السيسي يهيّئ الرأي العام المصري لمعركة تفاوضية طويلة مع إثيوبيا

تحركات روسية سرية للوساطة في أزمة سد النهضة، وتمسك مصر بورقة مجلس الأمن قد يؤدي إلى تشكيل لجنة من الخبراء الدوليين.
الأربعاء 2020/07/29
السيسي: لن نوقّع على شيء لن يحقق لنا المصلحة

القاهرة – أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الثلاثاء، حرص بلاده على التعامل مع قضية سد النهضة الإثيوبي من خلال التفاوض وهو “معركة ستطول”، لافتا إلى عدم توقيع أي اتفاق للمياه لا يحقق المصلحة القومية.

ويحمل هذا الكلام إشارات تفيد بأن نفَس المفاوض المصري طويل للاستمرار في ماراثون المفاوضات لفترة أخرى، ورفض الانحراف عنها مهما بلغ التعنت الإثيوبي، كأن القاهرة على يقين من كسب معركة المياه في النهاية.

وتنطوي تلميحاته على ثقة عالية تتناقض مع نتائج المفاوضات التي تجرى تحت مظلة الاتحاد الأفريقي، فهي لم تحقق شيئا ملموسا بعد جولتي تفاوض على مستوى الوزراء والخبراء، وعقب قمتين مصغرتين بحضور قادة الدول الثلاث.

وأوضح السيسي، خلال افتتاح المدينة الصناعية بالروبيكي، شرق القاهرة، أن قلق الشعب المصري من سد النهضة مشروع، واصفا نهر النيل بأنه “قضية تاريخية مثل الهرم، والحضارة المصرية قامت منذ آلاف السنين على ضفافه”.

وأعلنت إثيوبيا منفردة الانتهاء من ملء المرحلة الأولى لخزان سد النهضة الأسبوع الماضي، ما أحرج جنوب أفريقيا التي تشرف على الوساطة، ودفع مصر والسودان إلى رفض الخطوات والتشديد على المطالبة بتوقيع اتفاق ملزم، لا تريده أديس أبابا.

المفاوضات تستأنف الاثنين، وسط أجواء مشحونة، بعد خطوة الملء المنفرد لإثيوبيا

وحقق رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، بخطوة الملء من جانب واحد هدفا سياسيا مزدوجا، حيث بدا صامدا ورافضا الرضوخ للشروط المصرية والسودانية، ونفّذ وعده بهذا التحرك المنفرد، الأمر الذي لقي استحسانا في الداخل.

ويقول متابعون، إن الخيارات غير التفاوضية أمام مصر محدودة، والأزمات التي تلاحقها في المنطقة خطرة ولا تشجع على التعامل بخشونة مع إثيوبيا، ولذلك ليس هناك طريق آخر سوى المضي في المفاوضات على طاولة الاتحاد الأفريقي، لأن عرض القضية على مجلس الأمن من قبل مصر لن يحقق ما تريده سياسيا، مع تباين مواقف القوى الدولية.

واستبعد السفير الإثيوبي في موسكو، أليمايهو تيغينو أرغاو، الثلاثاء، نشوب نزاع عسكري مع مصر بسبب الخلافات حول السد، قائلا “أمر غير واقعي.. هناك مفاوضات تجري تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، وأعتقد أن جميع المشاكل ستحل قريبا جدا”.

لا أحد يعلم من أين يستمد السفير أرغاو تقديره للحل، لكن مراقبين لم يستبعدوا أن تكون هناك تحركات روسية سرية على هذا المستوى، في ظل العلاقة الجيدة التي تربط موسكو بالأطراف الثلاثة، واستعداد الرئيس فلاديمير بوتين للوساطة، والاستفادة من إخفاق الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تحقيق تقدم في المفاوضات عندما رعت واشنطن والبنك الدولي المرحلة السابقة لتدخل الاتحاد الأفريقي.

ورفضت إثيوبيا القبول بأية وساطة بعيدة عن الاتحاد الأفريقي، ما يجعل دخول موسكو صعبا، إلا إذا تحملت المسؤولية بالتنسيق مع الاتحاد الأفريقي، وهي صيغة وسط يمكن أن تكون مقبولة من جانب غالبية الأطراف، وتحل مشكلة التناقض الحاصل بين طرح القضية على مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي.

مصر تخشى أن يؤثر سد النهضة على حصتها من مياه النيل
مصر تخشى أن يؤثر سد النهضة على حصتها من مياه النيل

ووصف السفير الإثيوبي قيام مصر بطلب تدخل مجلس الأمن بأنه “أمر لا معنى له ولا جدوى منه”، على اعتبار أن السد لا يمثل تهديدا أمنيا لمصر أو غيرها.

ويشير مراقبون إلى أن السد لا يمثل تهديدا أمنيا مباشرا لمصر، لكن تداعياته يمكن أن تصيب الأمن والسلم بالمنطقة في مقتل، وهو المدخل الذي استخدمته القاهرة في شكواها للمجلس، ويحمل رسالة بأن الأزمة قد ينفرط عقدها وتؤدي إلى التهديد في أي وقت، ما لم يتم الاتفاق بين الدول الثلاثة.

وقال أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، نادر نورالدين، لـ”العرب”، إن تمسك مصر بعدم التفريط في ورقة مجلس الأمن ربما يؤدي إلى تشكيل لجنة من الخبراء الدوليين في ملف قوانين الأنهار الدولية التابعة للأمم المتحدة أو من البنك الدولي الذي يملك خبرة كبيرة في إدارة صراعات المياه من أجل الخروج بتقرير يمكن على أساسه استصدار قرار نهائي من مجلس الأمن.

وأضاف أن إثيوبيا متمسكة بمواقفها غير العادلة ولم تغيرها حتى الآن، وتكسر بتصرفاتها الراهنة الأعراف الخاصة بالقوانين الدولية وإدارة تقاسم مياه الأنهار، وهو ما أفضى إلى المزيد من التقارب بين القاهرة والخرطوم، حيث نقضت أديس أبابا جميع ما توصلت إليه المباحثات السابقة، ما جعلهما يتمسكان بضرورة أن تكون العودة للمفاوضات محددة بتوقيتات ورؤى واضحة.

وتستأنف المفاوضات الاثنين المقبل برعاية الاتحاد الأفريقي وسط أجواء مشحونة من قبل مصر والسودان، بعد خطوة الملء المنفردة التي اتخذتها إثيوبيا، والتي جرى امتصاصها كي لا يتم نسف العملية التفاوضية برمتها، ووضع عراقيل جديدة.

2