العاشقة الأمينة الجنية الساحرة الشريرة.. صور كثيرة لنساء ألف ليلة وليلة

لطيفة المطروشي رصدت حضورا طاغيا للمرأة في غالبية الحكايات التي تم سردها في كتاب ألف ليلة وليلة.
الخميس 2025/03/06
المرأة في "ألف ليلة وليلة" أبعد من الصور المكرسة

القاهرة - تعددت الدراسات والمؤلفات التي اهتمت برصد ودراسة صورة المرأة في قصص ألف ليلة وليلة، ويرجع اهتمام الباحثين بهذا الموضوع، إلى تعدد القصص التي كان أبطالها من النساء، ومن ثم تعدد صورة المرأة وحكاياتها في نصوص ألف ليلة وليلة. وتأتي الباحثة الإماراتية المتخصصة بشؤون التراث، لطيفة المطروشي، ضمن هؤلاء الباحثين الذين شغلتهم قصص ألف ليلة وليلة، فدرسوها وقدموا الكثير من الدراسات التي تدور في فلكها.

وقد أعدت “المطروشي” دراسة تتبعت فيها حضور المرأة في الليالي، وقدمتها للمكتبة العربية في كتاب حمل عنوان “صورة المرأة في ألف ليلة وليلة.” وبحسب عنوانه، فإن الكتاب الصادر عن معهد الشارقة للتراث، يُسلط الضوء على حضور المرأة في تلك الحكايات التي جذبت ملايين القراء في الشرق والغرب.

وتؤكد لطيفة المطروشي في مقدمة كتابها، على تعدد صور المرأة، التي جاء حضورها القوي في نحو 200 حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة، مشيرة إلى أنه بمجرد سرد سريع لهذه الحكايات تحضر أمامنا مجموعة أسماء النساء اللاتي لعبن دور البطولة في معظم قصص ألف ليلة وليلة، حتى تلك القصص التي تحمل أسماء رجال، مثل حكاية عبدالله العربي وعبدالله البحري نجد المرأة حاضرة فيها.

ومن هؤلاء النسوة اللاتي كُنّ أبطالا لقصص ألف ليلة وليلة، تذكر على سبيل المثال لا الحصر الملكة إبريزة، الست بدور بنت الملك الغيور، الست دنيا بنت الملك زهر شاه، قضى فكان بنت شركان، نزهة الزمان، بدور بنت الجوهري، حياة النفوس، تودد الجارية، قوت القلوب، زمردة، زين المواصفة، أنيس الجليس، مريم الزنارية، جلنار.. الخ. وكما توضح مؤلفة كتاب “صورة المرأة في ألف ليلة وليلة”، فإنه ليس صدفة أن هذه الحكايات تسردها امرأة هي شهرزاد.

وكما هو معروف فإن “ألف ليلة وليلة”، هي مجموعة متنوعة من القصص الشعبية، جرى تأليفها على مراحل، وأضيفت إليها مجموعات من القصص. بعضها له أصول هندية وفارسية قديمة، وبعضها مأخوذ من أخبار العرب وقصصهم. أما موطنها فقد ثبت أنها تمثل بيئات شتى خيالية وواقعية، وأكثر البيئات بروزا تقع في العراق، وسوريا، ومصر، كما أن المتمعن في هذه الحكايات يجد اختلافا في بنيتها من حيث الأسلوب والتراكيب واللغة.

وكما يدلنا كتاب “صورة المرأة في ألف ليلة وليلة”، فنحن إذن أمام صور متعددة ومتناقضة تبعا لتنوع القصص وبيئاتها وبنياتها، حيث تجمع “الليالي” أشتاتا من صور المرأة في عصور وبيئات مختلفة. وهكذا، فقد رصدت الباحثة لطيفة المطروشي، عبر صفحات كتابها، حضورا طاغيا للمرأة في غالبية الحكايات التي تم سردها في كتاب ألف ليلة وليلة، والتي تصور لنا طبيعة المرأة، ودورها الفعال في لعب دور البطولة.

◙ الكتاب يُسلط الضوء على حضور المرأة في الحكايات الشهيرة التي جذبت ملايين القراء في الشرق والغرب
◙ الكتاب يُسلط الضوء على حضور المرأة في الحكايات الشهيرة التي جذبت ملايين القراء في الشرق والغرب

ونتعرف من الكتاب، على أن أهم دور لعبته المرأة في قصص ألف ليلة وليلة، هو دور العاشقة، وفي هذا الدور لا تكاد تختلف المرأة كثيرا في القصص المتعددة، فالصورة العامة لهذا الدور هي لقاء وحب لأول وهلة أو نظرة: نظر إليها نظرة أعقبتها ألف حسرة، ثم فراق قد يتعدد، وقد يتعدد مفتعلاً لمجرد إطالة القصة إذا ما دعا كل شيء فيها إلى النهاية، كما نجد في قصة مريم الزنارية، وفي قصة قمر الزمان بن الملك شهرمان، وغيرهما من القصص، ثم لقاء آخر الأمر، إلى أن يفرق بينهما هادم اللذات ومفرق الجماعات. وهكذا، فإن القليل جدا من القصص يموت فيها أحد المحبين قبل أن يهنأ بلقاء من أحب.

