الغضب أضعف رد فعل على الإهانة وأكثرها شيوعا

يبدو أن أكثر أفراد المجتمع عرضة لألفاظ الشتم الجديدة هم أهل السياسة دون منازع باعتبارهم الكائنات الحية المسؤولة عن إحداث أكبر ضرر في البنية الاجتماعية والنفسية للبشر، وهذا الأمر لا يبدو سيئا بقدر ما هو صحي للتخفيف من حدة الغضب الشعبي، لكن الشتائم يمكن أن تتصدر، إضافة إلى ذلك، حوارا مازحا بين الأصدقاء وأفراد العائلة الواحدة أو بين الزملاء المقربين في العمل أو يمكن أن تلقى ببساطة في وجه أول مستطرق في الشارع، لا تروق ملامحه أو هندامه لبعض المارة.
يؤكد الدكتور شاول ليفين؛ أستاذ الطب النفسي في جامعة كاليفورنيا- سان دييغو الأميركية، على أن كلمات الشتيمة الجديدة بدأت بالتسلل تدريجيا إلى اللهجة المحلية، وفيها اصطلاحات علمية يساء استخدامها وتطلق أحيانا جزافا وبصورة عشوائية من دون التحقق جيدا من معناها أو تأثيرها في الشخص المقابل، سواء أكان القصد منها تحقير الآخرين أو مجرد السخرية منهم في مزاح ثقيل وغير مبرر على الإطلاق، فقد نفاجأ ونحن في جلسة مع أصدقاء أو في مناسبة اجتماعية أو حتى في الشارع بسماع الناس وهم يتداولون اصطلاحات مثل؛ نرجسي، فوضوي، مهووس، ذهاني، عصابي، وسواس قهري، توحد، جنون العظمة، تخلف عقلي، وغيرها من الألقاب التي تطلق جزافا وبصورة مباشرة باتجاه الشخص المعني بقصد الإقلال من شأنه أو السخرية منه أو لخلق أجواء من المزاح مع الأصدقاء أو أفراد الأسرة، تنتهي نهاية غير سارة بالتأكيد.
وعندما تستخدم مثل هذه الكلمات كشتائم فإنها تعني بالتأكيد أن الأشخاص الموجهة لهم يعانون من اضطرابات نفسية معينة، حتى إذا كانت موجهة إلى أشخاص يفترض أنهم أناس أصحاء، وهي قد لا تكون مؤذية إذا كان القصد منها التعاطف مع حالة معينة أو لوصف إعاقة عقلية معينة من قبل متخصصين، إلا أنها تفقد خاصيتها فيما لو استخدمت في سياق سخرية معينة أو إهانة مباشرة ويبدو الأمر محبطا عندما تلوكها ألسنة الناس العاديين في محادثاتهم على الإنترنت، خاصة أنها مشتقة من معاجم طبية تخصصية تستخدم الاصطلاحات لوصف الأمراض النفسية والعقلية لتضع الأساس العلمي لتشخيص الأمراض لغرض التعامل معها ومع المرضى، مع وجود التحفظ القائم على تجنب نعت المرضى بهذه الألفاظ سواء من قبل المعالج أو الأشخاص في المحيط الاجتماعي للمريض وحتى الغرباء.
ويرى الدكتور ليفين أن حث الناس على تجنب استخدام هذه الكلمات في أسلوب السخرية والتهكم من الآخرين، يبدو ضربا من المستحيل لأنهم يفعلون هذا في الواقع بصورة مستمرة وشبه شائعة للأسف، وبصورة خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي من دون أن يعوا أضرارها فهم لا يسيئون بذلك إلى الأشخاص الذين ينعتونهم بهذه الصفات بقصد الإهانة، بل إن استخدام هذه الكلمات بصيغة (اعتداءات لفظية) قد يترك أثرا نفسيا عميقا ومؤلما لأولئك الذين يعانون بالفعل من الاضطرابات النفسية.
كلمات الشتيمة الجديدة بدأت بالتسلل تدريجيا إلى اللهجة المحلية، وفيها اصطلاحات علمية يساء استخدامها
ومن ناحية أخرى، وفي ما يتعلق برد الفعل تجاه الإهانة، يرى الدكتور نيل بورتون؛ وهو طبيب نفسي وكاتب ومحاضر في جامعة أكسفورد في إنكلترا، أن هناك وسائل عدة للتعامل مع الإهانة وأكثرها شيوعا الغضب؛ وهو أضعف استجابة ممكنة لأنها تعني ببساطة بأننا نأخذ الإهانة على محمل الجد حتى وإن كانت بصيغة سخرية وهذا أيضاَ فيه اعتراف ضمني بأنها تعكس بعض الحقيقة، الأمر الذي يزعزع ثقتنا بأنفسنا ويزيد ألمنا النفسي. أما تقبل الإهانة أوالسكوت عنها فإنه يعكس في ظاهره رد فعل سلبي، لكنه في الحقيقة عكس ذلك تماما، إذ أننا نأخذ في الاعتبار عندما نتعرض إلى الإهانة الشخص الذي صدرت عنه ومدى أهميته بالنسبة إلينا ومدى حقيقة سخريته وتحقيره لسلوكنا أو لشخصنا في موقف معين مثلا، فإذا كان الموضوع الذي يسخر منه واقعا تتحول الإهانة إلى مجرد مواجهة عملنا الخاطئ بصراحة جارحة بعض الشيء خاصة إذا كان هذا الشخص مقربا، أما إذا حدث العكس وصدرت الإهانة من شخص لا يمثل أهمية تذكر وبصورة متعمدة وغير مبررة، فإن التجاهل في هذه الحالة هو الحل الأمثل بالقدر نفسه الذي نتجاهل فيه كلبا ينبح بوجهنا في الطريق العام.
وفي الوقت ذاته، يفضل بعض الناس رد الإهانة بمثلها مع ما يتسبب به هذا الأسلوب من تعقيد أكبر للمشكلة، فرد الإهانة يتطلب سرعة بديهة مع وجود التوقيت المناسب وعدا ذلك فهي لا تؤدي وظيفتها المناسبة في حال لم يستوعبها الطرف المقابل بالصورة التي نرغبها، ولهذا ينصح باستخدام هذا الأسلوب بين الأصدقاء وبقصد تحويل الإهانة إلى مزاح بالشكل الذي يجعله مفهوما ورادعا للشخص الآخر حتى لا يكرر خطأه، فأسلوب الفكاهة من شأنه أن ينهي حالة التوتر التي يحاول الطرف الآخر أن يخلقها. عموما، ينبغي علينا أن نتسيد مثل هذه المواقف المزعجة بأن نخرج منها بأقل الخسائر النفسية.
ويعتقد الدكتور بورتون بأن التجاهل هو الحل الأمثل في جميع الحالات، وهو أسهل بكثير من الغضب أو محاولة تصعيد الموقف ويجعل الشخص الذي يتعرض للإهانة في موقف قوة وقد يجبر الطرف الآخر على الاعتذار أو الشعور بالخجل على الأقل، وهذا يضمن بالتأكيد عدم تكرار الفعل في مواقف أخرى مشابهة، وكأن الرسالة الموجهة إلى الشخص المقابل تقول “لست مهتما بما تقوله، حتى أن الاعتذار لا يشكل أي أهمية بالنسبة إلي، فأنت ببساطة غير موجود”.