السياح الروس يعيدون الحياة إلى المنتجعات المصرية

تبشر عودة الزوار الروس إلى المنتجعات الشاطئية لأول مرة منذ ست سنوات بانتعاشة قوية للسياحة المصرية بعدما أربكتها الأزمة الصحية، وهي تعد العاملين في القطاع بتحقيق عوائد مهمة في ما تبقى من موسم هذا العام، وبإمكانية دعم الاحتياطات النقدية كون هذا النشاط الاستراتيجي أحد مصادر العملة الصعبة.
شرم الشيخ (مصر) - يشعر العاملون في المنتجعات المصرية أن بمقدورهم الابتعاد عن كبوة الظروف، التي كبلت نشاطهم في السنوات الأخيرة بفضل عودة السياح الروس الذين أعادوا الحياة إلى تلك الوجهات ولاسيما شرم الشيخ.
ومن أمام محله لبيع العطارة والأعشاب المصرية في منتجع شرم الشيخ السياحي على البحر الأحمر يجلس موسى النحاس مبتسما وهو يعلم أن اليوم لن يخلو من الزبائن الأجانب، خصوصا مع استئناف الطيران الروسي رحلاته إلى المدينة المصرية بعد انقطاع دام نحو ست سنوات على إثر اعتداء.
وقال النحاس لوكالة الصحافة الفرنسية “الحال الآن أفضل مما كان عليه قبل ثلاثة أو أربعة أشهر بسبب (عودة) الروس”، معتبرا أن “فتح الطيران الروسي أعطى جرأة لبقية الدول لتستأنف رحلاتها إلى شرم الشيخ”.
وأوضح أنه مع إغلاق الطيران الروسي وانتشار الوباء العام الماضي “كنا نقول عن شرم الشيخ إنها أصبحت مدينة أشباح”.
وفي العاشر من أغسطس الماضي، هبطت أول طائرة تقل السياح قادمة من روسيا، في مطار شرم الشيخ بعد حوالي ست سنوات على فرض موسكو حظرا على الرحلات المباشرة إلى مصر بعد على إثر تحطم طائرة ركاب روسية فوق سيناء في أكتوبر 2015 مما أسفر عن مقتل 224 شخصا.
وكان وزير السياحة والآثار خالد العناني قد قال لوكالة الصحافة الفرنسية في مايو الماضي على هامش فعالية في معرض سوق السفر العربي المقام بإمارة دبي، إن “قرار عودة السياحة إلى مصر ليس قرارا مصريا أصيلا ولكنّه مرتبط بالأسواق المصدّرة”.
ويشدد النحاس الذي يعمل في شرم الشيخ منذ أكثر من عقدين على أهمية السياح الروس في شرم الشيخ في الوقت الذي تعاني فيه السياحة المصرية من تأثر شديد لعدم الاستقرار السياسي بعد ثورة المصريين 2011.
ويقول عبدالقادر عبدالرحمن المرشد السياحي “قبل أكتوبر 2015 كان عدد الطائرات الروسية التي تأتي إلى شرم الشيخ أسبوعيا بين 120 و150 طائرة.. نتمنى أن يعود الوضع إلى ما كان عليه”.
وقبل الحادثة كانت مصر تستقبل سنويا قرابة 3 ملايين سائح روسي قبل أزمة طائرة شرم الشيخ وتعليق الطيران، أما في الوقت الحالي تسيّر روسيا أكثر من عشرين رحلة طيران أسبوعية إلى شرم الشيخ.
وأضاف عبدالرحمن، الذي اتكأ على دراجته البخارية الصحراوية ذات الأربع عجلات استعدادا للقيام برحلة سفاري في الصحراء مع مجموعة من السياح المجريين “منذ شهر ونصف الشهر عاد الطيران الروسي مجددا، وبدأت البلد (شرم الشيخ) تتحرك”، موضحا أنه “رجع الكثير من الناس إلى أشغالهم وفتحت المطاعم والبازارات مرة أخرى”.
وفي قلب صحراء المدينة الساحلية، جلس رولاند جاني السائح المجري، يحتسي الشاي في خيمة بدوية ويستعد للتزحلق على الرمال مع أفراد مجموعته. وقال “كانت زيارتي الأخيرة إلى شرم الشيخ منذ عشر سنوات. لا أرى اختلافا كبيرا ولطالما أعجبتني”.
