الصوفيون الشهداء في سيناء

لو أن حجة الإسلام أبا حامد الغزالي، قد عاش حتى ظهور الخوارج المارقين في سيناء؛ لم يكن لينجو من قطع رأسه، بأيدي أوساخ لا يعرفون كيف يتوضأون!
الأحد 2020/07/26
"أحد الأبواب إلى الله"

منذ أن بدأت أفاعي الإرهاب الإسلاموي تسعى في شبه جزيرة سيناء؛ استبد الرعب في تلك الأرض، التي كانت ملاذاً للنساك والعابدين والمتصوفين، وظلت فيها القبائل المسلمة، تحرس الدير المسيحي العتيق في جبل كاترين!

بعد اجتياح الأفاعي، قُطعت رؤوس الصوفيين ونسفت أضرحة موتاهم، وهربت الأسر المسيحية من العريش. ومن بين الشهداء، شخصيات رقيقة نديّة الأخلاق، يعرفها المارون عبر الصحراء والمقيمون فيها. قُطعت رؤوسهم بالسيف، بغير ذنب سوى أنهم اعتمدوا ملمحاً عاطفياً موروثاً في التقرب إلى الله، لا يمس جوهر العقيدة، ولم يستحدثوه.

لا تزال الأصولية الدينية المتطرفة، تضرب في العقول وتثير الضغائن وتنتج أجيالاً من المنغلقين على قناعات مشوهة، تأخذ مجاميع الناس بالجملة، وترتجل أحكاماً جزافية عليهم، استناداً إلى جزء من فكرة، أو جزء من لقطة، دون حقائق التاريخ والتجارب والموروثات.

في مناخات الأصوليين الجدد، يحاذر الصوفي المتفقه في الدين، من الخروج عن إطار محددات النمط الذي يريده أصوليو اليوم. فإن حاول أو تجرأ، سيُرجم أو يتعرض للتشهير وربما يُحلل دمه. ففي هذا السياق تعرض الصوفيون في سيناء للذبح بأيدي وسيوف الإرهابيين الدواعش وأشباههم. فهؤلاء يحملون دعوة للهبوط بالذوق العام وتدمير الثقافة والفنون وإنكار التسامح، وبعثرة كل إجماع للأمة واستنزافها، وكأن قضيتهم أو عدوهم هو الإنسان الذي يختار خصوصيته في التقرب إلى الله.

في النصف الأول من القرن الثاني عشر الميلادي، كان حجة الإسلام، الفيلسوف الأصولي، أبو حامد الغزالي، هو أكبر مفكر عقلاني ورباني في عصره. ولم يكن في الرجل شيء من جهالة وتحجر المتطرفين مثيري الصراعات في زمننا. ففي عمله الموسوعي “إحياء علوم الدين” خصص كتاباً بعنوان “آداب السماع والوجد” لإنصاف الفن الغنائي وتعليل إباحته، دون أن يهوله القائلون بتحريم الغناء ولا من أباحوا بعضه وحرّموا بعضه. فقد كان الرجل، بسعة أفقه يمتلك شجاعة ويقيناً ولا يعتمد أساليب المراوغة في التعبير، فبدا حريصاً على حق الإنسان المتدين، في التمتع بثمرات المواهب في الغناء والموسيقى، وهما من أهم وأقدم أشكال التعبير الفني!

كان الطرب الصوفي كما يراه المستمتعون به -حسب قول الغزالي- أحد الأبواب إلى الله، “تدخل منه سرائرهم إلى محبته ورضاه، ويحملهم بجناحيه إلى القمم الروحية العالية، تراهم يفردون لكل وقت نغمة حزن أو نغمة انتشاء أو نغمة شوق”!

فلو أن حجة الإسلام أبا حامد الغزالي، قد عاش حتى ظهور الخوارج المارقين في سيناء؛ لم يكن لينجو من قطع رأسه، بأيدي أوساخ لا يعرفون كيف يتوضأون!

24