الصمت السلبي علامة على ضعف قدرة الأطفال في إدارة الأزمات

يؤكد علماء النفس أن صمت الأطفال في المواقف التي تستدعي منهم التكلم للدفاع عن أنفسهم، يعتبر علامة على ضعف قدرتهم على إدارة الأزمات وعلى السيطرة على انفعالاتهم، مما يشير إلى خنوعهم وقبولهم بالعقوبة المسلطة عليهم. ويدعو علماء النفس الآباء ليكونوا أكثر تسامحا مع أبنائهم، ذلك أن الأبناء إذا شعروا بالأمان أصبحوا أكثر قدرة على التكيف مع الوضعيات الصعبة وأكثر قدرة على التحكم في انفعالاتهم.
يشير خبراء علم النفس واستشاريّو العلاقات الأسرية إلى أن الصمت السلبي عند الأطفال مردّه أسلوب تعامل العائلة مع الطفل. ويؤكدون على أن الآباء الذين لم يدرّبوا أبناءهم على التحكم في انفعالاتهم ولم يعوّدوهم على التعامل مع إدارة الأزمات بشكل جيد يولّدون لديهم نوعا من الخنوع وضعف الثقة بالنفس.
وقال محمود الموقيدة، معلم التفوق الحياتي وخبير البرمجة الدماغية والمستشار التونسي، إن الصمت السلبي عند الأطفال “صناعة عائلية بامتياز”، مشيرا إلى أن نقص المعرفة وضعف اكتساب الطفل للمهارات الحياتية، في مجال التواصل مع الأفراد، يجعلانه يلتجئ إلى الصمت كأسلوب دفاعي.
وأكد على أن الطفل الذي لم يتم وضعه في تجارب مقارنة تضعف لديه القدرة على رد الفعل ولا يتعامل بصفة جيدة مع المثيرات المختلفة وينعدم السلام الداخلي لديه، ويبقى صامتا باهتا إذا واجه مشكلة ما.
ودعا الموقيدة الآباء إلى تعزيز شعور الحماية والأمان داخل نفسية أبنائهم وذلك عبر إعطائهم المزيد من الثقة، وعدم ضربهم أو إهانتهم مؤكدا على ضرورة منح الأطفال فرصة ثانية للنجاح في رد الفعل.
وأشار الموقيدة إلى أنه بإمكان الآباء تعويد الأبناء على حب المعرفة وتطوير المهارات وصقلها، ذلك أن الاكتساب المتواصل للمهارات يجعل الطفل أكثر قدرة على التفاعل والتواصل ليصبح الصمت سلوكا استثنائيا.
وقال الموقيدة إنه على الآباء أن يدربوا أبناءهم على كيفية أن يكونوا قادرين على التكيف مع الوضعيات وعلى التواصل.
نقص المعرفة وضعف اكتساب الطفل للمهارات الحياتية في مجال التواصل مع الأفراد يجعلانه يلتجئ إلى الصمت كأسلوب دفاعي
بدوره، أكد أحمد الأبيض، المختص التونسي في علم النفس، أنه على الآباء أن يعودوا أطفالهم على التعبير عن آرائهم بطلاقة وإشعارهم أنهم قادرون على التعبير عما يخالجهم وما يعتمل في نفوسهم بكل حرية.
وقال الأبيض لـ”العرب”، إن الضغط والضرب والعنف والإهانة تجعل الطفل يلتجئ إلى الصمت ويفضل عدم الكلام لأنه يخشى التبخيس.
وأضاف أن الأصل في الأطفال أنهم مقبلون على الحياة ويتكلمون بكثرة، ما يعني أن الطفل الصامت يكره أن يصدع بما في نفسه إما لأنه يفضل الصمت عن العقاب، أو لأنه لا يملك الثقة في نفسه.
ويؤكد الباحثون في مجال اضطرابات اللغة على عدم تفسير حالة “الصمت السلبي” على أنها تأخر في نمو مهارات اللغة والكلام أو صعوبة في معالجة المعلومات السمعية أو غيرها من اضطرابات النطق واللغة التي قد تتشابه مع أعراض الصمت الاختياري.
