السينما عين نبيل المالح الثالثة التي يدفعها الشغف والفكرة

حقق المخرج السينمائي السوري نبيل المالح الكثير من الإنجازات السينمائية وفق إجماع النقاد، فكان صاحب مدرسة خاصة في الفن السابع جمعت بين الشرق والغرب، خلد من خلالها اسمه قبل رحيله، لا كأحد رواد الفن السينمائي فحسب وإنما كفاعل ثقافي له تأثيره في أجيال متلاحقة عبر ما قدمه من رؤى وأفكار في أعماله التي تحفر عميقا في أديم الثقافة السورية والعربية منتصرة للهامشي والمغيب منها.
بصمات المخرج السينمائي السوري الراحل نبيل المالح لن تغيب عن خارطة السينما العربية، فهو صاحب أكثر من 150 فيلماً بين روائي طويل وقصير ووثائقي، وصاحب أكثر من 60 جائزة عربية وعالمية، حصل عليها خلال اشتغاله في السينما لأكثر من 40 عاماً.
رائد سينمائي

شغف الإنتاج السينمائي
برحيل المالح في فبراير من سنة 2016 خسرت السينما العربية عامة والسينما السورية خاصة إحدى أبرز قاماتها الإبداعية الرفيعة، لما انطوت عليه مدرسته السينمائية من سمات وخصائص منحازة إلى هموم الإنسان البسيط والهامشي وتوقه إلى التحرر والانعتاق.
من باب الوفاء لهذا السينمائي قام صديقه ورفيق دربه الإبداعي المخرج السينمائي العراقي قيس الزبيدي بإصدار كتاب عنه حمل عنوان “نبيل المالح.. العين الثالثة” وبعنوان فرعي “شغف الإبداع السينمائي” ليضيء فيه مسيرة “مخرج سينمائي طليعي اختار على مدى عقود أن يضع، كما يقال، سينما عربية، وهي على مفترق طرق، على خارطة العالم”. وأهداه إلى “عائلة نبيل المالح (فريال، ايبلا، زلفا، سميحة).
اختار الزبيدي المقال الشامل الذي كتبه الناقد الفلسطيني الراحل بشار إبراهيم عن المخرج السوري نبيل المالح كمدخل للكتاب، بعنوان “نبيل المالح رائد في الثقافة السورية الحديثة”، والذي قال فيه “سيكون من الظلم الاكتفاء بتناول سيرة نبيل المالح، بوصفه مخرجاً سينمائياً، على الرغم من أهمية ريادته السينمائية التي من الصعب على أحد تجاوزها، إذ لطالما نظرت إليه بعده واحداً من رواد الثقافة السورية الحديثة، ولعله الأكثر تمثيلاً لها، سواءً من ناحية التنوع والغنى والثراء الذي اتسمت به تجربته الإبداعية، أم من ناحية تشعبها وتشابكها مع الزمان والمكان، وتحولات العصر في السياسة والثقافة والاجتماع وفي العلوم والفنون والآداب والتقانة، ومواكبته لكل جديد ومستجد فيها”.
ومن أجل تأكيد قناعته ورؤيته لهذا التنوع والغنى والريادة في مسيرة نبيل المالح المعطاء يرى بشار إبراهيم “أنه لم يكن من باب الصدفة (المصادفة) أن يكون نبيل المالح، المخرج الذي قدم أول فيلم سينمائي روائي طويل بتوقيع سوري (الفهد 1972)، هو ذاته المخرج الذي قدم أول فيلم سينمائي سوري روائي طويل مصور بكاميرا رقمية ديجيتال (“غراميات نجلا” 2001)”.
ويستمر إبراهيم في سرد وتحليل وتشخيص مسيرة الرجل الذي رحل عن ثمانين عاماً كحال أغلب مبدعي البلاد العربية بعيداً عن وطنه.
شهادات ومسيرة

ضم الكتاب، الصادر عن دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع الأردنية، أربعة فصول. جاء الفصل الأول تحت عنوان “أفلام المخرج الروائية بعيون النقاد” وضم كتابات لأسماء مهمة في النقد السينمائي تناولت تجاربه ومسيرته السينمائية من زوايا عدة يتقدمها محمد رضا، الذي كتب عن “نبيل المالح بين آماله وآلامه، أحلامه وواقعيته في فيلمين مبهرين بأسلوبين مختلفين”، في حين كتب الناقد المصري أمير العمري محاوراً الراحل تحت عنوان “فيلم الكومبارس السياسة العربية في موعد غرامي”، وتوقفت الناقدة السورية رندة الرهونجي عند فيلم “الكومبارس” أيضاً، في حين توقف الناقد الأردني عدنان مدانات عند فيلمي “الفهد” و”الكومبارس”، وهكذا فعل زميله الناقد الأردني ناجح حسن حين أضاء فيلم “السيد التقدمي”، وكتبت إسراء الردايدة عن “كومبارس” بصفته “أحلاما منكسرة ولحظات حب
مبتورة”.
عبر أفلامه كشف المالح عن رؤاه وتصوراته وأحلامه ومشروعيْه السينمائي والثقافي، وكلاهما صنواه اللذان لا يفترقان
أما الفصل الثاني الذي حمل عنوان “الرحيل.. كتابات مختارة” فقد تم تكريسه لكلمات الرثاء التي كتبها النقاد والسينمائون العرب إثر رحيل المالح، أمثال: سمير فريد “في رثاء الراحل الكبير نبيل المالح .. السينما السورية تفقد رائدها”، وكمال رمزي الذي كتب “بصمات الراحل نبيل المالح لن تغيب عن خارطة السينما العربية”، وهوفيك حبشيان الذي جاءت كلمته بعنوان “مسيرة بحث وترحال”، ومحمد ملص الذي دون “فعلتها يا صديقي”، مع كلمات رثاء قصيرة لعدد آخر منهم لا يتسع المجال لذكرهم جميعاً.
وخصص الزبيدي الفصل الثالث من كتابه لتناول نصوص المقابلات الرصينة والفكرية والثقافية التي أجراها المخرج الراحل مع عدد من الصحفايين المعنيين بالثقافة والفنون والسينما، وكشف فيها عن رؤاه وتصوراته وأحلامه ومشروعيه السينمائي والثقافي وكلاهما صنواه اللذان لا يفترقان.
ويتطرق الكتاب في رابع فصوله بعنوان “نبيل المالح نظرة إلى الحياة والسينما” إلى جوانب من رؤاه ومبادئه تجاه السينما والحياة، ليختتم بأربعة ملاحق شمل الأول “فيلموغرافيا الأفلام الروائية”، وتضمن الثاني “فيلم الفهد في مهرجان لوكارنو السينمائي”، وشمل الثالث “تكريم المخرج في مهرجان دبي السينمائي الدولي”، والرابع ملحق الصور التي مثلت معادلاً موضوعياً لمجالات إبداعية وثقتها الصورة الفوتوغرافية بشغف، ربما لا يعادل شغف الإبداع السينمائي للمبدع العربي الكبير نبيل المالح الذي كانت السينما العين الثالثة التي ظلت ترنو إلى الجميع لتخلد عطاءاته، والتي حرص على توثيقها زميله توأمه الإبداعي والوفي قيس الزبيدي.