العرب في القاهرة.. العيد يجتر الحنين إلى الوطن

أجبرت الحروب وثورات الربيع العربي الملايين من الناس على الهجرة، فتركوا الأوطان والديار التي قضوا فيها أفراحا وأتراحا لا تبارح أذهانهم، وحُرموا من ممارسة عاداتهم وتقاليدهم، حتى في مناسبات الأعياد.
السبت 2016/09/10
بأي حال عدت يا عيد

القاهرة – طوال أيام العيد التي تبدأ من صباح يوم وقفة عرفات، وتستمر على امتداد أربعة أيام وربما أكثر، يمارس مواطنو كل الدول العربية، والذين يعيشون في مصر حاليا، عادات خاصة بهم، نابعة من ثقافاتهم وموروثاتهم، فطقوس العيد في مصر تختلف عمّا في سوريا أو العراق أو ليبيا أو اليمن أو غيرها من الدول العربية.

تطارد الذكريات الأسر التي هاجرت من مختلف الدول العربية إلى القاهرة وضواحيها، وتبلغ ذروتها أيام العيد، حيث يجول بأذهانهم شريط الماضي، فيتملكهم الحنين إلى العادات والتقاليد التي كانوا يمارسونها في مثل هذا الظرف من كل عام، والتي تخلوا عنها في الوقت الراهن، بسبب الحزن على أوطانهم.

رصدت “العرب” من خلال جولتها في مدينة السادس من أكتوبر التي تقع غرب القاهرة، ويقطن بها نحو 60 بالمئة من المواطنين العرب، ملامح حياة المغتربين في أيام عيد الأضحى والطقوس الخاصة التي يقومون بها في ظل ابتعادهم عن ديارهم.

أمام متجر صغير لبيع العطارة والبقوليات بإحدي بنايات السادس من أكتوبر، جلس العراقي موفق جبار (58عاما) على كرسي خشبي، وقد استقبلني بابتسامة ترحيب، وعندما عرّفته بهويتي، وسألته عن كيفيه احتفاله بالعيد، تغيرت ملامح وجهه، وبعد صمت طال لبعض الوقت، قال “كنا في حي العدل ببغداد، عندما يقترب عيد الأضحى، نجهز الأضحية التي ننحرها ونوزعها على الأهل والجيران، ونتبادل التهاني مع بعضنا”.

ويتذكر موفق اليوم الذي ترك فيه العراق في 30 أغسطس 2006، والذي يتزامن مع أيام عيد الفطر، وهذا هو العيد العاشر الذي يقضيه مع أسرته المكونة من زوجته وثلاثة من أبنائه بعيدا عن بغداد.

وأضاف موفق لـ”العرب” قائلا “نتأثر كثيرا في أيام العيد بسبب تذكر أيام بغداد الجميلة وشدة الحنين إليها، وما يعوضنا عن ذلك سوى احتواء الجيران لنا خلال هذه الأيام، فمعاملة الأخوة المصريين تسد الفراغ العاطفي لدينا، وتصبّرنا على تحمل الغربة”.

القاهرة تزخر بالأماكن الترفيهية، التي يمكن زيارتها في الأعياد، إلا أن العرب المغتربين لا يرتادونها ويمكثون داخل المنازل

ويشهد ميدان الحُصَري وسط مدينة السادس من أكتوبر، والذي يقع به مسجد الشيخ الحصري، أحد كبار قارئي القرآن الكريم الراحلين، حراكا علی غير المعتاد لكونه سوقا تجارية تحوي العديد من محال بيع الملابس التي تناسب مختلف الفئات العمرية، وتقصده الجاليات العربية للتسوق بسبب انخفاض الأسعار مقارنة بالمراكز التجارية الكبرى.

وبنظرة عابرة يمكن تحديد الجنسيات العربية من ملابسها المميزة، أو تفاصيل ملامح الوجوه المختلفة عن الملامح المصرية، وعند الاقتراب من إحدى الأسر، حيث كانت الزوجة تقوم باختيار فستان يناسب طفلتها ذات الثمانية أعوام، وقد وقف الزوج أبو عبدالرحمن حاضنا طفلا آخر لم يكمل عامه الأول بعد، حدثنا قائلا “أتينا للتسوّق واشتراء بعض الملابس حتى ندخل الفرحة على قلوب الأطفال”.

