الفنانون يتكاثرون والنقاد يتلاشون

الأحد 2015/12/27
عمل فني لفاتن النواوي

كانت سنة 2015، سنة حافلة بالمعارض التشكيلية الجماعية منها والفردية، لعدة فنانين تشكيليين من كل المستويات الفنية الاحترافية منها وغير الاحترافية. فيكفي الاطّلاع على موقع وزارة الثقافة المغربية لمعرفة الرقم الكبير الذي خصصته الوزارة للمعارض تنظيما وتمويلا، ومقارنته مع السنوات الماضية، لإدراك التقدم الملموس.

إلا أن هذا الرقم يظل أقل من المنتظر، بل هو مخيب للآمال في اتجاه من الاتجاهات. هذا وزيادة عن تلك المعارض الجماعية غير المدعومة من قبل الوزارة المذكورة. فالحركة التشكيلية المغربية عرفت زخما إيجابيا من حيث العرض والطلب، وحراكا فنيا مهما على اتساع ربوع البلاد. ورغم بعض الشوائب هنا وهناك، وبعض الإسهال في العرض والأيادي المتآمرة، فالفن التشكيلي المغربي بخير ويسير إلى الأفضل في السنوات القادمة.

لا يمكن الحديث عن تواجد مدرسة فنية حاضرة بشكل أكبر عن مدرسة أخرى داخل دور العرض، أو خارجها، فالفنان التشكيلي المغربي اليوم صار مؤمنا بموت “التجنيس الفني”، لهذا بتنا نرى مع الفنانين التشكيليين المعاصرين، أو ما يصطلح عليهم بفناني الحساسية الجديدة، أعمالا تمزج بين مدرسة وأخرى، وطريقة اشتغال وأخرى، وشكل فني وآخر. هذا ولا يمكننا نكران أن جيل الحساسية الجديدة، متأثر بالخصوص بالفن المعاصر وآخر مستجدّاته، لهذا نرى بعض الفنانين ينطلقون في الغالب من الفن التجريدي كأساس اشتغالهم.

عرف النقد التشكيلي ظهور أسماء جديدة من النقاد والمتتبعين والمهتمين، من مختلف المستويات والأصعدة، الصحافية منها والعاشقة والعارفة، في العقد الأخير.

فإن كنّا نتحدث عن النقد الصحفي، المُتَتبّع، فإنّ هذا النوع عرف حضورا مهما على الساحة الفنية، إذ أن كل المعارض الفنية، هذه السنة، عرفت تتبع صحفي قارئ في المعارض، بالتالي كان هذا الجنس حاضرا بقوة. وإن كنا نتحدث عن النقد العاشق والعارف، فالأمر هنا يحتاج إلى وقفة تأمل ومراجعة الذات. فالنقاد التشكيليون، الذين يمكن أن نصطلح عليهم بهذا اللفظ، قلائل بشكل كبير داخل الساحة التشكيلية، بالمقارنة مع تزايد عدد الفنانين التشكيليين الملحوظ والملموس، ويعزى الأمر لعدة علل، لا يمكننا الغوص فيها الآن، منها التطفل وغياب المعرفة العالمة بالفن التشكيلي، وتاريخ الفن.. ورغم ذلك فهناك فنانون تشكيليون خاضوا مغامرة النقد ونجحوا فيها، مما ينبئ بغد مضيء للساحة النقدية التشكيلية بالمغرب.

منذ ما يقارب القرن من الزمن صرنا نتحدث عن الفن التشكيلي المعاصر. وجلّ الأعمال الفنية التي تنتج في العقود الأخيرة تحاول أن تنتمي لهذا الفن والمعاصرة. فلهذا يمكنني أن أقول لك إن جلّ الأعمال المعروضة هذه السنة تنتمي بالقوة إلى هذا الاتجاه “الفكري” والفني. فالفن المعاصر الذي تنتمي إليه هذه التجارب الفنية “العارضة” صار يقتضي ألا يحتمل معنى أو رسالة أو يقدم لنا حلا أو يطرح سؤالا، فهو عكس الفن الحديث الذي يأخذ على عاتقه تبليغ رسالة مهما كانت. إلا أنه لا يمنعنا هذا الكلام من القول إن بعض الفنانين ورغم انتمائه لهذا الاتجاه -المعاصرة- يجعل من الرسالة أساس اشتغاله بالإضافة إلى آليات الاشتغال المعاصرة، ونذكر أمثلة على ذلك الفنان التشكيلي عادل حواتا، الفنان التشكيلي عبد السلام أزدام أو الفنان منير الفاطمي وغيرهم، عند الحديث عن الفنانين المغاربة.

النقاد التشكيليون، الذين يمكن أن نصطلح عليهم بهذا اللفظ، قلائل بشكل كبير داخل الساحة التشكيلية، بالمقارنة مع تزايد عدد الفنانين التشكيليين

حديثا عن أبرز التجارب التشكيلية خلال العام، قد لا يكفينا الوقت وعدد الكلمات لحصرها والحديث عنها، إلا أني يحق لي الذكر -من منظوري-: محمد المليحي، عبدالحي الملاخ، المهدي مفيد، زين العابدين الأمين، عبدالكريم الأزهر، عبدالله الهيطوط، مبارك عمان، رشيد باخوز… إلخ.

يعدّ فن الكاريكاتير فنا بصريا وفنا صحفيا أساسيا داخل الدائرة الفنية والصحفية، لما يتطلّبه من رؤية فنية عميقة، وإدراك سياسي وفكري أساسا. في العقود الأخيرة بتنا أمام فناني كاريكاتير محترفين تصويريا ورؤية وأفكارا، غير أنهم تنقصهم الحرية أكثر للإبداع أكثر. فطابو الدين والجنس والسياسة ما زال محرما في الصحافة العربية، وخاصة الشقان الأولان، مما يحدّ من إمكانية التعبير والإبداع داخل هذا الجنس الفني والصحفي. فحرية التعبير هي الشيء الوحيد المخوّل لهذا الفن أن يتطور ويتحسن.

فن الكاريكاتير هو الفن الوحيد المتأثر مباشرة بالواقع المجتمعي والسياسي، وهو أبرز فنون التعبير المحاكية للواقع، وهذا ظهر جليا في مدى مناقشته لما سمّي بالربيع العربي، وكيف ساير الحراك الشعبي والثورات بشمال أفريقيا والشرق الأوسط. غير أننا لا نستطيع القول إنه نجح في رصد الواقع المجتمعي والسياسي خلال الفترة الماضية، وذلك يعود لما ذكرناه من عدم وجود حرية تعبير بهذه البلدان.

صارت التكنولوجيا هي الحداثة التي تكتسح كل المجالات الإنسانية. غير أن استعمال التكنولوجيا في فنون التعبير، الكاريكاتير بالخصوص، سيف ذو حدين، فهو من جهة يسهّل ويسرّع عملية الإنجاز لدى الفنان ومن جهة أخرى يخفي العيوب الإبداعية والتمكن من تقنيات الرسم لدى هذا الفنان. فالتكنولوجيا لا تمتلك مشاعر ولا رؤى بل تحوي تقنيات جافة ومتاحة سابقا، بالتالي تضعف آليات الإبداع عند الفنان.

غير أن هذه التكنولوجيا كان لها دور إيجابي، من غير الدور السلبي الذي ذكرناه، فهي تمنح المتلقي قدرة التوصّل بالعمل الفني بشكل سريع والتفاعل معه، كما إمكانية الرجوع إليه وقتما شئنا. وهذا يساهم في اتساع رقعة التلقي وتعدد المتلقي لهذا الفن.

ناقد فني من المغرب

12