الضغوط الغربية على المنصات الاجتماعية تغري حكومات عربية بتشديد الرقابة

حذف المحتوى بالذكاء الاصطناعي يبرّئ الأنظمة من تهمة كتم الأصوات.
الخميس 2020/10/29
رؤساء الشبكات الاجتماعية في الواجهة والحكومات خلفهم

أصبحت المنصات الاجتماعية أكثر مرونة في الاستجابة لمطالب الحكومات بفرض رقابة متزايدة على المحتوى بعد الاتهامات والانتقادات المتزايدة التي تواجهها بسبب انتشار الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة والكشف عن التدخلات الروسية والإيرانية في الانتخابات الغربية، ما يسهل على الأنظمة العربية ممارسة ضغوط مماثلة على الشبكات الاجتماعية وفرض رقابة عن بعد.

واشنطن - تواجه المنصات الاجتماعية الكبرى ضغوطا متزايدة خلال الانتخابات الأميركية للحد من المحتوى الضار والأخبار المفبركة والشائعات التي يمكن أن تؤثر على آراء الناخبين واختيارهم للمرشح، لذلك باتت أكثر استعدادا لتوسيع دائرة المحتوى غير المرغوب وحذفه عبر الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي يفتح شهية حكومات وأنظمة أخرى لممارسة ضغوط مماثلة على هذه الشركات.

وباتت تهم منابر منفلتة ومنصات حملات مضادة وأخبار مفبركة، تلاحق الشبكات الاجتماعية خصوصا في الأوقات الحرجة والأزمات والانتخابات في شتى أنحاء العالم وبخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا إثر الكشف عن التدخلات الروسية في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016 وما تلاها من انتخابات في أوروبا واستفتاء البريكست.

كما تتعرض الشبكات لانتقادات على نطاق واسع من جانب اليسار لعدم تخفيف حدة التعليقات المسيئة بما فيه الكفاية على منصاتها، وللتغاضي عن الكثير من المضامين العنصرية أو العنيفة أو المهينة.

ويُؤخذ على شبكات التواصل الاجتماعي “إهمالها” الذي أدى إلى أعمال عنف في العالم، من المجازر في بورما وصولاً إلى التدخلات في الانتخابات في أماكن أخرى.

كل ذلك جعل المنصات الاجتماعية أكثر مرونة في الاستجابة لمطالب الحكومات بفرض رقابة متزايدة على المحتوى، واتفق رؤساء فيسبوك وغوغل وتويتر على نقطة واحدة على الأقل هي أن قانون حماية الشبكات الذي يريد عدد كبير من المسؤولين إصلاحه، لا يحمي المنصات وحدها، بل كذلك المستخدمين بمن فيهم القادة السياسيين والمنظمات التي تقبل بكثافة على استخدامها.

تركيا صنعت نموذجها الخاص من الرقابة على الشبكات الاجتماعية، حيث هددتها بالحجب والعقوبات القانونية والمالية

وهذه الرؤية كفيلة بفتح باب واسع من تدخلات أنظمة وحكومات عربية عديدة، بآلية عمل المنصات الاجتماعية وإجبارها على محاصرة المحتوى الذي لا يتناسب مع أجنداتها ومصالحها، وبطبيعة الحال تعتمد الشبكات الاجتماعية تقنيات معقدة من الذكاء الاصطناعي للمراقبة الذاتية وحذف المحتوى الذي يصنف مسيئا أو متطرفا أو إرهابيا وما إلى ذلك، وأحيانا استنادا إلى شكاوى المستخدمين ويمكنها داخل هذا الإطار حذف الكثير من المحتوى المتنوع حتى لو لم يكن يتعارض مع معايير المنصات المعلنة على الأقل.

ويساعد في ذلك أن العديد من خبراء الإعلام وجهوا انتقادات للمنصات بأن الذكاء الاصطناعي قد يتسبب بحذف الكثير من المحتوى الجيد، كما حدث في الحرب السورية عندما اشتكى ناشطون من حذف مئات الآلاف من الفيديوهات التوثيقية لمشاهد الحرب، أي أن الأنظمة ستكون بمنأى عن الاتهام.

وصنعت تركيا أيضا نموذجها الخاص من الرقابة على الشبكات الاجتماعية، حيث هددتها بالحجب والعقوبات القانونية والمالية، وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان علانية، إن أنقرة ستضع قواعد للتحكم في منصات وسائل التواصل الاجتماعي أو إغلاقها، وبعد ذلك لاحظ ناشطون أن فيسبوك وتويتر يقومان بحذف الكثير من المحتوى المتعلق خصوصا بأردوغان، حتى في الدول العربية.

وبالنتيجة، فإن هذه الضغوط تشكل أرضية مناسبة للحكومات العربية لكي تتدخل بعمل الشبكات اقتداء بالنموذج الأميركي والنموذج التركي وتبدأ بتوكيل التقنيات التابعة لفيسبوك وتويتر بالرقابة وهي تبقى نظيفة اليدين.

ويقول مراقبون إن البنية التحتية الرقابية التي تم إعدادها لمهمات مراقبة السياسة والتلفيق والتدخلات الروسية والإيرانية في الولايات المتحدة وأوروبا، يمكن أن تستخدم لإدارة رقابة استثنائية على الشبكات الاجتماعية لصالح الأنظمة العربية.

ولن تغامر الشبكات الاجتماعية بخسارة العائدات التي تأتيها من حوالي 400 مليون مستخدم عربي وإيرادات الإعلانات التي تبلغ أرقاما خيالية في سبيل التمسك بحرية التعبير.

الضغوط الغربية تشكل أرضية مناسبة للحكومات العربية لكي تجبر الشبكات الاجتماعية على ممارسة الرقابة عن بعد
الضغوط الغربية تشكل أرضية مناسبة للحكومات العربية لكي تجبر الشبكات الاجتماعية على ممارسة الرقابة عن بعد

كما يزداد إقبال الشركات الاقتصادية حتى الصغيرة منها على الترويج والإعلان عبر المنصات الاجتماعية، ففي سوق كبيرة مثل العراق يهم فيسبوك وتويتر أن يبقيا حاضرين فيها بقوة، ولن يكون مستغربا أن يخضعا لضغوط الجهات المتنفذة فيه لفرض رقابة على المحتوى، كذلك الأمر بالنسبة إلى دول تعداد سكانها يتجاوز المئة مليون نسمة مثل مصر، ويشتكي المواطنون فيها من المحتوى الذي لا يتناسب مع المجتمع المحافظ والمحتوى الذي ينشره الإخوان.

ويرى خبراء أن المنصات الاجتماعية تستجيب لضغوط المحافظين، وإذا كان هذا الأمر المقصود به الولايات المتحدة، إلا أنه قد ينسحب على العالم العربي الأكثر محافظة. وقال خبير المنصات الإلكترونية في جامعة بيركيلي هاني فريد، إن “على يوتيوب (غوغل)، 70 في المئة من الفيديوهات التي تتم مشاهدتها يوصى بها. وبالتالي فإن هذه المنصات تصنف وتختار وليست فقط مواقع مستضيفة، بما أنها تقرر من خلال الخوارزميات الخاصة بها، المحتويات التي تشاهدونها”.

ويعني ذلك أن المجال مفتوح ليوتيوب وغيره من الشبكات الاجتماعية، لتحديد نوعية المحتوى الذي لا يُسمح به على منصاتها تبعا لمعايير تحددها هي نفسها.

18