الشاعرة التونسية إيمان الفالح لـ"العرب": حضور الموقف الفكري ضروري في القصيد

الحركة الأدبية في تونس تأثرت بالواقع السياسي.
الخميس 2023/03/16
الكتابة اشتباك للذات مع الواقع (لوحة للفنانة هيلدا حياري)

الشاعرة التونسية إيمان الفالح اسم لمع في سماء الشعر التونسي واستطاعت تثبيت قدميها بين شعراء جيلها فأبدعت نصوصا مليئة بحنين الأمكنة، ولكنها لم تغفل أن الشعر موقف وجودي وإنساني مشتبك مع الفكر ومع المجتمع والسياسة وغيرها. "العرب" كان لها هذا الحوار مع الشاعرة حول عوالم الكتابة ورؤيتها للقصيدة المعاصرة.

تعتبر الشاعرة التونسية إيمان الفالح أن الشعر هويتها وانتماءها وصرختها في وجه الماضي والحاضر والمجهول، منذ بداية وعيها بذاتها وبالأشياء كان أول سؤال تطرحه في سرها “من أنا وكيف أتيت إلى هنا؟”، ومن هنا بدأت بالكتابة.

تقول الشاعرة “بداية من هذا السؤال الذي لطالما لم تقنعني إجاباته، توسعت في دائرة النظر والبحث وعدم الأخذ بالمسلمات، وذلك بوعي طفولي مبكر، أذكر أني كنت أضع كراسي تحت وسادتي، لكي أخبئ فيه ما أكتبه نهارا أو ليلا”.

إيمان الفالح: المكان جزء من ذاكرة الشاعر لا مجرد رقعة جغرافية
إيمان الفالح: المكان جزء من ذاكرة الشاعر لا مجرد رقعة جغرافية

عالم الكتابة

تستذكر الشاعرة مرحلة الطفولة المؤسسة في تجربة كل مبدع، تقول “في سني الطفولية حصلت على عدة جوائز تشجيعية، وأغلبها يتمثل في مجموعة من الكتب القيّمة، أذكر من بينها ‘الأيام’ و’المعذبون في الأرض’ لطه حسين، ‘اللص والكلاب’ و’بداية ونهاية’ لنجيب محفوظ، كنت شغوفة جدّا بالمطالعة، وهذه البدايات وضعتني في الطريق الصحيح للكتابة والإبداع”.

وتتابع “قرأت وتأثرت بالشعراء مثل محمد الماغوط ومحمود درويش وسعدي يوسف وسركون بولص ورامبو وبودلير… وغيرهم كثيرون، كما أن بعض الروايات تلهمني. لكن تأثري كان بالبيئة الريفية التي نشأت فيها، تربتها وأشجارها تغريان بالتأمل والنظر والركض الدائم وراء أدق التفاصيل. التشجيع لم أجده من عائلتي لكني وجدته في البداية من بعض المدرسين ثم من بعض الأصدقاء الشعراء الذين آمنوا بحرفي وأحبوا ما أكتب”.

وعن لحظات إبداعها وألمها تقول "الكتابة وجع ودواء في آن واحد. عندما تأتي تلك اللحظة التي لا يمكن أن تعرف شيئا عن مأتاها تنزل كأنها مخاض مفاجئ، في تلك اللحظة لا يمكنك أن تكون إلا كائنا متحولا غريبا عن نفسه وعن الآخرين، يشعر بلذة الحزن وحزن اللذة، أسميها 'لذة الشقاء'. حينها تدخل الذات الشاعرة في مدارات الرعب، وهذا ما يسمى بلحظة المكاشفة الشعرية، تليها لحظة الولادة العظيمة، لحظة الخلاص وانبلاج القصيدة، وأبرز الموضوعات كانت عن علاقة الأنا بالآخر وبالمكان، أكتب عما تشابه وما اختلف في الإنسان، عن الحي الميت وعن الميت الحي، أكتب عن علاقتي بالمحسوس واللامحسوس، أكتب من أجل المنشود، وأحب الغوص الدائم في اللامرئي”.

وعن رأيها بمستوى الحركة الأدبية الراهنة في تونس تقول “ككل الحركات الأدبية العربية أو العالمية، فإن الحركة الأدبية التونسية تأثرت بالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فكانت صدى للتحولات التي شهدتها البلاد التونسية، خاصة في العشرية الأخيرة، وكل هذه التطورات ستكون دافعا إلى ولادة نهضة فكرية وثقافية مجددة ومتجددة”.

◙ الحركة الأدبية التونسية تأثرت بالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي فكانت صدى للتحولات التي شهدتها البلاد
◙ الحركة الأدبية التونسية تأثرت بالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي فكانت صدى للتحولات التي شهدتها البلاد

الشعر موقف

نسأل الفالح حول تأثير المكان في كتاباتها، لتجيبنا “المكان جزء من ذاكرة الشاعر، وليس مجرد رقعة جغرافية، خاصة المكان الذي تعيش فيه أو المكان الذي رحلت عنه، والتعلق بالمكان أو شعورك بالاغتراب فيه مقاصدهما عميقة نفسيا وشعوريا. كتبت عن المكان الذي وُلدت فيه وهو مدينة بوحجلة/ القيروان، عن علاقتي بالأرض وببيتنا القديم بنباتاته المتنوعة وكائناته الجميلة، بما يحمله الحنين من حس جمالي وفني”.

 وتستشهد بمقطع من نص “بيتنا القديم” تقول فيه “هنا حيث الخطوة التي رسمناها خلف بيتنا القديم حيث لم يعد حجر يتكئ على أخيه الحجر لا نسمات تناغي الأعشاب لا رذاذ ضاحكا في فم الشتاء ستمطر حين تستفيق، السماء كي تعيدنا إلى مياهنا الأولى إلى ليالينا الدافئة ونوافذنا المشرعة على إيقاعها الريحي”.

في شعرها نلمس جمال ورقي الحرف، ونضج المرأة حينا، وكونية الإنسان حينا آخر. تقول الشاعرة التونسية “لا يمكن أن تكون شاعرا في غياب الحس الفني الجمالي الزاخر بروح الإنسان المبدع والمختلف في نظرته للكون بشمولية أبعاده. فالشعر فن الجمال والخلق والسمو بالذوات وبالأشياء، والمرأة خلاقة بطبعها. وإيمان الفالح شاعرة لها رؤيتها الخاصة ومشروعها الأدبي القائم على روح التجديد والتغيير في علاقتها بكل ما تراه وما لا تراه”.

وتضيف “قصائدي تكتسب حيويتها حين يحضر فيها الموقف سواء عن الواقع الاجتماعي أو الفكري أو السياسي، ومن هنا تكون القصيدة حية تنمو وتتكامل في كل أبعادها الإنسانية واللغوية والفنية. لذلك فحضور الموقف الفكري ضروري من أجل أن تتحقق حرية الشاعر”.

12