الغش في الامتحانات ظاهرة تربوية ذات أبعاد نفسية

انهيار القيم الاجتماعية يدفع المتعلمين للبحث عن الذات بطرق غير أخلاقية.
الأربعاء 2021/06/02
الخوف من الفشل يدفع الطلاب إلى التدليس

يؤكد خبراء علم النفس أن البيئة المدرسية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالمجتمع مسؤولة في جانب منها عن تفشي ظاهرة الغش في الامتحانات ما يجعل هذه الظاهرة انعكاسا لتحول اجتماعي تساهم فيه العديد من الظروف والملابسات. ويشير الخبراء إلى أن انهيار القيم الاجتماعية يجعل البحث عن الذات يتم بطرق غير أخلاقية عند المتعلمين.

الدار البيضاء – تعود ظاهرة الغش لتضرب من جديد في أنحاء متفرقة من العالم العربي، مع عودة موسم الامتحانات لطلاب المدارس الإعدادية والثانوية وحتى الجامعية.

ويدفع الإحساس بالقلق من الامتحانات والضغوط الممارسة عليهم من قبل أسرهم، الكثير من الطلبة إلى الغش من أجل رفع علاماتهم وضمان نجاحهم وكسب رضاء أولياء أمورهم.

و مع تطور التقنيات لتتواءم مع عصر وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح فيسبوك يعج بالعديد من الصفحات، التي تروج بصورة صريحة للغش في الامتحانات، ويرتادها الآلاف من الطلاب بحثا عن فوز سهل، بينما يعكف آخرون على الاستذكار بجد.

كما تطورت ممارسات الغش مستفيدة من ميزات التكنولوجيا الحديثة والطفرة التي شهدتها في السنوات الأخيرة، فتم تعويض الجذاذات الصغيرة والكتابة على اليد مثلا بشرائح تلصق على الجسم أو سماعات ذكية أو التطبيقات والبرامج المتوفرة على الإنترنت.

ورغم ما تبذله وزارات التربية في جل البلدان العربية من مساع تردع الطلاب عن الغش في الامتحانات كاتخاذ قرارات بتعميم كاميرات المراقبة على قاعات الامتحانات بهدف رصد ممارسات الغش ومكافحتها، إلا أن ذلك لم يثن عددا منهم عن ممارسته، ما أدى إلى تسليط عقوبات ضدهم تصل حد حرمانهم من الترشح للامتحانات لمدة تصل إلى 5 أعوام.

أحمد الرياضي: عدم تنفيذ العقوبات التأديبية يؤسس للغش

وتنتشر ظاهرة الغش في الامتحانات على نطاق واسع في الدول العربية ما تسبب في إلغاء امتحانات البعض من المواد في العديد من مواسم الامتحانات، غير أن الغش في الامتحانات لا يقتصر على الدول العربية وحدها كما أنه ليس بالظاهرة الجديدة.

وقال السيد أحمد الرياضي أستاذ علم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق بجامعة الحسن الثاني الدار البيضاء “إن الحديث عن الغش في الامتحانات يوحي بالأساس إلى طرح أسئلة عميقة عن البيئة التي يتفشى فيها هذا الغش. أعني البيئة المدرسية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالمجتمع، ذلك أن هذه الظاهرة تعكس تحولا اجتماعيا ساهمت فيه ظروف وملابسات”.

وأضاف، وهو ما يستدعي السفر المعرفي من أجل البحث عن خيوط تفكك الوضع القائم الذي يجسد دلالات ورموز تسمح بالفعل والوجود.

وتابع في تصريح لوكالة الأنباء المغربية “إن البحث في الظاهرة يسائل كل المعنيين بالقضية، ويجعل كل فاعل مفعولا به في الكائن والممكن والمستحيل”.

وأكد أن الاشتغال على موضوع الغش في الامتحانات يطرح بعض من الأسئلة من قبيل: لماذا يقبل التلاميذ في الامتحانات على عملية الغش؟ هل الغش يرتبط أساسا بالبيئة المدرسية أم ينتقل إليها؟ هل يتوقف مباشرة بعد اجتياز الامتحانات، أم أنه فعل يصاحب الفرد في مناحي الحياة؟ هل الغش تجسيد لقيم تعيش الانهيار؟ أم أنه محاولة من أجل البحث عن الممكن؟ هل يمكن القول من منطلق آخر إنه ترجمة لرغبات نفسية، حاجات اجتماعية؟

وحول تفشي الغش رغم محاولات الحد منه، قال الرياضي “حين البحث عن الأسباب والدوافع التي تركن وراء هذا السلوك، لابد من القول أولا إن المدرسة تشكل إحدى أهم المؤسسات الاجتماعية بعد الأسرة، إذ يؤدي انهيارها إلى انتشار مشكلة التفكك الاجتماعي بين التلاميذ، وهوما يتجسد في صعوبة الوصول إلى تقديم تعليم في غياب آليات التواصل والضبط التربوي والمناهج التي لا تساير التحولات الاجتماعية”.

