"العصر الذهبي" بين لندن وبكين يقترب من نهايته

الأويغور وهونغ كونغ وهواوي ملفات خلافية ترسم ملامح العلاقات المستقبلية.
الثلاثاء 2020/07/21
هواوي تقلب المعادلة

راهنت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي على علاقات اقتصادية متينة مع الصين كبديل حيوي لتوقعات تشير إلى تضرر اقتصاد المملكة المتحدة عقب انسحابها من الاتحاد الأوروبي، لكن ذلك الرهان المنبثق عما بات يعرف بـ”العصر الذهبي” بين الدولتين يقترب من نهايته دون تحقيق المأمول، حيث كان لواشنطن وحليفها رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون دور محوري في عرقلة هذا الأمل.

لندن - تشهد العلاقات بين لندن وبكين توترا شديدا بدأ مع فرض الصين قانون الأمن القومي في هونغ كونغ وإقصاء المملكة المتحدة شركة هواوي الصينية العملاقة من المشاركة في تجهيز شبكة اتصالات الجيل الخامس في البلاد بعد ممارسة الولايات المتحدة ضغوطا لأشهر حول الموضوع، إضافة إلى ملف الأويغور، ما يشكل بوادر نفور سياسي سيعقبه بالضرورة تباعد اقتصادي.

وتنذر هذه الملفات الخلافية، خاصة منها ملف إقصاء شركة هواوي، بانفراط عقد ما يعرف بـ”العصر الذهبي” الذي أعلن عنه الرئيس الصيني شي جين بينغ في أكتوبر 2015 خلال زيارة تاريخية إلى لندن وسط تفاؤل غير مسبوق بآفاق واعدة للعلاقات الاقتصادية واستثمارات صينية بالمليارات في بريطانيا.

وسعت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي لتدعيم هذا المسار خلال زيارة أدتها في 2018 إلى بكين وأكدت خلالها على التزام بلادها بنهج تطوير العلاقات الاقتصادية مع العملاق الصيني وتمتين ما بات يعرف بـ”العصر الذهبي”، وذلك في سياق التحضير لانسحاب بلادها من الاتحاد الأوروبي، إلا أن وصول بوريس جونسون الذي يلقبه البعض بـ”ترامب بريطانيا” أحبط مساعي هذا التقارب الاقتصادي مع بكين.

ويقول مراقبون إن البصمة الأميركية واضحة في استبعاد شركة هواوي من بناء شبكة الجيل الخامس في بريطانيا وهو الملف الأهم بالنسبة إلى بكين، لكن ما الذي ستجنيه لندن مقابل استجابتها للضغوط الأميركية؟

ويشكك هؤلاء في وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخصّ بريطانيا باتفاق تجارة حرة مع واشنطن عقب انسحابها من الاتحاد الأوروبي يكون بديلا عن التقارب مع الصين، ويقولون إن ترامب حليف لا يمكن الوثوق به كثيرا.

وكانت بكين مندفعة أكثر نحو تدشين “عصر ذهبي” مع بريطانيا في سياق نظرتها الجيوسياسية لعلاقاتها الخارجية مع أوروبا، إذ أن الاستثمارات الاقتصادية تعتبر حجر زاوية لكسب تأييد سياسي بريطاني في مواجهة الولايات المتحدة وتفكيك محور لندن – واشنطن المناوئ لسياساتها، لكن وصول جونسون إلى السلطة بعثر هذه الأوراق.

والاثنين، علّقت بريطانيا معاهدتها مع هونغ كونغ لتسليم المطلوبين في تصعيد لنزاعها مع الصين بشأن تطبيق قانون للأمن القومي في المستعمرة البريطانية السابقة.

وقال جونسون إن بريطانيا “لن تتخلى تماما” عن سياسة التعامل مع الصين، مضيفا “يجب على المرء أن يكون لديه رد محدد، وسوف نكون صارمين بشأن بعض الأشياء، ولكن أيضا سوف نواصل التعامل”.

ويمنح قانون الأمن القومي الذي فرضته الصين على هونغ كونغ النظام الشيوعي الحاكم سلطات قضائية غير مسبوقة في المستعمرة البريطانية السابقة.

دومنيك راب: لسنا أضعف من أن نتحدى الصين عبر العقوبات
دومنيك راب: لسنا أضعف من أن نتحدى الصين عبر العقوبات

ويرى معارضو نَص القانون أنه أخطر تعد على الحريات في تلك “المنطقة الإدارية الخاصة”، منذ إعادتها إلى الصين عام 1997.

