العزل المنزلي يتحول فرصة ليستعيد التلفزيون المصري جمهوره

ارتفعت نسبة مشاهدة قنوات التلفزيون المصري بسبب الحظر المنزلي الذي فرضه الوباء العالمي، الأمر الذي مثّل فرصة للقائمين على الإعلام لإعداد خطة برامجية جديدة تعيد ثقة الجمهور من جهة، وتقديم معلومات توعوية للجمهور الذي يتعرّض للإشاعات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي من جهة ثانية.
القاهرة - تسعى وزارة الإعلام المصرية إلى توظيف أزمة الوباء العالمي لجذب شريحة من المواطنين هجروا التلفزيون الحكومي منذ سنوات، وتبدو الفرصة مواتية للاستفادة من ارتفاع نسب المشاهدة نتيجة الحظر المنزلي الذي فرضه انتشار فايروس كورونا على المواطنين.
وكشف جمال الشاعر، وكيل الهيئة الوطنية للإعلام، عن وجود حالة استنفار داخل ماسبيرو (اتحاد الإذاعة والتلفزيون في المصري)، لإعداد خرائط برامجية تناسب المرحلة الحالية، وأنّ هناك تغييرا كبيرا في طبيعة البرامج التي يقدّمها التلفزيون الرسمي لتركز على البرامج الإخبارية التي يحتاجها الجمهور، وتشكّل حائط صدّ أمام حرب الشائعات التي تستهدف الدولة بسبب الحديث المتواتر عن انتشار كورونا في البلاد.
وأضاف في حواره مع “العرب”، أن الخارطة الجديدة ترتكز على تكثيف حملات التوعية التي تقوم بها وسائل الإعلام الرسمية، وبث محتويات تدعم التعامل السليم مع أساليب الحياة الجديدة لمواجهة انتشار العدوى، خاصة أن التلفزيون الحكومي يخاطب المواطنين الذين يقيمون في النجوع والقرى الفقيرة ومازال لديهم القدر من الارتباط بما يقدمه.
وبدأت وسائل الإعلام المصرية تحشد قواها لخوض معركة التوعية وتعاملت مع الأمر من دون قيود تفرضها التوجّهات السياسية التي تطغى على البرامج الإخبارية أو حتى برامج الـ”توك شو”، واستطاعت أن تؤثّر في سلوكيات شريحة من الناس بعد أن اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي موجات سخرية لم تكترث لخطورة انتشار الوباء.
وأشار الشاعر إلى أن التلفزيون يسعى إلى جذب فئات شبابية لم تكن تعلم شيئا عن وسائل الإعلام الحكومية، وارتبطت بالفضائيات الخاصة والمنصات الرقمية، وأدّى توقف الدراسة وعدم قدرة وزارة التربية والتعليم على الوصول لكافة الطلاب بالمناهج الإلكترونية إلى دفع القنوات التعليمية إلى الواجهة من جديد.
وأوضح، أن الخطة تشمل جذب الطلاب إلى القنوات المحلية التي تخاطب شرائح واسعة من الجمهور في المناطق الفقيرة، وسيكون لديها دور في بث البرامج التعليمية في الفترات الصباحية لتصبح بديلاً عن المدرسة، وهو ما يحتاج لتطوير سريع لنوعية البرامج التي تقدمها تلك القنوات لتكون جاذبة للجمهور، بعيداً عن المحتويات التعليمية التي تقدمها.
ومحاولات جذب الجمهور إلى التلفزيون عبر البرامج التعليمية لم تكن هدفاً مصرياَ فقط، بل إن ذلك ذهبت إليه السعودية، وأعلنت عن قناة “عين التعليمية” لتكون بديلا متاحا للطلاب بعد قرار تعليق الدراسة في المدارس والجامعات، وكذلك المغرب التي خصصت القناة الرابعة لتقديم الدروس التعليمية طوال ساعات اليوم.