وقال الدكتور وائل عبدالخالق الدكروري، الباحث الأكاديمي في مجال اضطرابات اللغة النمائية عند الأطفال ورئيس قسم اضطرابات التواصل بمجمع عيادات العناية النفسية بالرياض، إن هذا الاضطراب هو ما يعرف باسم الصمت الاختياري، وأن أعراضه تتميز بأنها حالة يتوقف فيها الطفل عن الكلام، وعادة ما تظهر في المدرسة أو خلال مواقف اجتماعية معينة أو في أي مكان آخر خارج المنزل.
وأضاف الدكروري أن العلماء قد اتفقوا، لتشخيص الحالة، على ضرورة أن تستمر الأعراض لأكثر من شهر متواصل.
ويرى خبراء علم النفس أن ظهور أعراض الصمت السلبي لا يجب أن يكون مقتصرا على الشهر الأول من الالتحاق بالمدرسة، حيث يكون ذلك في بعض الأحيان مجرد ردة فعل وقتية ما لم يكن مصاحبا بظهور أعراض أخرى، مشيرين إلى أن هذه الحالة تحتاج إلى صبر الأهل وتكيّف الطفل.
ولمّح علماء الاجتماع إلى أن اختلاف اللغات يمكن أن يكون سببا من أسباب صمت الطفل، ذلك أن إقبال بعض الأسر على منظومة التعليم الأجنبي في حين يكون الطفل في الأصل يتحدث اللغة العربية، يتطلب وقتا طويلا لتكيف الطفل وتعامله مع المتغير الجديد، ألا وهو اللغة الجديدة.
خبراء علم النفس:
ظهور أعراض الصمت السلبي لا يجب أن يكون مقتصرا على الشهر الأول من الالتحاق بالمدرسة، حيث يكون ذلك في بعض الأحيان مجرد ردة فعل وقتية ما لم يكن مصاحبا بظهور أعراض أخرى
وقال خبراء علم الاجتماع إنه عند إلحاق الطفل بواحدة من الروضات أو المدارس الدولية، حيث تكون اللغة الأجنبية مثل الإنجليزية هي اللغة الأساسية، يستغرق الطفل فترة زمنية تتفاوت في طولها حتى يستطيع التكيف مع اللغة الجديدة.
وتذهب بعض الدراسات النفسية إلى الربط بين الصمت السلبي والرهاب الاجتماعي، ويعتقد عدد كبير من المتخصصين أن السبب الرئيسي وراء ظهور أعراض الصمت الاختياري ينبع من الشعور بالقلق، حيث تظهر أعراض الرهاب الاجتماعي عند عدد كبير من الأطفال الذين تظهر عليهم أعراض الصمت السلبي.
وتقدر نسبة الأطفال الذين تظهر عليهم أعراض الصمت الاختياري ولم يكونوا أول حالة في أسرهم بأكثر من 50 في المئة، وتصل النسبة حسب بعض الدراسات إلى 75 في المئة في ما يتعلق بإصابة أحد الوالدين باضطراب القلق. ومن الملاحظ على هذه العائلات ظهور حالات الخجل الشديد واضطراب القلق بين أفرادها، وهو ما يزيد من إمكانية ظهور أعراض الصمت الاختياري.
وتعرّف الرابطة الألمانية لأطباء الأطفال والمراهقين الصمت السلبي عند الأطفال بأنه اضطراب يجعل الطفل لا يتحدث في مواقف محددة، وعادة ما يرافق هذا الاضطراب الخجل، مشيرة إلى أنه غالبا ما يظهر الصمت الانتقائي في فترة ما قبل المدرسة، ويقع الخلط بينه وبين الخجل.
وحسب الرابطة، فإنه عادة ما يتجنب الأطفال الذين يعانون الصمت الانتقائي الاتصال بالعين مع الآخرين، إذ إنهم يذهبون بعيدا أو يختفون من أمام الأشخاص غير المألوفين بالنسبة إليهم.
وتوصي الرابطة الألمانية الوالدين باستشارة الطبيب إذا كان طفلهما لا يتحدث خارج المنزل لمدة تزيد على أربعة أسابيع.