وقد اعتمد ردا على التظاهرات الحاشدة ضد نفوذ بكين التي هزت العام الماضي هونغ كونغ، المركز المالي الكبير.

ويعاقب قانون الأمن (أو قانون أمن الدولة كما يشار إليه في الصين) على أربعة أنواع من المخالفات هي: النزعة الانفصالية والأنشطة التخريبية والإرهاب والتواطؤ مع قوى خارجية وأجنبية.

ويواجه مرتكبو هذه المخالفات عقوبات بالسجن تتراوح بين المؤبد وعشر سنوات كحد أدنى، كما تضم مخالفة الإرهاب جنحا عدة، كتخريب وسائل النقل.

واتهم الإعلام الصيني مرارا العام الماضي المحتجين في هونغ كونغ بالقيام بأنشطة إرهابية، فيما هاجم المتظاهرون عدة مرات مترو هونغ كونغ.

ولا يمكن لمن يدانون بتلك التهم الترشح في انتخابات عامة أو تسلم وظائف حكومية. وهددت لندن قبل هذه الخطوة، بتمهيد الطريق أمام ثلاثة ملايين مواطن في هونغ كونغ، يحملون ما يعرف بـ”جوازات سفر بريطانية لما وراء البحار”، للحصول على الجنسية البريطانية الكاملة، إذا واصلت الصين انتهاك حقوق الإنسان وسيادة القانون.

وقال جونسون إنه “لن يكون أمامه خيار سوى منح مواطني هونغ كونغ الجنسية إذا قوضت الصين حقوق الإنسان هناك”، مضيفا أن حكومته “ستعدل الشروط المرتبطة بجواز السفر الخاص لتسهيلها بما يسمح لحامليها بالقدوم إلى المملكة المتحدة والعيش والعمل فيها، ما يسهل الحصول على الجنسية البريطانية في ما بعد”.

وكان عدد حاملي هذا الجواز في هونغ كونغ يبلغ 350 ألف شخص، لكنه تضاعف منذ بدء حركة الاحتجاج ضد السلطات المركزية في بكين قبل عام، لكن هناك 2.9 مليون من سكان المنطقة جميعهم ولدوا قبل 1997، يمكنهم الحصول على هذه الوثيقة.

وتم إنشاء جواز السفر البريطاني للمواطنين في الخارج وهو يخص سكان هونغ كونغ عام 1985 قبل أن تعيد بريطانيا الإقليم إلى الحكم الصيني في عام 1997.

وتزايدت حدة الخلافات بين الدولتين الأحد بعد أن لمح وزير الخارجية البريطانية دومنيك راب بإمكانية فرض عقوبات على بكين بسبب ما وصفه بـ”الانتهاكات الإنسانية الجسيمة” ضد الأويغور في إقليم شينغيانغ الواقع شمال غرب البلاد.

وقال راب إنه “لن يتحدث عن إضافة المزيد من الأسماء والكيانات لقائمة العقوبات البريطانية”، لكنه نفى أن تكون بلاده أضعف من أن تتحدى الصين عبر تلك الوسيلة. ويتهم خبراء ومنظمات حقوقية بكين بإيداع ما يصل إلى مليون مسلم، أغلبهم من إثنية الأويغور المسلمة، مخيمات بحجة مكافحة الإرهاب، لكن الصين تنفي ذلك.

ورغم أن بكين ترفض الاتهامات إلا أنها تقر بأنها ترسل الأويغور إلى “مراكز تعليم مهني” ليتعلموا لغة الماندرين ومهارات وظيفية في محاولة لإبعادهم عن الإرهاب والنزعات الانفصالية بعد سلسلة أعمال عنف دامية في المنطقة.

وصرح وانغ ون بين المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية الاثنين، بأن بكين “ستواجه بقوة” أي تدخل في شؤونها الداخلية رافضا أيضا الاتهامات بإساءة معاملة الأقليات في شينغيانغ ووصفها بأنها “افتراءات”.

وقال ون بين “ندعو بريطانيا إلى ألا تمضي في هذا النهج الخاطئ تفاديا لإلحاق المزيد من الضرر بالعلاقات بين الصين وبريطانيا”.

ويتوقع مراقبون أن تكون العقوبات البريطانية على الصين بسبب ملفي هونغ كونغ والأويغور، إن تم إقرارها، آخر مسمار في نعش “العصر الذهبي” للعلاقات مع الصين صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

5