العجمي الوريمي أمين عام بمهمة ترتيب الوضع الداخلي وتجنب الصدام مع السلطة

أستاذ الفلسفة الذي يوظف علاقاته لفك عزلة حركة النهضة.
الأحد 2023/12/17
من قيادات الجيل الثاني في حركة النهضة

عينت حركة النهضة الإسلامية، الشهر الماضي، القيادي العجمي الوريمي أمينا عاما لها، في مسعى لتغيير البعد الاتصالي الذي كان من أبرز معوقات استمرارها في المشهد السياسي، فضلا عن البحث عن شخصية تكتسب مقبولية لدى السلطة ولدى المعارضة تقدر على إنقاذ الحركة بعد تراجع دورها وتوقيف أبرز قياداتها في السجن على ذمة قضايا مختلفة.

ويقول مراقبون إن تعيين الوريمي، حتى وإن كان متأخرا نوعا ما، فهو يعكس استفاقة من القائمين على شؤون الحزب بأنه لا مهرب من الإصلاح، أولا للتواجد في المشهد والتأقلم مع تغيراته الداخلية والخارجية، وثانيا لتدارك الأخطاء المرتكبة في ما بات يعرف لدى التونسيين بـ”العشرية السوداء”، مع العمل على فكّ العزلة السياسية للحزب التي عمقتها إجراءات الرئيس قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو 2021.

قيادي تاريخي

لم يكن اختيار الوريمي لتقلد هذا المنصب أمرا اعتباطيا، بل وجدت النهضة في القيادي الطلابي المعروف في الثمانينات شخصية هادئة و”متّزنة” سياسيا و”اتصاليا” وقادرة على تقديم خطاب “واقعي” تحتاجه الحركة أكثر من أي وقت مضى.

والوريمي، الذي ولد في 8 يناير 1962 بمنطقة شط مريم التابعة لمحافظة سوسة الساحلية، من قيادات الجيل الثاني في حركة النهضة بعد الجيل المؤسس، وعلاقته بها تعود إلى فترة نشاطه الطلابي، حيث التحق بصفوف حركة الاتجاه الإسلامي (التي أصبحت لاحقا تحمل اسم النهضة حاليا)، عندما كان طالبا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتونس التي بدأ دراسته بها في العام 1981.

◙ الوريمي تجنب الدخول في صراع الأجنحة داخل الحركة، ونأى بنفسه عن القضية الخلافية التي تتعلق بالتمديد للغنوشي
الوريمي تجنب الدخول في صراع الأجنحة داخل الحركة، ونأى بنفسه عن القضية الخلافية التي تتعلق بالتمديد للغنوشي

وفي أبريل 1984، أسس الوريمي، صحبة قيادات طلابية من الاتجاه الإسلامي، الاتحاد العام التونسي للطلبة ليكون منافسا للاتحاد العام لطلبة تونس الذي سيطرت عليه مجموعات يسارية ومنعت الإسلاميين من دخوله.

وفي العام 1985 التحق الوريمي بجامعة محمد الخامس أكدال بالمغرب، حيث تحصل على شهادة الإجازة في الفلسفة.

واستأنف الوريمي سنة 1988 دوره في قيادة الاتجاه الإسلامي بالجامعة حيث أصبح رئيسا لمكتبه السياسي والناطق باسمه، وأصبح من جهة أخرى مسؤولا عن تحرير جريدته الأسبوعية الحدث الطلابي، وهو ما خوله أن يصبح عضوا بصفته تلك في المكتب السياسي لحركة النهضة. وعند صدور جريدة الفجر، التحق بهيئة تحريرها مسؤولا عن القسم الجامعي الشبابي والشؤون الدولية.

وإثر اعتقال علي العريض الناطق باسم الحركة، وحمادي الجبالي المدير المسؤول عن جريدة الفجر، عيّن العجمي الوريمي في فبراير 1991 عضوا في المكتب التنفيذي لحركة النهضة ورئيسا لمكتبها السياسي.

وفي مارس 1991 اعتقل، ثم حوكم ضمن قيادة النهضة في يوليو 1992 أمام القضاء العسكري وقد صدر في حقه حكم بالسجن مدى الحياة.

وفتحت الثورة التونسية في 2011 أبواب الحركة في وجه الوريمي من جديد ليعود إلى مركز القيادة، حيث عين في منصب نائب رئيس الحركة مسؤولا عن الثقافة والتعليم والشباب، ثم أصبح عضوا في المكتب التنفيذي مسؤولا عن مكتب الإعلام والاتصال.