إلا أن الوجود السياحي الروسي كان مفاجأة لجاني الذي قال “الآن أرى العديد والعديد من الروس أكثر من قبل، لا أعرف لماذا”!
ويأمل العاملون في السياحة المصرية والذين يصل عددهم إلى مليوني شخص أن يسهم استئناف الطيران الروسي إلى المنتجعات المطلة على البحر الأحمر، في تعافي القطاع الذي كان قد بدأ الازدهار في 2019 قبل أن تضرب أزمة كورونا العالم في العام اللاحق وتوقف السفر.
3 ملايين سائح روسي كانت تستقبلهم مصر قبل حادثة الطائرة فوق سيناء في 2015
وبحسب الأرقام الرسمية، فقد حققت مصر عائدات سياحية قدرها 13 مليار دولار في العام 2019، لكن هذا الرقم انخفض إلى أربعة مليارات في 2020 بسبب الوباء بعدما كانت الحكومة تتوقع جني 16 مليار دولار.
وظهرت علامات عودة الروس إلى شرم الشيخ على أحد المراسي البحرية حين اصطف المئات من السياح للصعود إلى اليخوت والمراكب من أجل القيام برحلة بحرية يستطيعون خلالها الغوص والسباحة ومشاهدة الشعاب المرجانية.
وعلى ظهر أحد اليخوت، وقف السائح الروسي أليكسي فولنياغو وهو يشير إلى البحر قائلا “لم نذهب إلى شرم الشيخ منذ خمس سنوات.. افتقدناها كثيرا”.
وأضاف فولنياغو “ليس لدينا مثل هذا البحر في روسيا.. إنه رائع هنا”، معبرا عن أمله في زيادة عدد الرحلات الجوية بين البلدين.
وشهد أحد المحلات التجارية الكبيرة في شرم الشيخ المملوء بالتذكارات السياحية المعروضة وصناديق فاكهة المانغو المصرية، تزاحما من قبل السياح خصوصا، وأن “الأسعار عادية والناس طيبون”، على ما قال أليكسي أحد السائحين الروس المتسوقين.
وأضاف “أتمنى ألا يحدث هذا الإغلاق مجددا وأن تبقى جميع المنتجعات مفتوحة ويستطيع الناس السفر”.
وكبّد إغلاق الفنادق والمنتجعات والمحلات التجارية في شرم الشيخ الطيران الروسي خسائر كبيرة حسب العديد من العاملين في القطاع الذين قالوا إن “أسرا كاملة غادرت والأكل والشرب كان يوزع في الشوارع مدعما من المحافظة بسبب الظروف الاقتصادية”.
ويمثل قطاع السياحة أكثر من 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في مصر، البلد العربي الذي يضم أكبر عدد من السكان بما يفوق 100 مليون نسمة ويعاني نسبة فقر تبلغ 29.7 في المئة.
لكن مع عودة الروس وغيرهم من السياح الأجانب، ينتظر النحاس وأصحاب الأنشطة التجارية والسياحية في شرم الشيخ “موسما واحدا فقط من أربعة أشهر مثل مواسم أعوام 2009 و2010″، لتعويض الخسائر.
ويوضح النحاس علاقة الروس بشرم الشيخ، ويقول إن “الشمس وتعامل الناس معهم” بالنسبة إليهم من الأمور الجاذبة، مشيرا إلى مدى حرص السائح الروسي على شراء العطارة من المدينة وخصوصا الحارة منها مثل الكركديه والحبق.
وقال “هناك طبيب روسي صديقي، عرفته منذ 11 عاما أطلقنا عليه أليكس الشرماوي لأنه كان معتادا قبل إغلاق الطيران أن يأتي كل 6 أشهر وأحيانا أقل وبمجرد فتح الطيران عاد”.
وتعتبر مصر من بين أولى الدول التي فتحت أبوابها للسياحة وكان ذلك في أبريل 2020، وسط تطبيق التدابير الصحية في الفنادق والمطارات والرحلات الجوية والمتاحف والمنشآت السياحية والمواقع الأثرية.