العقارات التركية في قبضة الأزمات الاقتصادية والسياسية

جميع القطاعات التركية تعاني من الشلل بسبب ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة إلى مستويات فلكية بعد الانخفاض القياسي لليرة بسبب سياسات أردوغان الخارجية.
الثلاثاء 2020/06/16
مشاريع استعراضية لا جدوى منها

تؤكد أحدث المؤشرات أن الأسس الهشّة للفورة العقارية في تركيا خلال سنوات خلت بدأت تتعرض لضربات أقسى من السابق بسبب تداعيات أزمة كورونا، وفي ظل سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان الاستعراضية، وجبال الديون المتراكمة وانحدار الليرة، ما جعل المستهلكين وخاصة الأجانب يصرفون النظر عن شراء المنازل.

إسطنبول- تفاقمت معاناة قطاع العقارات في تركيا منذ بداية العام الجاري لينحدر إلى ركود غير مسبوق جراء الانخفاض الكبير في حركة البيع والشراء في السوق، متضرراً من الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد.

وتتفرج السلطات اليوم على قطاع لطالما فاخرت به طويلا واعتبرته محور إنجازاتها الاقتصادية وهو يتداعى تحت وطأة الديون الأجنبية الكبيرة، وينتظر مصيرا مجهولا قد يكون أقسى من جميع التوقعات.

وأظهرت بيانات حديثة نشرها معهد الإحصاء التركي الاثنين، أن مبيعات المنازل تراجعت بنحو 44.6 في المئة على أساس سنوي إلى 50 ألفا و936 منزلا في مايو الماضي، وهو آخر شهر قبل شروع البلد في إجراءات احتواء فايروس كورونا.

وكان لتراجع مستويات شراء الأجانب للعقارات نصيب من أزمة القطاع، حيث هوت مبيعات المنازل إلى الأجانب بنحو 78.1 في المئة الشهر الماضي لتصل إلى نحو 860 منزلا فقط.

وبحسب البيانات الرسمية، فقد انخفضت مبيعات المنازل في الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري بنحو 2.2 في المئة، وسط تشكيك من طرف المتابعين للشأن التركي في مصداقية تلك الأرقام وأن الحكومة قد تكون أخفت الأرقام الحقيقية.

وتتهم المعارضة التركية معهد الإحصاء الحكومي بالتلاعب في الأرقام التي يصدرها، ولكن رغم ذلك فإن البيانات تبعث على القلق الشديد، ففي عام واحد شهد قطاع البناء نصف مليون عاطل جديد.

ذو الفقار دوغان: القطاع في ورطة وكل الحلول المتاحة لن تنعشه قريبا
ذو الفقار دوغان: القطاع في ورطة وكل الحلول المتاحة لن تنعشه قريبا

وتعاني جميع القطاعات التركية حاليا من الشلل بسبب ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة إلى مستويات فلكية بعد أن خسرت الليرة نحو ثلث قيمتها خلال العامين الماضيين بسبب سياسات أردوغان الخارجية وخاصة في سوريا وليبيا.

ويقول محللون إن أسواق المال الدولية لا تزال غير مقتنعة بجهوزية حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان للتصدي لقضايا اقتصادية أساسية.

وتجمع التقارير الدولية على أن قطاع البناء التركي يختزل جميع ملامح الأزمة الاقتصادية للبلاد، بعد أن اندفع أردوغان لسنوات طويلة في مشاريع استعراضية تنقصها الجدوى الاقتصادية وتعتمد على الاقتراض، والتي أفلس الكثير منها أو يقف اليوم على حافة الإفلاس.

ولطالما اعتمد الرئيس التركي وحزبه العدالة والتنمية على هذا القطاع باعتباره القوة الدافعة للاقتصاد، ولكن في السنوات الأخيرة تعثر كل من القطاع والاقتصاد.

ومع تراكم معروض المساكن غير المباعة وقلة من يملكون القدرة على شراء المنازل بسبب الاقتصاد المتعثر، حاولت الحكومة إنعاش القطاع عبر توفير قروض عقارية بأسعار فائدة منخفضة وإتاحة الجنسية للمستثمرين الأجانب في العقارات.

ولكن يبدو أن محاولاتها لم تفلح لاسيما أن إدارة شؤون البلاد من الناحية الاقتصادية كان فيها نوع من الارتباك في ظل حاجتها لتمويلات ضخمة على كافة الأصعدة.

وفي محاولة لتجنب ما هو أسوأ عقب ركود ضرب القطاع في 2019، قرر حزب العدالة والتنمية الحاكم بشكل مفاجئ في فبراير الماضي، سحب اقتراح بفرض ضريبة جديدة باسم ضريبة “العقارات مرتفعة القيمة”، من مشروع قانون كان قد تم تقديمه للبرلمان.

وأشارت وكالة بلومبيرغ للأنباء حينها إلى أن الضريبة المسحوبة كانت تستهدف العقارات التي لا تقل قيمتها السوقية عن 5 ملايين ليرة (830 ألفدولار).

ومنذ بداية العام الجاري، أجبر أردوغان البنك المركزي على خفض سعر الفائدة الرئيسي بمقدار عشر نقاط مئوية في ثلاثة أشهر في مسعى آخر لتحفيز قطاع الإسكان وإخراجه تدريجيا من قبضة الركود. كما أمر الرئيس التركي البنوك المملوكة للدولة بتقديم قروض عقارية منخفضة الفائدة، بيد أن مبيعات المساكن استمرت في الهبوط.

أظهرت بيانات حديثة نشرها معهد الإحصاء التركي أن مبيعات المنازل تراجعت بنحو 44.6 في المئة على أساس سنوي إلى 50 ألفا و936 منزلا في مايو الماضي

وأفاد تقرير أصدرته رابطة شركات العقارات والاستثمار العقاري في البلاد قبل أسابيع بأنه حتى شهر أكتوبر الماضي بلغ معروض المساكن غير المباعة مستوى يحتاج إلى ثلاث سنوات ونصف السنة لبيعه، حتى لو لم يتم بناء أي مساكن جديدة.

وتشير التقديرات إلى أن عدد المنازل، التي شُيدت ولم تُبع منذ العام 2013 بلغ نحو 2.13 مليون منزل، وهذا الرقم مرشح للزيادة في حال استكمال بقية المشاريع المتوقفة. ولدى الكاتب في موقع أحوال تركية ذو الفقار دوغان قناعة بأنّ مشكلة القطاع كبيرة وكل الحلول المتاحة لن تنعش القطاع قريبا.

وقال المحلل التركي “حتى لو تم خفض أسعار الفائدة على القروض العقارية إلى الصفر، فإنه في ظل وجود 4.65 مليون عاطل ليس هناك كثيرون يستطيعون تحمل الارتباط بخطة سداد أقساط مدتها 20 عاما وشراء منزل”.

وبرر انطباعه بأن معظم الناس يفكرون في كيفية تدبير احتياجاتهم يوما بيوم، وحتى العاملين منهم يعانون من انعدام الأمن الوظيفي. وقامت أنقرة العام الماضي بمحاولة لتنشيط مبيعات الإسكان عن طريق خفض قيمة المشتريات العقارية التي تسمح للأجانب بالحصول على الجنسية التركية إلى 250 ألف دولار.

وفشلت حملات الائتمان الرخيص التي دشنتها الحكومة لتعزيز الإقبال على الشراء في السوق، لأن من يملكون الدخل الكافي للحصول على قرض عقاري أو يدخرون السيولة الكافية لسداد دفعة مقدمة نسبتها 25 في المئة يمثلون أقلية.

10