السوري إسماعيل أبوترابة يوثّق علاقة اللون بالخط

فنان ينشغل بفعل الاغتراب الذي لا يحده ساتر لوني أو حاجز زمني
الاثنين 2022/03/07
ألوان مستوحاة من الطبيعة المتجانسة

تتميز أعمال الفنان السوري إسماعيل أبوترابة بمزجه لتقنيات النحت مع التصوير بحس مرهف ومواكبة للأحداث، كما يهتم في معظم لوحاته بالمرأة كنموذج جمالي فريد، لكنه يدور بصفة عامة في فلك الاغتراب باعتباره مساحة فنية لا حدود لها.

كلما فكرت بالكتابة عن أحد أعمال إسماعيل أبوترابة أسرعت عدة مكابح توقف همتي وتكسر مهمتي، فإسماعيل نحات يتخذ من أزقة التاريخ حينا ومن مرجعية الذات حينا آخر موضوعا لمجسماته التي تحاكي فلسفة تقارب فهم الحياة عبر طرق تفضي عن قصد أو دون قصد إلى تأويلات معرفية تشغلك حتى وأنت تبتعد عنها، كما أنه صاحب أصابع تداعب القوس قزح بإيقاع يطلق العنان لصياغاته بغنى كل السياقات التي يتجول فيها.

فنان يغوص في منجزه عبر مقياس داخلي

كانت الحيرة تشغلني كثيرا، ولكن لوحاته التي نحن بصدد قراءتها وهي من أعماله الأخيرة أماتت تلك الحيرة، وعبر تأمل دام أكثر من عدة أيام ومازالت تفعل فعلها برؤياي.

لهذا نراه يحرر كل حبال وعيه وهذا ما يدعو إلى حضور وقفز عدة سبل أمام ريشته التي تتقن كل مفردات التشكيل فيرمي أبوترابة وجها في منتصف العمل المنتج كوسيلة تحفيز بين ما هو مبحر وما هو منتج من جهة، وبين ما هو منتج والمتلقي من جهة ثانية، وذلك بإحاطة تكويناته بمقولات هي نوافذه للإبحار مع أشرعته، رغم الوجود الهائل من القيم الجمالية التي تبحر بدورها مع تلك الأشرعة.أوقفني منجزه الفني الجديد، وهو عمل يبلغ سوية النصوص التي تقودك نحو منتج جمالي وبوعي فني فهو يؤكد مصداقية الجدل مع التشكيل، فهو يحاول الانشغال بفعل الاغتراب القائم على البعد الرابع والذي يعطي لأبي ترابة كحاضن مميز لمقاييسه غير المحدودة بساتر لوني ولا بحاجز زمني.

وهنا، يتجاوز أبوترابة تلك الرؤية الولودة من تكريس بؤرة العمل على أساس لا ينفصم من عودته إلى الذات، يتجاوزها إلى خلق قيم نبيلة بتجليات عاشق مبحر في عيون من يحب، دون أن يعاني أي عقبات ولا أي ويلات، فهو يرتاد حواف الحكاية بترتيب تكاملي ثم إلى المتن بتأنق مفترض حيث الوجود الحكائي الجمالي الذوقي الذي يحيلك إلى كم من تشكيل معطيات متخيلة بنمط يتعلق بصوت الفنان داخل عمله.

وكان من الممكن لأبي ترابة ألا يقتصر على الجانب الوصفي حين حاصر منجزه هذا بهالات عريضة من معايير عملية تحمل مفاهيم تتأرجح بين اللجوء إلى التحليل في إطار عملية الاعتراف، وبين ما هو ممكن كعناوين غير اعتباطية أو حتى ما يمكن تسميته ضابط إيقاع لعمله، وفق توثيق العلاقة وبحميمية عالية ما بين اللون والخط دون الوقوع في تجليات الموضوع.

لوحات تمزج بين النحت والتشكيل
لوحات تمزج بين النحت والتشكيل

وبهذا يحتفي أبوترابة بالتتابع الدال منذ الوهلة الأولى في غوص عمله مع الاستهلال الزمني في هيكلية المنتَج عبر مقياس داخلي يستجيب لكل المواجهات المحتملة وعلى نحو أخص الإيجابية منها في سياقاتها المتنوعة (التكوينية المكثفة، حماية النزعة البحثية، محايثة علائق التركيب الفني بالخلفية… إلخ).وهو هنا يكسر الرومانسية بإنتاج الفعل الضمني للعمل الذي يعول عليه في الاستفادة من كل المداخلات (اللونية خاصة) بما فيها تلاشي الأفق المطابق لإحداثيات خلق العمل. فأبوترابة وفي علاقاته بأحوال وشروط تولد العمل يضع كل دلالات مقولته بمعناها الشامل في توكيد ملامح اللوحة، تلك الملامح التي تنأى في الانطلاق والنزوع بين الشوائب التي قد تخالطه.

إسماعيل أبوترابة فنان يتحرك ضمن السياق الذي يجعل عمله في منظوره الجمالي إطارا مرجعيا يعادل إبداعه في سياقه الخلقي

وهو يتحرك ضمن السياق الذي يجعل عمله في منظوره الجمالي إطارا مرجعيا يعادل إبداعه في سياقه الخلقي. وقد استعان أبوترابة بمقولات نظرية التعبير ضمن تأثره بأسس قائمة على الممكن كأساس لمعياره القيمي مع الحفاظ على نوع ما من المجاورة ما بين البني في تدرجاته وما بين الماء في غفرانه لأزرقه. وهذا بحد ذاته يشكل لأبي ترابة فاصلا انعطافيا في لغته التجريدية وقد تكون نقلة ضمن نظام نهضوي لتجربته عالية القيمة، وبتطور يصل بجهد تراكمي إلى أفقه، وبتمايز حقيقي يدخل أبوترابة خطابه التشكيلي خلف ستارة ليس غير المتلقي الفطن قادرا على أن يمزقها لتنكشف له كل تلك الكنوز الراحلة في تكويناته.

ويذكر أن إسماعيل أبوترابة فنان تشكيلي سوري مواليد صلخد - محافظة السويداء عام 1949، درس بجامعة دمشق الرياضيات والفيزياء، وقبل تخرجه بعام انتقل إلى كلية الفنون الجميلة، حيث تخرج من قسم النحت عام 1973، وحصل مشروعه للتخرج على مرتبة الشرف وكان بعنوان “السلام”.

وعمل أبوترابة مدرسا لمادة التربية الفنية في سوريا ثم انتقل إلى المملكة العربية السعودية، وشارك في العديد من المعارض الفنية في سوريا وخارجها وحصل على العديد من التكريمات من بينها تكريمه من اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين على مسيرته الفنية.

15