الفكاهة فن للتخلص من التوتر إذا تم الفصل بين المرح والتهكم

الفكاهة لديها القدرة على خلق بيئة مواتية للحصول على نتائج إيجابية في العمل أو الأسرة والمحيط الاجتماعي.
الخميس 2019/02/21
حاجة للأجواء التي تخلقها الفكاهة

في أي لقاء عائلي، اجتماع في العمل أو حفلة، هناك دائما شخص يضيء الجلسة ويضيف إليها الكثير وهو غالبا الشخص الذي يتمتع بروح الدعابة. يشكل العمل والروتين والمهام الشاقة والمسؤوليات المصاحبة لها عبئا يوميا لا يطاق، وهي قد تصبح أكثر قبولا مع وجود مثل هذا الشخص. أما إذا كان مدير العمل أو المسؤول أو رب الأسرة هو هذا الشخص بعينه، فهذا من شأنه أن يجعل الحياة اليومية بمجملها تجربة مريحة تتحول فيها الأعمال والواجبات أو ما يقتطع منها من أوقات، لحظات مفرحة يتبدل فيها المزاج ليسود جو من الفرح والتفاؤل وهو كل ما نحتاجه لمواصلة أيامنا المتشابهة، إنه أمر مطلوب بين الحين والآخر فنحن لسنا بحاجة إلى أن نأخذ الأمور على محمل الجد طوال الوقت.

أشار باحثون في جامعة أريزونا الأميركية في دراسة حديثة، إلى أنه على الرغم من أن الفكاهة لديها القدرة على خلق بيئة مواتية للحصول على نتائج إيجابية في العمل أو الأسرة والمحيط الاجتماعي عموما، إلا أن هذا الغرض ربما لن يتحقق إذا كانت الطرفة غير مناسبة أو أن الشخص الذي يطلقها، لم يحسن التصرف أو بدا وكأنه يقولها بأسلوب مستفز فيه من القسوة أكثر من المرح، إضافة إلى ذلك فإن إطلاق النكات وتأثيرها في الحيز الصغير من الأشخاص الذين يتلقونها قد يتأثر بمواصفات هؤلاء الأشخاص، وطريقة تفاعلهم مع النكتة أو مدى تقبلهم للفكرة التي تطرحها.

بعض الأشخاص الذين يعتقدون بأنهم ظرفاء يطلقون الطرائف هنا وهناك في مكان العمل مثلا، قد يستهدفون بها فئة معينة ربما تكون السيدات فيضحك على طرفتهم الرجال ويتفاعلون معها الأمر الذي يسبب حرجا للطرف الآخر. وهذه من أسوء الطرق التي من الممكن أن تخلق عداوات وتوترا في أجواء العمل، كذلك ينطبق الأمر على أفراد الأسرة الواحدة عندما يعمد الأشقاء الكبار مثلا للسخرية من الصغير بدعوة إضفاء جو من المرح، فتأتي النتائج عكس ذلك.

ومن جانبها، ترى أستاذة العلوم النفسية والأستاذة المساعدة في قسم علم الشيخوخة في جامعة ماساتشوستس في بوسطن سوزان كراوس، أن بعض الناس لا يتقبلون الأشخاص الذين يمزحون طوال الوقت، فضلا عن ذلك، فإن المزحة يمكن أن تتحول إلى ألفاظ سمجة تخلق مواقف مزعجة لهم خاصة إذا ساورهم شك بأنهم المقصودون بذلك.

الأهم من ذلك، يأخذ بعض الناس الأمور على محمل الجد بصورة دائمة وقد يجدون في الأشخاص الذين يحاولون خلق أجواء من المرح، بأنهم يتجاوزون أوقاتهم وحقوقهم في إنجاز أعمالهم في توقيت معين أو أن عملهم يحتاج إلى تركيز يرفض أن تتم مقاطعته مهما كانت الأسباب.

أكثر من ذلك، يلجأ الشخص الذي يقول النكات بغرض تلطيف الأجواء إلى تبني سلوك تهكمي واستفزازي، الأمر الذي يجعله (مهرجا) في نظر الآخرين أو أنه يختبئ خلف نوايا أخرى مبيتة قد تكون إحداها السخرية من الآخرين ومحاولة التقليل من شأنهم، ليبدو هو الأفضل.

أما إذا كان هذا (المهرج) امرأة، فإنها بالتأكيد ستعرض مكانتها الاجتماعية إلى ألسنة الناس وربما يبدأ بعض الخبثاء بإسباغ صفات شخصية سيئة عليها، ليس أفضلها بأنها امرأة (خفيفة) غير متزنة، سطحية وتافهة.

فن التخلص من التوتر
فن التخلص من التوتر

وتقترح بعض النظريات النفسية بأن الفكاهة يمكن أن ينظر لها من جوانب عدة بحسب تقييم الناس لها؛ فالنكتة يمكن أن تخدم غرضا إيجابيا من خلال تخفيف حدة التوتر كما يمكنها أن تسبب الإزعاج للآخرين عن طريق تشتيت انتباههم باتجاه المهمة المطلوب منهم إنجازها، وفي ما يتعلق بجنس الشخص الذي يطلق الفكاهة؛ أبدى أفراد العينة المشاركون في الأبحاث وجهات نظر معاكسة تماما، حيث وصف بعضهم مقطعا لفيديو يقوم فيه رجل بإطلاق مجموعة نكات بأنه ممتع وأن الرجل كان موهوبا ومميزا، في حين وصفت سيدة ظهرت في مقطع فيديو فكاهي مشابه بأنها مزعجة وغير جاذبة أو أقل أداء وبالتالي فإن المقطع غير مضحك.

ولا يمكن الجزم بطبيعة الحال بما إذا كان تقييمهم هذا مرده إلى عدم إجادة المرأة عموما فن الفكاهة حتى في أبسط حدوده، أو أنهم لم يتقبلوا الأمر لكون الشخص الذي أطلق الفكاهة كان امرأة وليس رجلا. واعتبر باحثو جامعة أريزونا بأن طبيعة إدراك الفكاهة من قبل الجمهور تنحاز في الغالب إلى جنس الشخص الذي يطلقها، باعتبار أن السخرية والإثارة اللتين تنطوي عليهما روح الفكاهة من شأنهما أن تنتهكا الصورة النمطية لنوع الجنس الأنثوي ولا تفعلان ذلك مع الجنس الذكوري، من وجهة نظر عينة البحث طبعا.

هذه النتيجة ربما تفسر من جانب واحد عدم نجاح المرأة في أعمال ومهن معينة مثل الإدارة، خاصة عندما تكون الفكاهة من سماتها أو أنها تلجأ إليها أحيانا ضمن حيثيات إدارة العمل وتحديدا الرجال الذين يكونون تحت سلطتها، حيث يظهرها هذا المزاح بموقف أضعف وسيطرة أقل على مجريات الأمور، في حين يضيف حس الفكاهة للرجل الإداري الكثير من قوة الشخصية والتأثير المحبب على المرؤوسين.

وبحسب وجهة نظر بعض الباحثين، فإن هذه النتيجة المؤسفة يمكن أن تتغير للأفضل، إذ أن الحكم ينبغي أن يكون أكثر إنصافا من خلال الوعي المتزايد لدى أفراد المجتمع الذين سيتقبلون النكتة اللطيفة الخفيفة التي تهدف إلى تحسين بيئة العمل أو البيئة الاجتماعية للإنسان عموما، سواء أكان مطلقها رجلا أو امرأة.

21