الفصل بين الجنسين أداة أردوغان لأسلمة جامعات تركيا

إسطنبول - باشرت السلطات التركية منذ الثلاثاء حملة اعتقالات طالت النساء اللاتي قُمن بالاحتجاج على الفصل بين الجنسين في الجامعات، وهي مبادرة أطلقها حزب العدالة والتنمية الحاكم، يرى فيها معارضوها جزءا من خطة شاملة لتغيير الهوية العلمانية للبلاد وفرض أيديولوجيا الحزب الإسلامية.
وتمّ اعتقال المجموعة بعد أن منعت الشرطة المتظاهرين من إصدار بيان في حديقة كوغولو في أنقرة، ومزقت ملصقاتهم التي تقول “لا نريد جامعات نسائية بالكامل”.
ودعا تجمع النساء الجامعي، وهي مجموعة نسوية شعبية، إلى إطلاق سراح المتظاهرين، وأشارت إلى أن إحدى المعتقلات كانت طالبة من جامعة بوغازيتشي بإسطنبول، حيث أدّت الاحتجاجات التي استمرت لأسابيع على تعيين رئيس جامعي مرتبط بالحكومة إلى انتقاد دولي واسع.
وقالت المجموعة “لن تكونوا قادرين على إسكات مقاومة بوغازيجي أو قمع النساء”، وأضافت “لا نريد رئيسا معيّنا من قبل الحكومة أو جامعة للنساء”.
وفي العام الماضي بدأت تركيا العمل لتأسيس أول جامعة نسائية في البلاد، ويضم مجلس أمنائها أول وزيرة للتعليم في البلاد، نيمت باش.
وحسبما روج الإعلام التركي، يأتي المشروع بعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن المبادرة في عام 2019 بعد زيارته في يونيو لحضور قمة مجموعة العشرين إلى اليابان، حيث استلهمه من العدد الكبير من الجامعات المخصصة للطالبات حصريا.
ويرى مراقبون في الفصل بين الجنسين في الجامعات استهدافا ممنهجا من قبل الحزب الإسلامي الحاكم لعلمانية الدولة ونظام التعليم التركي الذي أصبح أكثر انغلاقا وأقل انفتاحا منذ تولي العدالة والتنمية الحكم قبل 19 عاما.
وعلقت النائبة المعارضة أيلين نازلياكا بالقول إنّ رغبة الرئيس التركي بتخصيص جامعات للنساء فقط هي جزء من محاولة الحكومة لتكوين نساء متعلمات لكن مطيعات.
وجاءت تصريحات رئيسة الفروع النسائية في حزب الشعب الجمهوري المعارض بعد نشر البرنامج الرئاسي السنوي لتركيا لعام 2021 في الجريدة الرسمية، والذي يتضمن خطط أردوغان للجامعات الموجهة حصريا للنساء.
وقالت مسؤولة حزب الشعب الجمهوري إنه من غير المقبول إرجاع تركيا إلى نظام جامعات للنساء فقط، والذي يتخلف 50 عاما في هذا القطاع.
وأثارت حكومة أردوغان ذات الجذور الإسلامية الغضب لانتهاكها المبادئ العلمانية لتركيا وتقييد الحريات المدنية للمرأة، بعد أن دعت إلى أن يكون لكل امرأة في البلاد ما لا يقل عن ثلاثة أطفال واقترحت قيودا على حقوق الإجهاض، ودفعت إلى انسحاب البلاد من اتفاقية إسطنبول، وهي معاهدة مجلس أوروبا لحقوق الإنسان ضد العنف المنزلي والعنف القائم على النوع الاجتماعي.
وتقول ألكسندرا دي كرامر، صحافية مقيمة في إسطنبول “لن يغفل أي مراقب بأن حقوق المرأة باتت مقتضبة وأن إنشاء جامعة للنساء فقط لن يؤدي إلا إلى تعزيز هذا التوجه وبدلا من إظهار مدى الرغبة في النهوض بالمرأة، فإن فكرة المؤسسات المنفصلة المخصصة للنساء فقط لن تعدو كونها محاولة للإنقاص من مكانة المرأة كمواطنة. لن تؤتي الفكرة أؤكلها في القرن الحادي والعشرين”.
واتخذ أردوغان من إصلاح التعليم وسيلة لتغيير ثقافة المجتمع التركي عبر القضاء على العلمانية، فالكثير من المناهج الجديدة تُغير لدى الطلاب، منذ سنواتهم الأولى في المدرسة، العديد من المفاهيم التي تأسست عليها الدولة التركية العلمانية ومن أهمها النظرة للمرأة ولمفهوم الأسرة وكذلك مفاهيم العمل والاختلاط، ما من شأنه أن يصنع أجيالا منغلقة تتمحور ثقافتها حول مبادئ الحزب الحاكم.
وفي أكتوبر الماضي طالب الرئيس التركي بتغيير كامل لمنظومة التعليم نحو “تعليم أخلاقي”، ضاربا موعدا للقضاء التام على التعليم العلماني الذي تتداعى أسسه يوما بعد آخر.
وحسب خبراء، يستوجب ذلك تغييرات جذرية وليس تغييرا روتينيا في المناهج الدراسية، في وقت تشير فيه تقارير دولية إلى أن تركيا تعاني من غياب المعايير المحددة لجودة التعليم وعدم وجود قاعدة بيانات موثوقة وموضوعية في هذا الصدد.
وتؤكد تقارير التنمية البشرية الدولية أنّ أردوغان لم ينجح فقط بتحويل النظام التعليمي في البلاد من نظام علماني مُنفتح ومُتسامح إلى منهج ديني مُتشدّد، بل تسبب أيضا في انخفاض المستوى التعليمي العلمي للطلبة الأتراك.