ومن الصور الأخرى التي رصدتها لنا المطروشي في كتابها، صورة المرأة التي لا تنتمي لعالمنا، ألا وهي “الجنيّة” التي يحبها الآدمي، فيشقى من أجل الوصول إليها، مثل صورة “جلنار” في قصة الملك بدر باسم، التي تحكم طائفة من الجن، أو الجنيّة التي تحكم مدينة خيالية يعبد أهلها الشمس أو النار.

وهؤلاء الجنيات – بحسب الكتاب – يُمثلن “آدميات أهل الأرض،” فشمسة لها أخواتها اللاتي يحسدنها أو ينتقمن منها لحبها آدميًّا، وجلنار تحدث أخاها صالحا في أمر زواج ابنها، وتستعرض ملكات البحر في سبيل اختيار عروس، وكذلك الملكة لاب التي تمسخ الآدميين، وتستطيع أن تصبح طائرا متى أرادت، وأما جلنار فهي تنزل البحر، وتسير في قاعه كما تسير على الأرض، وتكلم أهله وتغضب، وتنتصر كما تفعل على الأرض تماماً. أكثر من هذا، أسلوب الكلام واحد، وطريقة التفكير واحدة، فالمحبوبة جارية والأم عاقلة والشريرة متجبرة مفحشة.

كما نجد صورة الجنيّة الغولة، التي إذ تظهر في حكاية واحدة من حكايات “الليالي”، فهي تظهر للإنسان في صورة جارية تبكي على رأس الطريق. فتتعرض لابن الملك الذي يترفق بها، ويحملها معه، وهي تدعي أنها ابنة ملك الهند وقد ضلت الطريق، فيرق لها قلبه، ويحملها معه وفي الطريق تطلب منه النزول لقضاء حاجة، وإذا بها تنقلب غولة، وكاتب القصة لا يذكر إلا مواصفات عامة لمنظر الغولة، وهي تقول لأولادها، “وقد أتيتكم بغلام سمين،” ولكن ابن الملك يحتال عليها بجميله الذي أسداه إليها، ويدعو الله أن ينجيه منها، وما إن تسمع دعاءه حتى تستجيب في الحال ولا تلحق به أي ضرر. وبحسب الكتاب، فإن هذه الحكاية هي الوحيدة من نوعها في الليالي، وإن كان هناك حديث عن الغيلان آكلة لحوم البشر، وبلاد الغيلان.

ونقرأ في الكتاب عن الجني الذي يخطف الإنسية التي أحبها، فيبعدها عن العالم الإنسي، ونجد أيضا إشارة بعيدة إلى جنيّة أحبت رجلًا من الإنس فسحبته في جبل “الثكلى” الذي يصادفنا في قصة أنس الوجود والورد في الأكمام. ويرصد لنا الكتاب، صورة أخرى للمرأة في “الليالي”، وهي صورة المرأة الخائنة والزوجة الشريرة، وكيف يكون حجم هذا الشر الموجه إلى الرجل من زوجة تخونه. ومن القصص التي يتوقف عندها الكتاب أيضاً، نجد ابنة التاجر المصري، التي تخضع للزوج وتخلص له وليس في قاموس زواجها كلمة “طلاق” أو “عصيان” لأمر الزوج.

وتُبرز لنا لطيفة المطروشي، في كتابها صورة المرأة المحبوبة التي تظهر في قصة “عزيز وعزيزة”، حيث تمعن المحتالة في إغراء عزيز برموز لا يحلها له إلا ابنة عمه التي تموت آخر أمرها من حبها له. وتوضح لنا كيف يصعب طريق الوصول إذا كانت المحبوبة من جواري الخليفة، كما في قصة علي بن بكار وشمس النهار جارية الرشيد.

وتوضح لنا الباحثة كيف أن المرأة في “الليالي” استعملت السحر كوسيلة من أجل الوصول إلى حبيبها، فتسحر الزوج أو غير الزوج حتى لا تتعرقل خطتها، ولم يكن السحر يستعمل لتغيير الحال – لقلب العواطف أو تقلب الفقر إلى الغنى – وإنما كان يُلجأ إليه عند الانتقام، أو عندما تريد المرأة أن تفر من زوجها إلى حبيبها، فتسحر زوجها.

وترصد لنا المطروشي تكرار هذه الظاهرة في قصص ألف ليلة وليلة، وتُبيّن لنا كيف أن قوة هذا السحر لا تكون عادة في الليالي إلا لهؤلاء الشريرات من العجائز أو من يشبههن، وأما إذا تعلمت الفتيات هذا السحر، فيستعملنه لفك السحر عن آدمي يتعذب في صورته الجديدة كما تفعل بنت الملك في قصة الصعلوك الثاني من مجموعة قصص الجمال والثلاث بنات.

وهكذا، تتعدد الصور التي يرصدها لنا كتاب “صورة المرأة في ألف ليلة وليلة”، لمؤلفته الباحثة الإماراتية لطيفة المطروشي، حيث نجد في “الليالي” صورة المرأة المنتقمة، والمرأة المكيدة، والمرأة الماكرة، والمرأة ذات الكبرياء، والمرأة الفلاحة، والمرأة المحاربة، وغير ذلك من الصور التي جسدت المرأة بكل صورها.

13