الفنانة والكاتبة سمر المحمود لـ"العرب": هناك فرق شاسع بين الرسام والفنان

الفنان حين يتملك الشغف الحقيقي يبدأ رحلة التحرر.
الخميس 2025/03/20
الأصل في الفن هو العدسة الكاشفة

تجمع الفنانة السورية سمر المحمود بين الرسم والكتابة، وهما عالمان متقاطعان بشكل كبير يتكاملان فيما بينهما رغم اختلاف الاشتغال في كليهما. فتقاطع الفنون هو ما تؤمن به المحمود التي كان لـ"العرب" معها هذا الحوار حول تجربتها الفنية ورأيها عن دور التحصيل الأكاديمي في نضج الخبرة، وما يكون بمثابة المؤثرات الحسية في عالمها.

الفن هو حصيلة لنبوغ الإدراك والتمكن من الاكتشاف للمعطيات بأبعادها المختلفة والتواصل مع الطبيعة والواقع مستندا إلى صفاء الرؤية لرصد ما يعتمل خلف الظواهر المرئية من الحراك الشعوري، لذلك فإن الفنان التشكيلي يرى فيما هو منظور إليه استعارة للمتواري واللامرئي، وهذا ما يكسبه طاقة استكشافية ويزيده شغفا بالترحل نحو آفاق غير معهودة للتعبير عن عوالمه الحافلة بالأسئلة والرؤى.

ما يميز الفنان أن كل ما يقع في محيطه يكون دافعا للعودة إلى الباطن، كما أن الأفكار التي تشغله تفتح له نافذة على الواقع الخارجي. أخذت الفنانة السورية سمر المحمود طريقها لمصاحبة اللون مدججة بروحية طامحة للتحرك ضمن ما تجود به المخيلة. وما يترآى لها من التشكيلات اللونية على حامل اللوحة. حدود عالم سمر هي حدود الاحتمالات الكامنة في الألوان.

رؤية فنية

سمر المحمود: التحصيل الأكاديمي يطور من آليات وتقنيات التعبير لكنه لا يخلق فنانا إذا لم يترافق مع الحس والشغف والإبداع الفطري
سمر المحمود: التحصيل الأكاديمي يطور من آليات وتقنيات التعبير لكنه لا يخلق فنانا إذا لم يترافق مع الحس والشغف والإبداع الفطري

تسأل “العرب” سمر محمود ماذا يمكن للإنسان أن يكتشفه في الفن ولا يمكنه الوصول إليه وهو يتابع أشكالا وأجناسا أدبية أخرى؟ لتجيبنا “حيثما يلتفت الإنسان يمكنه التقاط لمحات فنية، الأمر يعتمد على حس الإنسان، فالفنون لا يمكن تحديدها بمادة معينة أو صفة معينة إنما الأصل فيها هي العدسة اللاقطة ألا وهي الإنسان، وقد يرى أحدهم ما لا يراه الآخرون وهم ينظرون إلى نفس اللوحة الحياتية، إذا المتلقي هو جانب والمرئي هو الجانب الآخر ولا يتساوى اثنان في رؤيتهما لنفس الشيء وحتى المتلقي الواحد قد يرى المشهد برؤية مختلفة حسب الحالة التي يراه فيها والتي تتعلق بمجموع العوامل الداخلية والخارجية التي تكاد تكون لانهائية.”

وتضيف “نستنتج أن الرؤية الذاتية هي الأساس في تحديد وتقييم الجانب الفني المرئي، من هذه الزاوية لا يمكن الحصول على رؤية فنية محددة ومقصودة من كثرة المشاهدات للأعمال الفنية للوصول إلى نتيجة معينة، فالانطباع هو انعكاس هذه الأعمال الفنية على أساس المنتج للفن في دواخلنا، نعم القيمة الأساسية والعليا للأعمال الفنية المهمة هي المدى الذي يمكن أن تتطور فيه رؤيتنا العامة بما يشكل إضافات من الممكن أن يكون لها أثر كبير في إبداعنا الفني، ويمكن أن توسع الآفاق بدرجة كبيرة وأن تدخل رؤى وتقنيات معينة يمكن أن تكشف زوايا مجهولة في دواخلنا فهي عملية تبادلية ما بين الرائي والمرئي تنعكس بشكل فعال في تطوير العمل الفني.”

