الفكاهة المفعمة بالحكمة أفضل السبل لحل الخلافات العائلية

إبعاد الأبناء عن شجارات الوالدين غير متاح دائما، والأبوان مصدر أمان الطفل ونزاعاتهما ترفع لديه هرمون الإجهاد.
الأربعاء 2019/02/13
التخلص من الغضب

كيف ستتصرف أمام الأطفال، عندما تكون في خلاف مع شريكك؟ لا يمكن للشريكين بالطبع تجنب الخلافات والشجارات والتصادم وتبادل الاتهامات، كجزء لا يتجزأ من روتين الحياة اليومية المشتركة، كما لا يمكنهما اختيار المكان والزمان المناسبين لحدوث مثل هذا الخلاف؛ إذ أن المنزل بالتالي سيكون مسرحا له ولهذا سيكون الأطفال حاضرين في كل الأحوال.

أغلب الخلافات والصراعات بين الأبوين تكون تحت أنظار صغارهم، شئنا هذا أم أبينا، ولا يمكن تجنب حدوثه كما لا يمكننا أن نخرج عن نطاق جدران المنزل متى يحلو لنا ذلك، لمجرد إدارة نقاش مزعج قد يتطور إلى نزاع عنيف ربما، في محاولة لإعفاء أبنائنا من أن يكونوا شهودا عليه.

بخلاف جميع توصيات المتخصصين بضرورة تأجيل الخلافات والنقاشات، حتى ينام الأطفال أو حين يخرجون في نزهة، أو حمل الخلاف ذاته من قبل الزوج والزوجة إلى مقهى قريب لغرض التفاهم بعيدا عن فضول الصغار.. فإن هذا الأمر يبدو غير عملي وربما غير واقعي، في الوقت الذي يمكن أن تنفجر فيه فتيلة المشكلة في أي وقت إذا توفرت لها الظروف والدوافع الملائمة.

وقد يتحول الحوار اليومي العادي على مائدة الغداء ببساطة إلى تراشق بالألفاظ غير مسيطر عليه، ثم تتصاعد موجة الاتهامات حتى تتحول إلى معركة يصح فيها استخدام الاتهامات والأصوات العالية بشكل يسير، ومن دون مراعاة لوجود أطراف أخرى، سواء كانوا أطفالا أم ضيوفا أو جيرانا مثلا.

وتؤكد المعالجة الشخصية وأستاذة علم النفس السريري في جامعة كولومبيا الأميركية لورا مارخام؛ على أن الخبراء والمتخصصين في الماضي طمأنوا الآباء والأمهات بأن خلافاتهم التي تشعل فتيل شجاراتهم أمام أنظار الأطفال، لن تترك أي ضرر نفسي يذكر طالما عقدوا بعد ذلك جلسات صلح وأظهروا بوادر للمحبة مرة أخرى.

متخصصون يوصون بأهمية إضفاء مسحة من الفكاهة على الحوار لتلطيف الأجواء وللتعامل الإيجابي مع الخلافات 

غير أن التطوّرات الأخيرة في البحوث العصبية دحضت هذه النظرية؛ إذ أظهرت نتائجها بأن سماع الطفل لصراخ الوالدين أو أي شخص آخر أمامه، من شأنه أن يرفع نسبة هورومون الإجهاد لديه وقد يحدث هذا الأمر حتى مع حدوث الشجار والصراخ أثناء نوم الطفل الصغير! ولأن الأبوين هما مصدر لأمان الطفل، يمكننا أن نتخيل مدى الخوف الذي يعانيه عندما يسمع صراخهما ويشاهد خلافاتهما، عندها سيصبح العالم مكانا مرعبا بالنسبة إليه.

وتتمثل المضار النفسية لذلك في نواح عدة؛ فاستجابة الطفل لصراخ والديه يمكن أن يتمثل في الشعور بالقلق في حين يواجه بعض الصغار صعوبات في النوم، إذ أن هورمون الإجهاد قد يبقى في جسده لساعات طويلة.. ولأن الصغار لا يستطيعون أن يسيطروا على غضب الوالدين فإنهم يعبرون عن عجزهم هذا بالخوف والقلق وربما التحدي والسلوك غير المهذب.

ويكون الوضع أسوأ من ذلك، عندما يتواصل الراشدون مع بعضهم بالصراخ فهذا يمرر للصغار رسالة سلبية مفادها؛ أن الصراخ هو الطريقة الوحيدة للتعامل مع الخلافات التي يواجهها الناس خاصة مع تكرارها.

من جانب آخر، ترى لورا مارخام أن الخلافات بين الأهل أمام أنظار أبنائهم أمر جيد، على أن تتم السيطرة على هذا الاختلاف بصيغة من التفاهم وإدارة الحوار المبني على احترام الطرف الآخر.. بعبارة أخرى، أن الأطفال من الممكن أن يستفيدوا من مشاهدة الخلافات الصحية بين الوالدين، حتى إذا ارتفعت قليلا حرارة الصدام شرط أن يتمكن الطرفان من التوصل إلى حل سريع يأخذ بالاعتبار إصلاح الأمور وإعادة التواصل، الأمر الذي يقدم نموذجا جيدا للأطفال يعكس مدى أهمية المرونة في العلاقات.

الخلافات والنقاشات بعيدا عن أعين الأطفال
الخلافات والنقاشات بعيدا عن أعين الأطفال

في كتابها “أمومة هادئة وأطفال سعداء”، تذكر لورا العديد من الاستراتيجيات لإدارة هذا النوع من الخلافات، أي كيفية إدارة شجار عائلي بمزيد من الحكمة وشيء من حس الفكاهة.. فحين تبدأ حدة الحوار بالتصاعد تدريجيا ويدرك الوالدان بأن الأمور ستأخذ مدى أبعد وربما يؤدي إلى تبادل عبارات غير لائقة أمام الأطفال، فمن الأفضل التنبه لذلك في الوقت المناسب ومحاولة تأجيل النقاش إلى وقت آخر يكون فيه الطرفان على استعداد أكبر لمناقشة الخيارات.

وسيمثل هذا الوقت فرصة أخرى لتقبل المشكلة والتعامل معها بأسلوب أكثر هدوءا وتحضرا.. فضلا عن ذلك، يوصي متخصصون بأهمية إضفاء مسحة من الفكاهة على الحوار لتلطيف الأجواء قليلا والسماح للأطفال بالاسترخاء قليلا من تسلط الجو الانفعالي، والبدء بالتعامل الإيجابي مع خلافات الأهل ومناقشاتهم وكأنه حوار أسري عادي، وهو كذلك في الأصل.

أما إذا كان رد فعل الطفل شديدا ومباشرا وهو غالبا ما يكون في صيغة غضب، فالكاتبة توصي بضرورة التوقف عمّا يفعله الوالدان بصورة قطعية ومباشرة أيضا إضافة إلى عدم تحميل الموقف أكثر مما يستحق.. أي ألّا يأخذ الأهل في الحسبان شخصنة سلوك الطفل تجاههم، فهو في الأساس مجرد رد فعل على سلوكهم.

كما تتوجب محاولة فهم الطفل والاستماع إليه وامتصاص ثورة غضبه، ليس بالضرورة أن تتم الموافقة على موقفه وليس بالضرورة أيضا مواجهته بعنف مقابل.. ببساطة، يتطلب منا الأمر السماح له بالتعبير عن مشاعره بالحزن الخفيف أو الدموع، دموعك أو دموعه لا يهم، المهم أن الغضب سيزول بالتدريج بعد أن يتم التعبير عنه.

21