الشاعرات العربيات يحققن نجاحات متتالية ويشاركن الرجال كتابة القصيدة

اللبنانية سوزان عون: أقول للجيل القادم حاربوا الجهل.
الثلاثاء 2023/02/28
المرأة تقاوم في الواقع (لوحة للفنان غسان الفايدي)

حين يكتب الشعراء عن آلامهم أو أحزانهم أو مآزقهم الوجودية، فهم لا يكتبون بالضرورة عن ذواتهم الحقيقية، بل هم يفتحونها على الآخرين، وينتصرون بذلك إلى كل مهمش ليمنحوه صوتا ولسانا. وهكذا كانت الشاعرة اللبنانية سوزان عون التي التقتها “العرب” في هذا الحوار حول الكتابة وقضايا ثقافية أخرى.

تعيش الشاعرة اللبنانية سوزان عون في أستراليا، ودائما تصف في نصوصها حالها وحال الغربة، ومفهوم الغربة عندها له وجوه عدة، إذ ليست كل غربة هي غربة الأهل والأصدقاء والأحبة بالضرورة.

غربة الروح والقلب والمشاعر والضمير من أصعب أنواع الاغتراب، حسب قول الشاعرة، لكنها لا تكتب ذاتها فحسب في نصوصها، بل وتصر على أن كثيرا مما تكتبه هو تقمص لذوات أخرى وانتصار للإنسان.

الشعر والمرأة

عوالم خاصة
عوالم خاصة

قدمت الشاعرة عون أربعة دواوين شعرية هي “إليك الرحيل فاذكرني”، “ليلى حتى الرمق الأخير”، “جدائل على أكتاف الحب”، وختاما بمجموعتها “إنْ أمطرت”، تميزت كلها بعوالمها الخاصة.

بداية نسألها عما تريده من الشعر، لتجيبنا “الشعر صوتي الخفي، حزني، فرحي، به ومنه وله أبث شكواي، أو أنثر فرحا غمرني. فالشعر لغتي الأولى والثانية، وأحرفي القانية، والضمة الرقيقة الحانية، والحضن الحقيقي لروحي. اليد التي تربت على كتفي عند تعبي، وصوتي الصارخ عند ألمي ويأسي. باختصار، الكتابة تجربة ذاتية لصورة الواقع المنعكس على مرآة روح الكاتب أو الشاعر وفكره ووجدانه، تترجم شعرا، نثرا، قصة أو رواية”.

وحول الذين تأثرت بهم في الكتابة في بداياتها والموضوعات التي أخذت حيزا أكبر في قصائدها وقتها، تقول الشاعرة “الفضل الأكبر في تمكني من اللغة العربية، وتأثري بالشعر والشعراء، وجودي ودراستي في مرحلة الطفولة والمراهقة في دولة الإمارات العربية المتحدة، فكانت اللغة العربية عشقي ومصدر إلهامي وسعادتي، وخلال دراستي هناك، قرأت عن شعراء وشاعرات عصر ما قبل الإسلام، وأكثر من أثارت إعجابي من النساء، الشاعرة العربية الخنساء، ومن ثم قرأت خارج المدرسة للأديبة فدوى طوقان، وغادة السمان، والمتنبي وجبران خليل جبران، وغيرهم الكثيرين”.

أما عن نظرتها إلى التحولات الحاصلة في الساحة الشعرية في المرحلة الحالية وانعكاساتها على وعي المرأة، فتقر عون بأنها سعيدة صراحة بهذا النجاح الكبير الذي تحققه شاعرات الوطن العربي محليا وعالميا، وتراه خروجا للنور من قوقعة مظلمة، ظلمت المرأة الشاعرة وهي الآن تحلق في فضاءات رحبة، ورسالتها الشعرية، أولا وأخيرا، هي لدعم المرأة وشعر المرأة، فالشعر، في رأيها، ليس حكرا على الرجال. وتتابع “حاليا، هناك أسماء لشاعرات عربيات أسمعهن وأحب جدا ما يكتبن، ولولا أن أتسبب بالإحراج لنسيان اسم منهن، لذكرتهن اسما اسما”.

