حدود الرمزية والخيال لكنه يبقى المسبب حينها ولو بشكل ثانوي”.
إن كان قد تمكن من تحقيق ذاته إبداعيا من خلال القصة القصيرة يقول القاص السعودي “تحقيق الذات فيما أظن أنه رحلة ليست لها محطة وصول، لكن من الجميل أن يكون لكل محطة ما أخلقه كذكرى ومنجز يسجل المرحلة ويوثق ما مررت به خلالها، ولا شك أنني أسعى بكل ما أستطيع ليكون ما لديّ أكثر استحقاقا ونضجا وهي طبيعة الإبداع، أن يعطي من يعطيه، وينمّي من يدعم وسائله بالقراءة والخبرة بالإضافة إلى الموهبة التي لا تقل أهمية عن المثابرة ومواصلة الجهد”.
مجموعة الصليح القصصية “كأنهم يطفئون حريقا” يغلب عليها الطابع اليومي المعيش، وربما هي بمثابة البحث عن الذات، نسأله كيف يرى هذا النوع من الكتابة الآن، ليجيبنا “أشعر أن مجموعتي الأولى كما تفضلت فعلا، تشبه الطائرة حين تحلق من موطنها الأم، لكني أسعى الآن إلى السفر بعيدا نحو عوالم أكتشفها لا تنحصر فيها الكتابة بموقع أو حدث أو ثقافة محددة، لذلك حتى ما أكتبه بعد مرور عام من إصدار المجموعة وحسب حديث من أهتم ولا زلت بمراسلتهم بكل جديد؛ فهم يرون تطورا مختلفا عما كان في البدايات سواء من ارتباط قوي بالمعايشة والمواقف الحياتية أو غيرها من الأدوات التي تتوفر بعد جهد ومواصلة وهذا ما يسعدني”.
إن كان يمكن أن نطلق على مجموعته من خلال عنوانها “كأنهم يطفئون حريقا” بأنها دعوة إلى عدم التفاؤل، يقول الصليح “حقيقة عنوان المجموعة أثار أكثر من تصور مختلف، وسعيت لذلك منذ البداية، لأن الموضوع يشمل أكثر من حالة وتعبير يستحق أن يكون كالسحابة التي تغطي الجبل والسهل معا، وعلى سبيل التوضيح فكلمة ‘كأنهم‘ تشير إلى الظن وعدم اليقين، وترمز إلى أكثر من فرد واحد وهم المحيط الذي أنتمي إليه وأحبه، أما ‘يطفئون حريقا‘ فهي مجازية تعبر عن حريق الحيرة بين رغبة النشر والتواني عنها، وتعبر عن حالة الكاتب الذي لم ينشر له إصدار يخصه بعد”.
ويضيف “فكأنما الكاتب يحترق بما يكتب لأنه لم يرض عنه ويبديه، وعلى سبيل الإجمال فالعنوان مقتبس من إحدى قصص المجموعة، واستشرت فيه الأستاذ خالد اليوسف الذي استحسن هذا العنوان فكان لمكانته أن تفرض سيادتها ليكون ما اختاره. قد يحدث أن تكون للعبارة قراءة مختلفة، وتنوع مطّرد متناقض وهذا حالٌ ليس مستغربا مع ضبابية هذا العنوان وشموليته”.