الصراع على تكريس الدكتاتورية الطائفية

تساؤلات كثيرة تطرح من قبل المحللين والمراقبين ودوائر الرصد للشأن العراقي بخصوص الصراع الدائر بين طرفي الشيعة؛ التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، والإطار التنسيقي بزعامة غير مباشرة من نوري المالكي.
هل ما يجري بين الطرفين في الساحة العراقية حقيقي أم مفبرك، وهناك من يمد الطرفين ويغذيهما لتحقيق أهدافه وأجندته الإستراتيجية؟ هل هو صراع نفوذ بين الولايات المتحدة وإيران كما كان البعض يتخوف منه، أم هو صراع بين المصلحين والمفسدين؟ أم هو صراع لتصفية الأحقاد الشخصية بين رجلين خاضا تجربة حرب سابقة (صولة الفرسان عام 2008)؟ أم هو صراع بين الدولة واللادولة، وبين الشرعية المؤسساتية والشعبوية الفوضوية، كما يدعي البعض؟
مهما كانت دوافع الطرفين، فإن معظم المراقبين يرون أن الصراع حقيقي، وقد يؤدي في حال تصعيده إلى حرب أهلية دموية، تؤثر على وحدة العراق وتنهي دوره كدولة موحدة في المنطقة، إن لم يتدخل طرف ثالث أممي أو إقليمي وطرف داخلي لتطبيع العلاقة بين الطرفين. بينما يرى البعض الآخر بالمقابل أن الأزمة من أساسها مفبركة، وهي من إعداد وإخراج إيران لإعادة المشهد السياسي من جديد، ولكن بطريقة مغايرة وذكية من خلال تغيير الوجوه وتبديل الأدوار، لتخفيف حالة الاحتقان والتبرم عند الجماهير العراقية من تدخلات إيران في الشؤون العراقية والتي عبّرت عنها من خلال الاحتجاجات التشرينية العارمة، التي عمت شوارع بغداد والمدن الأخرى، ومطالبة إيران بإنهاء نفوذها في العراق “إيران برة برة”.
ويرى هؤلاء أنّ لا فرق بين التيار والإطار، فكلاهما ينتمي إلى محور طائفي واحد، ولم يكن مقتدى الصدر ضد الوجود الإيراني في العراق يوما، بل بالعكس كانت علاقته ممتازة بقياداتها الدينية والسياسية وقام بزيارات مكوكية إلى مدنها وحوزاتها على مدار السنوات الماضية، إما بحجة الدراسة، أو بغرض التباحث بالشأن السياسي، وتربطه علاقة شخصية قوية مع زعيم حزب الله اللبناني حسن نصرالله الذي لا يخفى ولاءه المطلق لآية الله خامنئي، ويكاد نهجهما السياسي والأيديولوجي يتطابق لدرجة أن بعض السياسيين اعتبروا الصدر ونصرالله “وجهين لعملة واحدة، هدفهما تدمير وقمع احتجاجات سلمية في بلديهما”.
وإذا اعتبرنا أن نوري المالكي هو الأب الروحي لميليشيا الحشد الشعبي، وهو من شكّلها أول مرة كما صرح هو بذلك، فإن مقتدى الصدر أسس ميليشيا “جيش المهدي في 2003”، مع بداية سقوط النظام وتشكيل الدولة الجديدة، ومن ثم شارك في كل الحكومات الشيعية التي تعاقبت على الحكم، ومن ضمنها حكومة المالكي في ولايتيه (2006 ــ 2014)، وكان الرجلان على وفاق تام في تقسيم المناصب وتوزيع المكاسب. ولكن لماذا ظهر خلافهما إلى السطح فجأة ووصلا إلى المواجهة الفاصلة، إما أنا وإما أنت؟
أخيرا، قد يكون الصراع محاولة أميركية لإضعاف الدور الإيراني الكبير في العراق، وضرب الميليشيات في المقتل عن طريق الطرف الثالث الحكومي بقيادة مصطفى الكاظمي؟
أو أن يكون الصراع مجرد مسرحية شيعية – شيعية لنسف الامتيازات الدستورية التي اكتسبها الكرد في إقليم كردستان، ومحاولة إعادتهم إلى هيمنة الطائفة والحكم المركزي الشديد، وهم قد سعوا فعلا إلى هذا الهدف طوال مدة حكمهم، وبكل الوسائل، واستعملوا سياسة التجويع والترهيب ضد شعبه، وقطعوا عنه الرواتب والميزانية، وضربوا مؤسساته بالصواريخ والدرونات.
وتبقى جميع الاحتمالات واردة.
زبدة القول، الصراع بين الصدر والمالكي، صراع سياسي بحت، مهما ادعيا غير ذلك، ورفعا شعارات الإصلاح والوطنية، كلاهما يريد أن يكون الشخص الأول الناهي والآمر في العراق، يحكم بالحديد والنار وفق أيديولوجية طائفية، الأول بتكريس الدكتاتورية الشعبوية، والثاني بالتمترس وراء المؤسسات الديمقراطية والدستورية “الزائفة”.