وتضيف الشاعرة “أقول للمرأة ارفضي كل أشكال الاستغلال الجسدي والنفسي، تعلمي واقرئي واخرجي إلى الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، عبري عن همومك وحققي كل طموحاتك، أنت شريكة الرجل في بناء الوطن، ولست تابعا أو ظلا لأحد، لك من الحقوق الكثير، فتعلميها، وأقول للرجل، المرأة بين يديك أمانة، فانظر كيف تحفظ هذه الأمانة”.

وحول أبرز الموضوعات التي تتناولها في كتابة نصوصها الشعرية تقول عون “لا ألتزم بموضوع معين، فأنا أترك الإحساس الذي أشعر به ليقود قلمي. فتراني أكتب عن وجع الأوطان والشعوب تارة، وتارة أخرى أكتب عن الحب بكل أنواعه ومفاجآته ودروبه ومفاهيمه. فتجد خليطا من المواضيع المطروحة وبلسان كل فئات المجتمع. فالشاعر يمتع الناس بأفكاره وبومضاته الخلاقة، أو يلقي الضوء على وجع الناس، فيكون لسانهم الناطق، يكسر قيد أياديهم المكبلة”.

قلب الشاعر

أدعو النساء إلى رفض كل أشكال الاستغلال
أدعو النساء إلى رفض كل أشكال الاستغلال

حفلات إعلان الكتب أصبحت موضة العصر، وفي رأيها حول هذه الظاهرة، تبين عون أنها تراها ظاهرة جميلة ومبشرة بالخير إذا كانت الكتابة جيدة، فيها فكرة جديدة وتستحق النشر والتقدّي.

وتضيف “لنكن إيجابيين ولنعط الفرصة لكل من يريد أن يعرفنا على نتاجه الأدبي، فلا نظلم أحدا بجريرة من سبقه. فلكل زمان نكهته ولكل شاعر صولته”.

وصدر للشاعرة ديوان حمل عنوان “إن أمطرت”، حول هذا الكتاب تقول عون “إن ‘إنْ أمطرت’ نسمة فرح غمرت روحي، وهو الكتاب الرابع والذي أعتبره كتابا بأسلوب جديد متطور عندي، إذ اعتمدت فيه النصوص الشعرية القصيرة وابتعدت عن النص الطويل، رغم عشقي للفكرتين”.

وتتابع “لقد أصدرت قبله ثلاثة كتب، ‘إليك الرحيل فاذكرني’، ‘ليلى حتى الرمق الأخير’ و’جدائل على أكتاف الحب’، ويكفيني فخرا ما كتبه النقاد عن مجموعتي الشعرية ‘إن أمطرت’ وعن غيرها، وأود من هذا المنبر أن أشكرهم مجددا. كل مجموعة شعرية بالنسبة إلي درجة خبرة في سلم الحياة، أرتقيها وأتعلم منها، وأستفيد منها في التجارب القادمة”.

ودائما نجد في الشعر العربي مساحة الحزن وهي أكبر بكثير من مساحة الفرح، ووجدنا أجمل ما قيل في هذا الشعر نصوصا أحاطها الحزن والشعور بالخوف أو الغربة أو فراق الأحبة، وترى الشاعرة اللبنانية أن “الشعر نزف للأحاسيس، والشاعر كائن ممتلئ بالمشاعر، والحزن من أبلغ الأحاسيس التي تحرك قلم الشاعر وفكره، فهو دليل على إحساسه بما يجري حوله، ومعايشته لهموم الناس، كما حصل معي فكتبت هذه السطور بعد الزلزال الكبير الذي ضرب سوريا وتركيا، فقلت:

 ماذا يفعل العالقون ما بين بين؟ ما أصعب أن تقسم قلبك نصفين، نصف تتركه يفرح مع من يعيشون حولك بسعادة، ونصف يتألم، ويصرخ وجعا، كلما صرخ أحد حولك بالآه”.