وشغل أستاذ الفلسفة منذ العام 2011 مناصب قيادية في حركة النهضة، لينتخب في 2014 نائبا بمجلس النواب عن حزبه، إلى حدود 2019.

يعكس تعيين الوريمي أمينا عاما للنهضة فهم الحركة الإسلامية لضرورة القيام بمراجعات عميقة وإصلاحات جذرية، خصوصا بعد تأكدها من أن الرئيس سعيد اتخذ إجراءاته ومضى دون “رجوع إلى الوراء” بشأن إزاحة منظومة الحكم في البلاد بعد 2011.

وأيقنت الحركة أن أولى محطات التغيير تبدأ بـ”تهذيب” الخطاب السياسي على النحو الذي يلائم متطلبات المرحلة وتغيرات المشهد، عبر تعيين شخصيات في الحزب تعرف بانفتاحها على بقية التيارات السياسية وقادرة على التفاوض مع السلطة.

وأفاد أمين عام النهضة بأن “الحركة الآن لها من الوجود ما يزيد على أربعة عقود، ومرت بمراحل مختلفة منذ أن كانت جماعة دعوية إلى أن أصبحت لها صفة سياسية ومرت بتجارب قاسية، وبثورة الحرية والكرامة تحولت من حركة احتجاجية معارضة إلى ممارسة الحياة السياسية”.

وقال الوريمي في حديث مطول لـ”العرب” إنه “بعد 2011 أصبح الفضاء العام مفتوحا والحياة السياسية قائمة على الاختلاف والتعدد والعيش المشترك، والنهضة تفاعلت مع الأوضاع ودخلت في طور إعادة البناء، فبدأت مرحلة جديدة وعقدت مؤتمرين التاسع، ثم العاشر الذي كان انتخابيا، ما أفرز قيادة منتخبة برئاسة راشد الغنوشي، وأقر مبدأ التخصص والفصل بين الدعوي والسياسي، وفسح المجال لباقي الاهتمامات”، مشيرا إلى أن “المؤتمر العاشر أقر مبدأ الإصلاح، وفعلا تم إعداد خطة للإصلاح في سنة 2017، لكن الانتخابات البلدية خصوصا أخرت تلك الإصلاحات”.

منصب الأمانة العامة

الوريمي: ندير حوارا مع جبهة الخلاص، وندعو إلى حوار لا يقصي أحدا
الوريمي: ندير حوارا مع جبهة الخلاص، وندعو إلى حوار لا يقصي أحدا

يعرف الوريمي بعلاقاته الجيدة مع مختلف مكونات المشهد السياسي، كما أنه شخصية هادئة تسارع بالذهاب إلى الحوار دون الانزلاق إلى مربع التوتر أو الدخول في الصراعات الداخلية، كما أنه شخصية توافقية داخل الحزب، لذلك تم التصويت بالإجماع على ترشيحه لمنصب الأمانة العامة.

وعرفت الحركة في الفترة الأخيرة شغورا أول بعد سجن رئيسها الغنوشي، وشغورا ثانيا بسجن نائب الرئيس المكلف بتسيير الحركة المنذر الونيسي، فضلا عن كون منصب الأمانة العامة ظل شاغرا منذ الانتخابات التشريعية لسنة 2019، بعد استقالة القيادي زياد العذاري الذي عارض ما اعتبره “خيارات خاطئة” في تعامل الحركة مع الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد.

وكشف الوريمي لـ”العرب” قائلا إنه كان “ضمن الفريق القيادي للحركة، وكنا نستعد قبل 25 يوليو 2021 لعقد المؤتمر 11 للحركة، وهو مؤتمر مصيري كنا سنقيم فيه مسيرة 10 سنوات من تجربة الحكم”، معتبرا أن “الحركة تتوفر على رصيد قيادي جيد، ولو أننا ذهبنا لعقد المؤتمر لكانت هنالك شخصيات جديدة في القيادة، وهو ما نسميه في تقاليدنا بالانتقال القيادي”.

وأضاف الوريمي “وجودي كأمين عام للحركة ليس فيه فرق طالما أننا نعلم بآلية القيادة الجماعية، والوريمي الآن الشخصية الأولى وهو موجود في الواجهة، وسنعجل بخطة الإصلاحات”.

