العودة المدرسية تثقل كاهل الأمهات العاملات

مع انطلاق كل موسم دراسي تجد الأم العاملة نفسها أمام معادلة صعبة ومهمة شاقة تقتضي الموازنة بين تعليم أطفالها وبين مسؤولياتها الوظيفية، وفيما يصعب عليها التخلي عن الوظيفة بسبب الضغوط الاقتصادية والأوضاع المعيشية، يعتقد الخبراء أن العمل بدوام جزئي أو بنظام الحصة الواحدة من شأنه أن يخفف معاناة الأمهات العاملات في سائر الدول.
تونس - تزيد أعباء الأمهات العاملات مع بداية كل موسم دراسي جديد، أمام مخاوف من عدم قدرتهن على الموازنة والتوفيق بين مهمة رعاية الأطفال والحرص على إنجاح عملية تعليمهم وبين مسؤولياتهن الوظيفية التي تتطلب التزامهن التام بمهامهن.
وفتحت المدارس في دول عديدة في العالم أبوابها أمام التلاميذ، ومعها سيبدأ ماراثون يومي بالنسبة إلى الأمهات العاملات اللاتي تقع على عاتقهن شؤون المنزل والوظيفة معا.
وفي مواجهة مهمة شاقة، تزايدت الدعوات في العديد من الدول إلى اعتماد دوام جزئي أي نظام عمل بحصة واحدة لتسهيل المهمة الأسرية بشكل خاص للأمهات العاملات.
وفي عام 2019 تصدرت الموظفات المتزوجات في تونس قائمة المؤيدين لنظام الحصة الواحدة بعد توقيع عريضة تحمل أكثر من 10 آلاف توقيع للمطالبة بالعمل بنظام الحصة الواحدة مراعاة لمصلحة الأسرة وحماية للطفل.
واعتبرت الموظفات حينها أن ذلك سيساعد على استقرار أسرهن وسيفور لهن وقتا أطول مع أولادهن. ويسمح القانون التونسي للأمهات بالعمل نصف الوقت والتمتع بثلثي الأجر.
ويؤكد المؤيدون لفكرة الحصة الواحدة أن فائدة العمل ليست في عدد الساعات بقدر ما هي في نوعية أدائه. واستدلوا على ذلك بمثال فرع شركة ميكروسوفت الياباني، الذي خفض أيام العمل إلى أربعة، لترتفع الإنتاجية ارتفاعا مذهلا.
نظام العمل بالحصة الواحدة يشكل أملا بالنسبة إلى النساء، فهو يلبي طموحهن المهني ويمنحهن الفرصة لرعاية أبنائهن
ومازال نظام العمل بالحصة الواحدة يشكل أملا بالنسبة إلى النساء، فهو يلبي طموحهن المهني ويمنحهن الفرصة لرعاية أبنائهن الذين يشكون ويفتقدون طول غياب الأم من المنزل وعدم مرافقتها لهم إلى المدرسة.
وفيما تساهم المرأة العاملة بتوفير حاجيات الأسرة الاقتصادية، إلا أن لعملها آثارا نفسية خاصة على صحة الأطفال وعلى تعليمهم.
ويجمع خبراء علم النفس على أن إدمان الأمهات على العمل يلحق الأذى بالصحة النفسية لأطفالهن، ذلك أن الهوس بالوظيفة يؤثر على جوانب أخرى من الحياة.
وينصح الخبراء الأمهات العاملات بأن يقمن بالفصل بين العمل والحياة الشخصية، وأن يتأكدن من إعطاء الوقت والجهد المناسبين لكل منهما، مشيرين إلى أن ضغط العمل يؤثر على مزاج الأم وينعكس سلبا على نفسية الأطفال والمحيطين بها.
وتلفت الكاتبة لينا ناصر في تصريحات صحافية إلى أن تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية يمثل تحديا صعبا للعديد من العائلات لأن “إدمان العمل” قد يدمر الصحة النفسية للأطفال.
