الشريط الأمني التركي في شمال العراق يتشكّل على حساب السكّان المحليين

الجيش التركي يقوم بإفراغ مناطق بالشريط الحدودي مع العراق من سكانها لتثبيت وجود له في تلك المناطق وفرضه من دون تنسيق مع الحكومة العراقية.
الاثنين 2021/08/02
الطيران التركي مرّ بسماء المنطقة

إنشاء الأشرطة الأمنية داخل أراضي الجيران ونقل الحرب ضدّ من تعتبرهم أنقرة إرهابيين معادين لها إلى تلك الأراضي، أصبح أسلوبا تركيا معتمدا في تلك الحرب طبّقته في عدد من المناطق السورية، وتعمل على تطبيقه في مناطق بشمال العراق، رغم ما لذلك من تبعات إنسانية واقتصادية أمنية يتحمّلها سكّان تلك المناطق.

دهوك (العراق)- بدأت العملية العسكرية التركية في عدد من مناطق أقصى شمال العراق الواقعة ضمن أراضي إقليم كردستان تجلي ملامح شريط أمني تركي تتزايد فيه القواعد الصغيرة ونقاط المراقبة التابعة للقوات التركية، في مقابل تناقص أعداد السكّان بسبب فرار الكثيرين منهم تحت وطأة سياسة الأرض المحروقة، التي تنفّذها تركيا في حربها ضدّ مقاتلي حزب العمّال الكردستاني في تلك المناطق.

وينفّذ الجيش التركي منذ أواخر أفريل الماضي عمليتين عسكريتين تحت مسمّى مخلب البرق ومخلب الصاعقة في شمال العراق، ويعتمد فيهما بشكل رئيسي على قصف الطيران الذي كثيرا ما يأتي عشوائيا ويلحق أضرارا بالمدنيين وممتلكاتهم ويمنعهم من مزاولة أنشطتهم الاقتصادية وأساسا الأنشطة الفلاحية التي يعتمدون عليها بشكل رئيسي، كما يُحدث دمارا في البنى التحتية.

وتتهم جهات كردية تركيا بتعمّد التضييق على سكان مناطق الشريط الحدودي وترهيبهم لدفعهم إلى النزوح لحرمان عناصر حزب العمّال من الاحتماء بالمدنيين.

وأعلنت وزارة الدفاع التركية الأحد عن تحييد سبعة من عناصر حزب العمّال الكردستاني “في مواقع متفرقة ضمن مناطق عملية المخلب”، مؤكّدة “أن الجيش التركي سيواصل عملياته حتى تحييد آخر إرهابي”.

وعن تبعات العمليات العسكرية التركية وآثارها على حياة سكّان المناطق التي تشملها، قال مسؤول محلّي في محافظة دهوك بإقليم كردستان العراق إنّ القصف التركي للمناطق التابعة لقضاءي زاخو والعمادية المستمر منذ عدة أشهر ألحق أضرارا كبيرة بمزارعي هذه المناطق تقدر بنحو ست مئة مليون دولار.

ماجد سيد صالح: القصف التركي المستمر أدى إلى إخلاء 20 قرية من سكانها

وأوضح ماجد سيد صالح نائب محافظ دهوك أن القصف التركي لتلك المناطق مستمر منذ عدة أشهر وهو يتمّ أحيانا بصورة يومية، وقد أسفر عن إحراق نحو ثلاثين ألف دونم من أراضي القضاءين، وألحق أضرارا كبيرة بالمزارعين كما أدى إلى إخلاء نحو عشرين  قرية يتبع أغلبها لناحية دركار.

وأشار في تصريح أدلى به الأحد لراديو رووداو المحلّي إلى أن “أغلب أهالي تلك القرى ينتقلون إلى القرى والمجمعات السكنية البعيدة عن مناطق الحرب، وتقوم الحكومة والمنظمات والمحسنون بتوزيع المساعدات عليهم”.

وعن أثر العملية العسكرية التركية على البنى التحتية، قال سيد صالح إنّ “الضرر الأكبر لحق بشبكات توزيع الطاقة الكهربائية فقد قطعت خطوط إمداد قرية هرور بالكهرباء ثماني مرات وانقطعت الكهرباء عن قرية أورة عدة مرات”، مضيفا “القصف أدى إلى قطع إمدادات المياه عن العديد من القرى. كما لحقت أضرار كبيرة بقطاع الخدمات في حدود ناحيتي دركار وباطوفة”.