ويوجد إجماع سياسي على كون الوريمي من الوجوه المحسوبة على الحمائم داخل النهضة وكان قريبا من اليسار ومنفتحا على مختلف التيارات السياسية، وأيضا يعتبر من العناصر الصلبة والقيادات التقليدية التي لم تغادر الحركة وهو يمثل التواصل داخلها.

◙ الوريمي تجنب الدخول في صراع الأجنحة داخل الحركة، ونأى بنفسه عن القضية الخلافية التي تتعلق بالتمديد للغنوشي

عرف عن الوريمي أنه يتجنب الدخول في صراع الأجنحة داخل الحركة، وأنه نأى بنفسه عن القضية الخلافية التي تتعلق بالتمديد للغنوشي، والتي قادت إلى انسحاب عناصر بارزة مثل عبدالحميد الجلاصي وعبداللطيف المكي وسمير ديلو، وكان حريصا على عدم إثارة الخلافات مع رئيس الحركة.

والوريمي في تصريحات سابقة قال إنه “يدعم ترشّح راشد الغنوشي مجدّدا لرئاسة الحركة”، وإن “الحركة مازالت في حاجة إليه، وإنه بالإمكان تنقيح النظام الداخلي لتمكينه من الترشح لولاية ثالثة”.

ويؤكد خطاب الوريمي مرة أخرى أن التغيير في الحركة يقتضي تطوير نوعية الخطاب الموجه للمنتسبين من خلال القطع مع الصورة النمطية المألوفة واستبدالها بأخرى مناسبة للوضع الحالي حتى تتمكن من إدارة مرحلتها الانتقالية كأفضل ما يكون.

وأفاد في هذا الصدد “هذه سنّة الحياة، ستتجدد النهضة وتتطور وستترك القيادات مكانها لقيادات أخرى، ونعتقد أنه توجد إرادة سياسية للتطوير والإصلاح وخاصة في ظلّ وجود وجوه شبابية في بعض المراكز، وسنشرع في عملية إصلاحية، وسننجز مسارا للتدرج في المسؤوليات وسنختصر فيه المسافة حتى لا يبقى المناضل لفترة طويلة في رحلة الوصول إلى منصب القرار”.

وبخصوص الأخطاء السياسية والتسييرية التي ارتكبتها النهضة في العشرية الماضية، اعتبر الوريمي أنه “لا توجد حركة سياسية معصومة من الخطأ والعمل السياسي تشوبه أخطاء، لكن يجب تصويب تلك الأخطاء، والغنوشي هو أحد مؤسسي الحركة، وكان له تأثير كبير في كل المراحل وهي حركة مؤسسات، والقرار يتخذ في مكتبه، كما أجزم أن القرار كان قرار مؤسسات ويتخذ بطريقة ديمقراطية، وليس لدينا مجلس شورى صوري أمام المكتب التنفيذي للحركة”.

وعلق الوريمي أخطاء الحركة خصوصا على مسائل منها تأخير المؤتمر العاشر وما كان منتظرا منه من تحقيق “الانتقال القيادي” والمصادقة على برنامج الإنقاذ الاقتصادي، وعدم إيلاء ملف الشباب داخل الحركة وفي البلاد الأولوية القصوى رغم الدروس المستخلصة من انتخابات العام 2019، فضلا عن عدم إنشاء المحكمة الدستورية في العهدة النيابية 19/14 وللنهضة نصيب من المسؤولية، ليس النصيب الأكبر.

واعتبر أمين عام حركة النهضة أن حزبه “ارتكب خطأ فادحا في اختيار مرشح الحزب الأول (الحبيب الجملي) وعدم تقديم أفضل المرشحين للحكومات الموالية ومواصلة إسنادها ورعايتها عوض إبقاء مسافة الأمان معها حتى يتحمل رئيس الجمهورية مسؤولية اختيار الشخصية الأقدر كاملة، فضلا عن التحرك في الملف الليبي دون تنسيق مع رئاسة الجمهورية التي فقدت المبادرة وتأخرت عن ديناميكيات التسوية السياسية في الشقيقة ليبيا وتحميل النهضة بسبب ذلك نفسها مسؤولية الاستباق في ملف يهم الدولة بكاملها ومما دفع إلى ذلك، بالإضافة إلى بطء تحرك رئاسة الجمهورية، انخراط أطراف حزبية محسوبة على حزام الرئيس في تغذية سياسة المحاور بالتطوع لخدمة أجندة هذه القوى التي كانت تصر على التموقع والتمركز على حدودنا وداخل بلادنا”.