وأشار الخبراء إلى أن الشعور بالتقصير يراود الكثير من الأمهات اللاتي يبحثن عن المثالية في رعاية أبنائهن وفي تحقيق طموحهن الوظيفي، لافتين إلى أن هذا الإحساس هو في الأصل إحساس خاطئ، منبهين إلى أن الكثير من الأمهات يعشن حالة دائمة من الإحساس بالذنب والتقصير تجاه أطفالهن ما يمنعهن من الاستمتاع بمتعة الحياة؛ حيث يغرقن في أفكار وتساؤلات لا تنتهي.
وبيّنوا أن هذه المشاعر لا تنتاب الأم العاملة فقط، بل حتى ربة المنزل غير العاملة فإنها تعرّض نفسها إلى جلد الذات في الكثير من الأحيان لأنها قد لا تقوم بأي نشاط تثري به حياة أطفالها، بل على العكس فقد تضع قواعد وقيودا لأبنائها تحد بها من حريتهم.

وأكد المختصون أن الإحساس بالذنب والتقصير يلازم عاطفة الأمومة في أغلب الأحيان؛ نظرا إلى رغبة الأم الشديدة في إعطاء الأبناء كل الرعاية والاهتمام ما جعل الأمهات يعشن في حزن دفين وإحباط دائم؛ الأمر الذي ينعكس سلبا على تصرفاتها مع أطفالها ويؤثر على علاقتها بهم.
وكشف خبراء العلاقات الأسرية أن من الناحية النظرية يسهل الحديث حول ما يتعلق بمثالية كل أم، إلا أنه وبمقتضى التغيرات التي تعيشها أغلب الأسر وانشغال الأمهات بالعمل والكثير من الأعمال المنزلية يصبح هذا الأمر نظريا عند التعامل مع أبنائهن في مختلف مراحل حياتهم التي تكتسي بالصعوبات عموما.
كما أشاروا إلى أنه على كل أُم عاملة من المنزل أن تدرك أن الأمور لن تكون مثالية قط، لذلك يجب عليها ألا تقارن نفسها بالأخريات، لافتين إلى أن هناك من يحاول بث هذه المشاعر إليها بوصفها مقصرة في حقوق أطفالها، لذلك ما يجب على كل أم أن تفعله هو نبذ الشعور بالذنب تماما، وإحساسها يقينا أنها تقدم أفضل ما يمكن تقديمه لأطفالها وعائلتها.
ونبه المختصون إلى أن الإحساس بالذنب في تربية الأبناء هو عقدة تلازم بعض الأمهات، بمجرد منعهم أو حرمانهم من أشياء هن أدرى بتأثيرها عليهم إلا أن تأنيب الضمير يجعلهن في حيرة من أمرهن وأحيانا يؤدي إلى تساهلهن في التعامل معهم أو وضع القيود لهم حسب هذه المواقف.
وأشاروا إلى أن هذا الشعور مزعج ويجب على الأمهات الكف عن جلد أنفسهن والثقة بأن الأسلوب الذي يتبعنه في تربية أطفالهن هو الأنسب لهم.
وبيّن هؤلاء أن المحيط الأسري والمجتمع لا يكفّان عن إصدار الأحكام وإعطاء المواعظ والنصائح، ما يشعر الأم دائما بالذنب، منبهين إلى أن هذه الأحاسيس تصبح مصدر توتّر قد يعيق الأم عن أداء واجبها ويكون سببا في تدهور علاقتها مع أبنائها.
وذكرت دراسة سابقة “نعتقد في أغلب الأحيان أن الأمهات العاملات يتعرضن لمضايقات ولا يملكن الوقت لرعاية أطفالهن، إذ يهرعن من مدارس أطفالهن إلى العمل دون وجود ثانية واحدة يسترحن فيها”، مشيرة إلى أن الكثير من الأمهات يجدن أن قضاء بعض الوقت بعيدا عن المنزل والأولاد يمنحهن المزيد من الطاقة للتركيز عليهم.