العقوبات الأوروبية الرد على معرقلي التسوية في لبنان

فرنسا تشعر بالإحباط جرّاء تعاطي أقطاب العهد وعلى رأسهم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مع أزمة التشكيل الحكومي.
الجمعة 2021/04/09
في حضرة العهد.. اللبنانيون استنزفوا ماليا وصحيا

تضيق الحلقة على الأطراف المعرقلة للتسوية الحكومية في لبنان وسط توجه أوروبي لفرض المزيد من العقوبات. ورغم ذلك لا يبدو الفريق المتهم بالتعطيل في وارد تغيير موقفه وهو ما ترجم في المواقف التصعيدية لرئيس الجمهورية.

بيروت – تتجه فرنسا وباقي دول الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات على معرقلي التسوية في لبنان بعد أن استنفدت باريس جميع الحلول الدبلوماسية لدفع القوى السياسية اللبنانية إلى تشكيل حكومة جديدة تتولى مهمة إنقاذ البلد من الانهيار.

وأكدت مصادر فرنسية أن فرض عقوبات على الأطراف المعرقلة للحل في لبنان أمر جدي وأن الاتحاد الأوروبي بصدد دراسة الأسماء وشكل هذه العقوبات التي قد تشمل حظر السفر إلى أوروبا.

ويتزامن التلويح الفرنسي مع حراك دبلوماسي عربي لافت ترجم في جولة قام بها الخميس الأمين العام المساعدة لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي على القوى السياسية اللبنانية سبقتها بيوم جولة مماثلة لوزير الخارجية المصري سامح شكري.

سمير جعجع: لماذا لم يقدموا على دعم التدقيق الجنائي منذ بداية العهد
سمير جعجع: لماذا لم يقدموا على دعم التدقيق الجنائي منذ بداية العهد

ولم تكن جولة زكي، التي شملت رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، تتضمن في أجندتها مبادرة للحل وإنما عرض للمساعدة في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء.

وقال زكي عقب لقائه ببرّي “نحن لا نحمل مبادرة ولا نضغط على الأطراف لكن نحن منزعجون وقلقون من الوضع في لبنان”. وأضاف أن “الجامعة العربية سبق وأيدت المبادرة الفرنسية ولا ضير في ذلك، حكومة اختصاصيين تعمل على إنقاذ البلد من الوضع الاقتصادي الحالي وهذه أفكار لا بأس فيها وهي متوافق عليها عربيا، أما كيف يحدث ذلك؟ هنا نتدخل لنساعد في الحلحلة”.

ويرى مراقبون أن التحرّكات العربية تمكن قراءتها على أنها محاولات الفرصة الأخيرة قبل فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على قيادات وشخصيات لبنانية، وليس من المستبعد أن تنضم دول عربية للخطوة الأوروبية المرتقبة.

وأطلق وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الأربعاء سلسلة من التصريحات النارية، بالتزامن مع جولة وزير الخارجية المصري على المسؤولين والقادة اللبنانيين، قال فيها إن “فرنسا ستتخذ إجراءات بحق من يعرقلون حل الأزمة في لبنان والأيام المقبلة ستكون مصيرية”.

واعتبر لودريان أن الأزمة في لبنان ليست ناتجة عن كارثة طبيعية بل عن مسؤولين سياسيين معروفين، لافتا إلى أن القوى السياسية اللبنانية تتعنّت عن عمد ولا تسعى للخروج من الأزمة، وبعضها يضع شروطا تعجيزية.

وسبق وأن حثّت باريس دول الاتحاد الأوروبي على التحرك بغية ممارسة المزيد من الضغوط على الطبقة السياسية في لبنان، وقال الرئيس إيمانويل ماكرون في تصريحات الشهر الماضي إن بلاده ستتبنّى مقاربة جديدة في التعاطي مع هذه الطبقة.

وتقول أوساط سياسية لبنانية إنّ فرنسا تشعر بالإحباط جرّاء تعاطي أقطاب العهد وعلى رأسهم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مع أزمة التشكيل الحكومي، حيث يصر الأخير على موقفه لجهة حصول حزبه على الثلث المعطل، مع تسمية وزراء الطائفة المسيحية، مستندا في ذلك على دعم حليفه حزب الله وتوظيفه لسلطة رئيس الجمهورية ميشال عون الذي لا يبدو أنه في وارد الإصغاء إلا لصوت باسيل.