وأضاف أن هذا المعطى يزكي بعض التصورات أو التمثلات الاجتماعية التي تشجع التلاميذ على ممارسة الكثير من الظواهر المنحرفة كالإخلال بقوانين البيئة المدرسية، وعدم احترام النظام المدرسي، من خلال ممارسة العنف والعبث بالمرافق العمومية للمؤسسة والاستهزاء بالطاقم التربوي، وأيضا عدم المواظبة على الحصص، مما يولد الإحساس بعدم الانتماء إلى البيئة المدرسية من طرف المنتمين إليها.

وأشار إلى أن الأمر يتعلق وكأنه إحساس اجتماعي بهوية اجتماعية ممزقة تتمثل في تجربة ذاتية يسكنها الكثير من الألم وقدر قليل من الأمل، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى ممارسة أشكال الغش خلال الامتحانات، حيث يصبح الغش ظاهرة ملموسة وكأن الأمر طبيعي، بينما الأمر ليس كذلك.

ويعد الغش في الامتحانات ممارسة وسلوكا منحرفا تساهم فيه الكثير من العوامل من بينها التنشئة الاجتماعية للتلميذ حيث إن الفشل في تحقيق الذات، مع توالي الاضطرابات والصدمات النفسية الاجتماعية في ظل الكثير من الإكراهات الاجتماعية، يؤدي إلى عدم المواظبة والتحصيل بشكل موفق.

صعوبة الوصول لتقديم تعليم جيد في غياب آليات الضبط التربوي تشجع التلاميذ على ممارسة الكثير من الظواهر المنحرفة

ويتعمق الأمر حين لا تنهج الإدارة المدرسية آليات معينة لمعالجة مثل هذه الوضعيات. وبدل مواجهة هذه الأساليب المنحرفة بطرق متساهلة تساهم هي الأخرى في التمادي في هذا الفعل المنحرف، وهو ما يجعل التلميذ يعتبر ذاته المعني الوحيد بسلوكه داخل المجتمع.

ويؤكد الرياضي أن الغش في أحد معانيه له دلالات تتجلى في الصراع الذي يؤدي إلى انهيار القيم الاجتماعية، مما يجعل البحث عن الذات لدى التلاميذ يتم بطرق غير أخلاقية وهو ما يطرح سؤال تدبير الوضع الداخلي للمؤسسات التعليمية، ووظيفة المدرسة خلال التنشئة الاجتماعية داخل الأسرة والمجتمع، دون أن ننسى الجانب الأهم في المعادلة وهو: غياب العناية بالبنية النفسية للتلاميذ داخل المؤسسات التعليمية من خلال وجود الأخصائيين النفسانيين الممارسين.

وعن أنجع السبل لمكافحة ظاهرة الغش قال أستاذ علم النفس المغربي، إن عدم تنفيذ العقوبات التأديبية يساهم في انهيار المعايير الاجتماعية، وبالتالي اختلالها وهو ما يفرغ تلك العقوبات من مضامينها، مشيرا إلى أن ذلك يجعل تلك القواعد المنظمة للعمل التربوي عديمة الجدوى، حيث يصبح اللجوء إلى الغش في نظر التلاميذ محاولة لتحقيق النجاح معللين ذلك بصعوبة الامتحانات والمناهج الدراسية.

وأضاف، أنه في غياب الوسائل المشروعة تختفي آليات النجاح، وبالتالي يتم خرق القواعد الأخلاقية داخل المنظومة التربوية، مما يجعل البعض يسعى إلى التشجيع المبالغ فيه على تحقيق النجاح لدى الأفراد، دون الانصياع إلى تلك الوسائل المشروعة، وبالتالي فهو في حد ذاته وسيلة للانحراف.

وعليه فإن الرغبة في النجاح تولد لدى بعض التلاميذ استخدام بعض الآليات لممارسة سلوك الغش، ولو بطرق عنيفة، وهو ما يلاحظ من خلال لجوء بعض التلاميذ إلى ممارسة العنف، بل حتى الانتقام العنيف ضد المدرس الذي يحاول أن يفشل محاولاتهم للغش، ومنه فإن العنف من أجل الغش يشكل صراعا يسكن ذات التلميذ من أجل تحقيق رغبة ما، بغض النظر عن طبيعة ونوع الوسيلة.

وعموما إن البحث في التفاصيل الدقيقة يجعلنا، من خلال الممارسات اليومية في الكثير من المناسبات على مستوى الامتحانات، نستنتج أن وجود الممارسات المنحرفة خلال الإمتحانات داخل البيئة المدرسية يعود إلى انهيار وسائل الضبط الاجتماعي، وبالتالي يُطرح سؤال النموذج بشكل عام، فكثيرا ما تكون أخلاقيات التلميذ تلك المرآة العاكسة لأخلاقيات البيئة التي نشأ فيها.

21