وقال لـ”العرب” متسائلا “عن أي عيد سنتحدث؟ نحن عيدنا الحقيقي، هو اليوم الذي تتوقف فيه الحروب والمعارك الداخلية في ليبيا، ويعود كل شيء كما كان، ونعود إلى الوطن، فكيف نفرح بالعيد والدموع لا تفارق عيون والدي ووالدتي منذ أن تركنا بيتنا في طرابلس؟”

وأكمل “هذا هو العيد الخامس الذي يمر علينا بعيدا عن الأقارب والأهل والجيران، فكل أسرة من عائلتنا تعيش في بلد مختلف، وعندما نجتمع في بيتنا من جديد سيكون هذا اليوم عيدنا جميعا”.

على بعد أمتار قليلة يجلس السوري سامر أبوعنبة، رجل خمسيني، أمامه طاولة، صُفَّت عليها أصناف مختلفة من الحلويات الشامية، التي تعدها زوجته في المنزل، يقول متحدثا عن العيد إنه يكتفي بأداء صلاة العيد، ثم يرجع إلى المنزل، فيخلد إلى النوم، كي لا يشاهد دموع زوجته التي لا تتوقف في هذا اليوم، فمنذ مغادرة أفراد عائلته لحي باب النيرب في حلب، وفي كل مناسبة تمر عليهم تتوسع الجراح التي بداخلهم، وفي المساء يخرج سامر مع زوجته وابنتيه حتى يخفف عنهن الحزن بالتنزه في الحدائق العامة.

وفی إحدى المقاهي أو “الكافيهات” التي تزخر بها منطقة الحصري كانت تجلس مجموعة من الشباب العراقيين يدخنون الشيشة، وحول طقوس الشباب في كيفية قضاء العيد قال منذر العوضي 24 عاما لـ”العرب” متحدثا “سأقضي طوال النهار في النوم، وفي المساء أتصل بالأصدقاء ونتجمع بالمقهى، ندخن الشيشة ونلعب الطاولة أو الورق (الكوتشينة)، وإذا مللنا الجلسة، نخرج لنتجول في المراكز التجارية، ثم نعود إلى المقهى مرة ثانية”.

يشهد ميدان الحُصَري وسط مدينة السادس من أكتوبر، والذي يقع به مسجد الشيخ الحصري، أحد كبار قارئي القرآن الكريم الراحلين، حراكا علی غير المعتاد لكونه سوقا تجارية تحوي العديد من محال بيع الملابس

وقال مالك حسين (27 عاما) “أحرص كل عيد علی الاتصال بأقاربي وأصدقائي للاطمئنان عليهم، ثم أقضي باقي الأيام بين التنزه في الأماكن العامة، والمقهى الذي يجمعني بأصدقائي العراقيين”.

بالرغم من أن القاهرة تزخر بالعديد من الأماكن الترفيهية، التي يفضل الناس زيارتها في الأعياد، كالأهرامات وحديقة الحيوان بمحافظة الجيزة، ومنطقة كورنيش النيل وبرج القاهرة والقلعة، بالإضافة إلى الحدائق العامة والمتنزهات المنتشرة بكثرة، إلا أن أغلب العرب المغتربين لا يرتادونها ويمكثون طوال أيام العيد داخل المنازل.

قالت السورية ضحي أحمد “ينزل والدي وشقيقي لأداء صلاة العيد في المسجد القريب من حي البشاير، الذي نقيم فيه بمدينة 6 أكتوبر، لكننا لا ننتظرهما بالحلوى كما كنا نفعل في حمص، ونادرا ما نخرج بسبب الزحام، ونفضل قضاء العيد في المنزل”.

وتتذكر ضحى، التي تعمل مُعلّمة مساعدة بالمدرسة المصرية الرائدة للغات، أيام طفولتها في العيد قائلة “كانت أسرتي تقيم في حمص بجانب المشفى الوطني، ونحن ستة أشقاء (أربع فتيات، وشابان)، وفي اليوم الأول من العيد كان والدي وشقيقاي يخرجون لأداء صلاة العيد، وأبقى أنا ووالدتي وشقيقاتي في انتظارهم لنقدم لهم المعمول وقُرص العيد، ونجلس سويا لاستقبال الضيوف من الأهل والأقارب”.

حاولت ضحى (32 عاما)، منع دموعها وهي تقول في ختام حديثها “لم يعد العيد عيدا بعد فراق الوطن، ويكفينا إحساسنا بالأمان في مصر بعيدا عن أصوات القصف ودوي المدافع″.

وتتفق معها زميلتها في العمل نيرمين يونس (22عاما)، حيث تقول “هذا هو العيد الرابع لي الذي أقضيه في مصر مع أسرتي، إننا لا نخرج من المنزل طوال أيام العيد مثلما كنا نفعل في سوريا، فلا يوجد لنا أقرباء لزيارتهم، لذلك نكتفي بتذكر الأيام الخوالي”.

21