وشكلت إطلالة عون مساء الأربعاء في كلمة متلفزة خيبة للكثير من اللبنانيين، الذين كانوا يأملون في أن يطرح رؤية أو تنازلا لإنهاء حالة الاستعصاء الحكومي، لكنه تجاهل هذا المأزق مركزا على معضلة التدقيق الجنائي على أهميّتها.

واعتبر عون أن التدقيق المالي الجنائي هو “معركة أصعب من تحرير الأرض.. لأنها ضد الفاسد و’الحرامي’ اللذين هما أخطر من المحتل والعميل، فمن يسرق أموال الناس يسرق وطنا”. ولفت عون إلى أن سقوط التدقيق المالي يعني ضرب المبادرة الفرنسية لأنّ من دونه لا مساعدات دولية ولا مؤتمر سيدر ولا دعما عربيا وخليجيا ولا صندوق دوليا.

وحمّل عون مصرف لبنان المركزي مسؤولية الأزمة التي تعصف بلبنان “لأنه خالف قانون النقد والتسليف، وكان لزاما عليه أن ينظّم العمل المصرفي ويأخذ التدابير لحماية أموال الناس في المصارف”، مشيرا في الوقت ذاته إلى مسؤولية المصارف في التصرف بعدم مسؤولية بودائع وأموال الناس طمعا بالربح السريع ومن دون “توزيع مخاطر” على ما تقتضيه أصول المهنة، مركّزا أيضا على مسؤولية جميع الحكومات والإدارات والوزارات والمجالس والهيئات عن كل ليرة أهدرت عبر السنوات، وجميعها يجب أن يشملها التدقيق الجنائي.

باريس ضاقت ذرعا من نخبة سياسية غير مسؤولة
باريس ضاقت ذرعا من نخبة سياسية غير مسؤولة

وفيما بدا محاولة لتفعيل عمل حكومة حسان دياب دعا الرئيس اللبناني مجلس الوزراء إلى عقد جلسة استثنائية “لاتخاذ القرار المناسب لحماية ودائع الناس وكشف أسباب الانهيار وتحديد المسؤوليات تمهيدا للمحاسبة واسترداد الحقوق”.

ويعتبر التدقيق الجنائي من مستلزمات تفاوض لبنان مع صندوق النقد الدولي لدعم البلد، وضمن شروط وضعها الصندوق للسير في مسار الإصلاح الاقتصادي والمالي.

ويعاني لبنان، منذ أكثر من عام، من أسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية في 1990، حيث انهارت قيمة الليرة أمام الدولار، ويواجه المودعون صعوبات كبيرة في سحب أموالهم من المصارف.

ويرى سياسيون لبنانيون أن إثارة قضية التدقيق الجنائي بهذا الشكل وفي هذا التوقيت حق أريد به باطل، وقال رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في بيان الخميس “إن التدقيق الجنائي هو واجب الوجوب بعد كل الذي مرّ على لبنان من ويلات ومآس وكوارث، وهذا ما دفعنا منذ العام 2017 إلى الدفع قدما باتجاه الوصول إلى هذا التدقيق، مع فارق أننا نتحدث عن تدقيق جدي وفعلي يبدأ من مصرف لبنان ويشمل تباعا كل الوزارات الأساسية والإدارات والمجالس التي أهدرت فيها الأموال من دون طائل ومن حساب الدولة والمودعين وجيوب الناس ومدخراتهم”.

وأضاف “التدقيق الجنائي ليس شعارا يطرح في المواسم ولا وسيلة للنيل من خصم سياسي، إنما هو عمل مقدس يهدف إلى الإصلاح ومن ثم الإصلاح. وتوجه بسؤال إلى عون “لماذا لم تقدموا على دعم فكرة التدقيق الجنائي منذ بداية هذا العهد على رغم الأكثرية الموصوفة التي تتمتعون بها إن في مجلس الوزراء أو في المجلس النيابي؟”.

وقال عضو كتلة “المستقبل” النائب محمد الحجار في تغريدة عبر تويتر “ليس صدفة أن يستعجل فريق رئيس الجمهورية البارحة مونتاج خطاب الرئيس بالتزامن مع انتهاء زيارة وزير الخارجية المصري لمعرفتهم بحقيقة ما عبّر عنه الوزير بوضوح عن مطلب المجتمع الدولي بوقف تعطيل مراسيم تشكيل الحكومة وتحميله باسم هذا المجتمع مسؤولية ذلك للفريق الذي استثناه من لقاءاته”، في إشارة إلى استثناء وزير الخارجية المصري لرئيس التيار الوطني الحر من جولته التي شملت مختلف الطيف السياسي اللبناني، فيما يعكس موقفا متحفظا على مسلك باسيل ودوره في التعطيل.

2