ويرى الوريمي أن النهضة أخطأت أيضا في “تأخر الانسحاب من حكومة هشام المشيشي أو سحب الثقة منها رغم حصول قناعة بمأزقها والاكتفاء بالاشتغال على تطويرها وتحسين أدائها رغم تأكد استحالة تصالحها مع رئيس الجمهورية واستحالة تقبله لها أو قابلية عملها بانسجام مع الرئيس وتأكد إخفاقها في إدارة أزمة كورونا وإدارة ملف التفاوض مع صندوق النقد الدولي وفشلها الاتصالي إلى حد حصول الانطباع لدى الرأي العام بعدم وجود قيادة للبلاد وتطور تنازع السلطات إلى مغالبة معطلة لدواليب الدولة ومؤثرة سلبا على أداء المرفق العمومي والخدمة المسداة للمواطن”.

عرض جديد

◙ هل تقدر حركة النهضة على إحداث انتقال داخلي يسلم المسؤولية إلى الأجيال الجديدة
هل تقدر حركة النهضة على إحداث انتقال داخلي يسلم المسؤولية إلى الأجيال الجديدة

في ظلّ الدعوات الملحة من داخل الحركة وخارجها إلى ضرورة القيام بإصلاحات شاملة، يقول الوريمي “عندنا عرض سياسي للتونسيين، وكل طرف يريد نقطة مشتركة، ولا نريد أن نكون في مربع السلطة أو الصدام معها، بل بلورة بديل ديمقراطي، والآن ندير حوارا سياسيا مع جبهة الخلاص، وندعو إلى تنظيم حوار لا يقصي أحدا”.

ولفت إلى أن “من أهم العناوين التي يرتكز عليها العرض السياسي الجديد، إصلاح الدولة حتى تكون دولة قانون ومؤسسات، والتأكيد على استقلالية القضاء وإحداث التوازن بين مختلف السلطات، فضلا عن إرساء منوال تنموي جديد يحقق العدالة الاجتماعية ومنوال سياسي يحقق التكافؤ بين الجميع، وتجذير تونس في مستوى هويتها العربية وتكريس الخيار الديمقراطي”.

◙ تعيين الوريمي أمينا عاما للنهضة يعكس فهم الحركة الإسلامية لضرورة القيام بمراجعات عميقة وإصلاحات جذرية

وأشار إلى أن “النهضة ليست متعجلة للعودة إلى السلطة، وهدفها الآن الإصلاح وعودة الديمقراطية، وسنضع كل طاقتنا في العكوف على وضعنا الداخلي لتحقيق الإصلاحات والقيام بمراجعات جذرية، وهي إصلاحات مطلوبة من أبناء الحركة وستشمل الإثراء الفكري للحركة وإيجاد ميثاق ينظم الحركة ويعمل على حوكمة مواردها البشرية والمالية مع برنامج للتكوين والتثقيف”.

وفي سؤاله عن عدم وجوده في الواجهة من قبل خصوصا وأنه شخص عقلاني وعلاقاته جيدة مع الجميع وأنه سيفك عزلة النهضة، يقول “العجمي هو مسار كامل ويضع رصيد تجربته الحزبية والسياسية والفكرية على ذمة الحركة وسيدافع عن أفكاره وسيكون وفيّا لقناعاته، وهي أمور معروضة للنقاش، وألتزم بلوائح الحزب، لكن لا أهادن في المسائل الفكرية”.

وحول قدرة النهضة على إحداث انتقال داخلي كبير بنقل المسؤولية إلى الأجيال الجديدة، أم أن تأثير القيادات التاريخية سيتسمر طويلا سواء في المؤتمر أو ما بعده، يوضّح الوريمي “في 25 يوليو 2021 أخرجنا من السلطة عن طريق قرار فوقي للرئيس قيس سعيد في إطار تفعيل الفصل 80، وأصبحنا منذ ذلك الحين نناضل في صفّ المعارضة، الحركة مهيأة للإصلاح والتطوير والبلاد ما زالت في حاجة إلى الأحزاب، والنهضة موجودة لخدمة شعبها وستظلّ ملتزمة بالحوار والعمل مع غيرها من الأحزاب التي تنبذ الإقصاء وتُعلي المصلحة الوطنية، ولن نحيد عن هذا الحوار، ونحن مع مقولة الرئيس السابق الراحل الباجي قائد السبسي ‘الوطن قبل الأحزاب'”.

7