هناك من يرى أن التنظيرات المدرسية تثقل كاهل الفنان وتقيد حركة موهبته وهناك من يرى العكس أنها تنضج وعيه وتحدد خطا لمشروعه، تعلق المحمود “لا شك أن التحصيل الأكاديمي يطور من آليات وتقنيات التعبير من الأدوات إلى الوسائل الأساسية، مع أهميته في تنمية إدراك الثقافة البصرية والمهارات البحثية عدا أنه يختصر الطريق، والحصيلة بلورة المنتج الفني وتحسين صورة إيصاله، لكنه لا يخلق فنانا إذا لم يترافق مع الحس والشغف والإبداع الفطري، فهناك فرق شاسع بين الرسام والفنان.”

وتضيف “نعم أظن ذلك بكل ما تحمله من إيجابيات في نضج وتطور خبرة الفنان إلا أنها قد تساهم في تماهي الفنان وضياع هويته الفنية التي يسعى لخلقها، ولكن حين يتملك الفنان الشغف الحقيقي بحيث يصبح الفن وسيلة حياة دون غاية ترجى وبالاستمرارية التي تراكم الخبرة، يبدأ رحلة التحرر رويدا رويدا حتى يجد نفسه وقد استفاق يوما ما ينظر للوحة فيقول نعم لقد وجدتها.”

 الرسم والكتابة

الإحساس الفني يتطور نحو الاختزال الصعب
الإحساس الفني يتطور نحو الاختزال الصعب

تسأل “العرب” المحمود كيف ترى بداياتك الفنية على مستوى التفاعل مع اللون وطبقاته الإيحائية عندما تقارنينه بما وصلت إليه الآن؟ لتجيبنا “بين صعود وهبوط يتطور التعبير عن الإحساس بل يتطور الإحساس الفني بذاته من خلال تطور التعبير نحو الاختزال الصعب، البداية في الرسم كانت تجسيد الموضوع ليشكل فكرة العمل الفني، فيما بعد اكتشفت أن تنمية مهارة الإدراك البصري والاستمرار الملح في التجربة الحرة يطوران العمل الفني بحيث يقود اللون اللوحة ويخلق التجسيد بعيدا عن أي تخطيط.”

في مجال الكتابة نشرت المحمود مجموعة قصصية بعنوان “امرأة أربعينية”، نسألها إلى مدى استفادت من خبرتها في مجال التعبير باللون لصياغة لغة أقرب إلى التجريد؟ لتقول “كل الفنون تؤدي إلى بعضها وتؤدي ذات الهدف، يقول وودي آلن: الحياة برمتها أمر تراجيدي فلنقاومها بالسينما (الفن بشكل عام). الفن الحصيلة الواعية التي تكتمل باللاوعي، مع اختلاف وسيلة التعبير، لكنني أجد أن ما يميز الفن التشكيلي عن الكتابة هو لغته الإيحائية التعبيرية غير المباشرة التي تحتمل التأويل، فضاء متسع من الخيالات والاحتمالات إلى درجة أن الخطأ يخلق بعدا ما يستثمره الفنان في إنتاج اللوحة.”

حول أبرز المعينات الحسية لمواجهة حامل اللوحة، تقول سمر المحمود “للمكان المألوف خاصية مهمة لكن الأهم هو الدافع أو الرغبة في الرسم لأنه في حال انعدامها تصبح الظروف المؤاتية غير مهمة، هناك لحظات إلهام قد تصبح متعبة فيما بعد لأن هذه اللحظات لا تكترث بالوقت المناسب وهذا يعتمد على إرادة الفنان وجهده في خلق إلهامه الخاص في الوقت الذي يناسبه.”

13