لدى القاهرة تجربة سابقة في استغلال البرامج التعليمية لجذب الجمهور إليها، إذ حققت في تسعينيات القرن الماضي نسب مشاهدة مرتفعة جعلتها الأكثر جذباً للجمهور ضمن باقي قنواتها، ما دفعها للتوسع فيها ليصل عددها إلى 6 قنوات قبل أن تتراجع خلال السنوات الأخيرة لتكتفي فقط بقناة للتعليم الأساسي وأخرى للجامعي، وأضافت مؤخراً قناتين للتعامل مع الأزمة.
وأوضح وكيل الهيئة الوطنية للإعلام، أن المشاورات الحالية تستهدف الخروج بمحتويات متوازنة إلى الجمهور بحيث تشمل القنوات الأكثر تأثيرا كمرحلة أولى للتطوير، وسوف تتضمن أيضا حضورا لبرامج التسلية التي تستهدف تخفيف حدّة الضغوط التي يمر بها المواطنون، وتذكيرهم بالمكتبة الثرية التي يحتفظ بها التلفزيون.
وأضاف في حواره، أن الخطة الحالية تستهدف تنويع المحتويات التي تعرضها قناة “ماسبيرو زمان”، باعتبارها الأكثر جذبا للجمهور في الوقت الحالي، بحيث تحتوى على برامج المنوعات وأخرى اجتماعية بجانب بث ساعات طويلة من البرامج الثقافية التي تحظي باهتمام الكثيرين مع استمرار عرض الدراما التلفزيونية والأفلام القديمة.
وتسير خطة التلفزيون الرسمي في نفس الاتجاه الذي ذهبت إليه الفضائيات الخاصة وتديرها جهات حكومية عبر الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وأعلنت عن بث البرامج التعليمية على بعض قنواتها، وتغيير مسار بعضها لتكون متخصصة في بث الأفلام والمسرحيات.
غير أن العديد من خبراء الإعلام يرون أنه ليس من الممكن أن تشكّل كل هذه التحرّكات جذبا فاعلا للمواطنين، طالما أن مساحة الحرية ظلت كما هي من دون تغيير، ويبدو الوقت الحالي مناسباً لمزيد من الانفتاح في ظل ما يمكن تسميته بـ”الاصطفاف” التي تخلقها الأزمات الكبرى، بالتالي فالحديث الرسمي عن أهمية إتاحة الحريات بشكل أكبر لوسائل الإعلام قد يجري ترجمته على أرض الواقع.
وأشار جمال الشاعر، إلى أن الوقت الحالي مناسب للمضي نحو استكمال انطلاقة التطوير التي بدأت ببرنامجين فقط على القناة الأولى “صباح الخير يا مصر”، و”التاسعة”، والمرحلة المقبلة ستشمل تطوير قناة النيل الإخبارية، والفضائية المصرية، والقنوات المتخصصة.
ولفت إلى أن البرنامج الطويل الذي وضعته هيئة الإعلام بالتعاون مع الشركة المتحدة لتطوير التلفزيون الحكومي قد يكون قابلا للمراجعة والتصحيح طوال الوقت بما يضمن مواكبة الظروف التي أفرزها فايروس كورونا، بما يضمن الاهتمام بالمحتويات الإخبارية.
وواجهت خطط تطوير التلفزيون التي انطلقت نهاية فبراير الماضي، انتقادات لاذعة بسبب اعتمادها على تطوير الشكل دون أن يطال الأمر المحتوى الذي يشكّل الأساس لجذب الجمهور، ومراجعة تلك الخطط بدأت سريعاً لضمان استغلال الفرصة لجذب الجمهور.
وقال الشاعر، إن الهيئة الوطنية للإعلام أفسحت المجال أمام العاملين في ماسبيرو لعرض خططهم وطالبتهم بتقديم أفكار برامج قادرة على المنافسة بجودة عالية، وتكون لها قدرة على التأثير، ما يؤسس للانفتاح على جميع الكفاءات التي تنهض بالإعلام.