وفي مقابل إفراغ مناطق بالشريط الحدودي بين تركيا والعراق من سكانها يعمل الجيش التركي على تثبيت وجود له في تلك المناطق، وفرضه من دون تنسيق مع الحكومة العراقية التي لم تتجاوز إلى حدّ الآن الاحتجاجات اللفظية الشكلية على الانتهاكات التركية. وتظهر بعض الأرقام قيام القوات التركية بتثبيت اثني عشر موقعا جديدا في مناطق تابعة لمحافظة دهوك.

وغيّرت أنقرة خلال السنوات الأخيرة من أسلوبها في معالجة مسألة تواجد عناصر حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية، وأصبحت تميل إلى توسيع عملياتها في العمق العراقي دون التنسيق مع بغداد، جنبا إلى جنب التأسيس لوجود عسكري مستدام هناك من خلال تركيز قواعد عسكرية، وذلك بعد أن ظلّت طيلة عقود من عمر صراعها الدامي مع مسلحي الحزب تكتفي بالقيام بعمليات عسكرية خاطفة وحملات محدودة لملاحقة هؤلاء المسلّحين في إطار اتفاق قديم مع العراق يعود إلى ما قبل سنة 2003 ويحدّد لكل من طرفيه التوغّل لمسافة عشرين كيلومترا داخل أراضي الطرف الآخر لملاحقة المسلّحين المعادين له.

ويرى مراقبون في التحرّش التركي المتصاعد بالأراضي العراقية امتدادا لسياسة التدخّل خارج الحدود التي أصبحت تركيا تنفّذها بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة، والتي تدخّلت بموجبها في ليبيا وسوريا وفي إقليم ناغورنو قرة باغ الذي كان مدار نزاع بين أرمينيا وأذربيجان.

ومع تصاعد التحرّش اللفظي والميداني التركي بأراضي العراق، بدا أن الحكومات العراقية بما في ذلك الحكومة الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي لا تمتلك خيارات في مواجهة التوجّه التركي الخطير، حيث احتجّت بغداد عدّة مرّات لدى أنقرة على انتهاك تركيا لسيادة البلد دون أن تلقى تلك الاحتجاجات أي أصداء لدى الجانب التركي.

وعلى الرغم من أن بغداد استدعت السفير التركي أكثر من مرة للاحتجاج، لكن العمليات التركية لم تتوقف وتسببت بحرق غابات في دهوك وفق بيانات مديرية الغابات والمراعي في المحافظة الأمر الذي وصفه الرئيس العراقي برهم صالح بـ”الممارسات غير الإنسانية والجريمة البيئية”.

وفي يونيو الماضي زارت لجنة برلمانية عراقية مناطق حدودية مع تركيا، ووصفت الوضع في تلك المناطق التابعة لإقليم كردستان العراق بالخطير جدا نتيجة التجاوزات التركية الكبيرة على الأراضي العراقية وحالة التوتّر الشديد، الذي أثاره التصعيد المتبادل بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمّال الكردستاني، الذي هدّد بفتح مواجهة جانبية ضدّ قوات البيشمركة الكردية، إذا حاولت دخول مناطق تواجده.

جهات كردية تتهم تركيا بتعمّد التضييق على سكان مناطق الشريط الحدودي وترهيبهم لدفعهم إلى النزوح لحرمان عناصر حزب العمّال من الاحتماء بالمدنيين

ودعت لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان العراقي كلاّ من الحكومة الاتّحادية وحكومة إقليم كردستان العراق إلى الاتّفاق على وضع آلية لمنع التوغلات التركية وإنشاء خط صدّ للقوات العراقية مقابل الجيش التركي لمنع تلك التوغّلات، ولردع عناصر حزب العمال الكردستاني.

وتخوض القوات التركية منذ حوالي أربعة عقود صراعا داميا ضدّ متمرّدي حزب العمال الكردستاني كثيرا ما كان يمتدّ إلى داخل الأراضي العراقية، حيث توجد مناطق جبلية وعرة يتحصّن بها عناصر الحزب. لكنّ تركيا في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان شرعت في تطوير عملياتها العسكرية داخل الأراضي العراقية من مجرّد عمليات خاطفة وقصف بالمدفعية والطيران إلى اقتحام وتوغّل أوسع نطاقا وأبعد مدى داخل العمق العراقي بالإضافة إلى عملها على تأسيس نقاط تمركز دائم لجيشها في تلك المناطق.

وخلّف النشاط العسكري التركي في شمال العراق آثارا واضحة على حياة السكان هناك، بحرمانهم من ممارسة أنشطتهم الاقتصادية التي تمثّل مصدر رزقهم وسبب بقائهم في تلك المناطق.

3