وتتابع “اليوم عرفت وتأكدت، مسؤولية أن تكون شاعرا، أديبا، محبا، عاشقا، وفيا لوطنك وأرضك وشعبك، مخلصا لدم يشبه دمك وزمرته. اليوم عرفت، بأن كل من ذكرت في الأعلى، لديهم عينان تختلفان عمن حولهم، لديهم قلب وشعور مفرط وأحاسيس نابضة، فهم يتألمون لألم غيرهم، وينزفون دمعا صامتا، عند عتبات أحزان الآخرين. فحافظوا على هذه النعم، واقتربوا من البشر الإنسانيين الحقيقيين، تفلحوا. هي الحياة بفنها وجنونها. وما أدراكم ما الحياة. فرفقا بقلوبكم وقلوبنا”.

الوقوف ضد الجهل

غغ

الشبكة العنكبوتية وصفحات التواصل الاجتماعي خدمت الأدباء والكتاب والشعراء بشكل عام، وتعلق عون قائلة “كل تطور يصل إليه الإنسان يخدمه بطريقة ما، وإلا ما كان إنجازا ونجاحا. فما بالك بشبكات التواصل الاجتماعي والتي جمعت الناس في مكان واحد وحولت الكرة الأرضية إلى قرية صغيرة، نعرف ما يجري حولنا بسرعة البرق. وهذا ما حدث أيضا مع الأدباء والكتاب والشعراء، ساهمت شبكات التواصل تلك بتعريفنا عليهم، ونشر نتاجهم، والفخر بهم وبما يكتبون”.

وحاليا لدينا مفهوم الغربة عند كثير من الشعراء على مدار التاريخ، كلما ارتحل عن أرضه ووطنه، أو كلما حلت نكبة، أو وقعت واقعة يشعر فيها الشاعر بالوحشة، والغربة، والحزن، فيكتب قصيدته مصورا حاله، والشاعرة سوزان تعيش في أستراليا، نسألها كيف ترى غربتها لتجيبنا “لمفهوم الغربة وجوه عدة، وبما أن الشعر لغة مكثفة خفية للفكرة، فليست كل غربة تتمحور حول غربة الأهل والأصدقاء والأحبة. فغربة الروح والقلب والمشاعر والضمير، من أصعب أنواع الاغتراب برأيي”.

وتتابع “رغم كوني أعيش في أستراليا مع أسرتي فلم أشعر بغربة الأهل ولله الحمد، ولكن كما ذكرت سابقا، الشاعر لسان حال بلده وأهل بلده وكل مظلوم ومتعب، وليس بالضرورة أن كل ما أكتبه يكون عن فكرة شخصية أو خاصة”.

ولا تنكر الشاعرة كتابتها كثيرا من النصوص التي تحاكي أنواعا عديدة عن الغربة، مثل نص تفتتحه قائلة “الغربة القابعة بين شفتي أقحلتْ صوتي/ فانفخْ علي من سمرتك لأتعطر”.

وتختم الشاعرة حوارها قائلة “أود أن أشكر صحيفة ‘العرب’ على إتاحة الفرصة لي لأطل على القراء في كل مكان من العالم، وأقول للجيل القادم: حاربوا الجهل، بفكركم وثقافتكم، لا تقتلوا فطرة الله بالبغضاء والكراهية. خلقنا الله مختلفين، رغم أنه كان قادرا على جعلنا فئة واحدة وعلى دين واح. كونوا إنسانيين، كونوا أحرارا، اقرأوا جيدا وخذوا خلاصات تحصنكم من الجهل والتخلف المتداول عبر العصور”.

13