السوري أحمد عكو يحاكي أحاسيس مضرّجة بالمكان

فنان يفصّل أنموذجا بصريا لآماله وقراءته للواقع بحروبه وصراعاته.
الاثنين 2023/04/03
لوحات تستمد جمالها من هوية الفنان

يمتلك الفنان أحمد عكو تجربة فنية متفردة على الساحة التشكيلية في سوريا، يجمع فيها ما يستوحيه من جمال وقبح وغرابة متوزعة على الأرض والطبيعة والبشر ليعيد تشكيله ضمن صيغ تعبيرية متنوعة تمتاز بالكثير من الإثارة والتلقائية وتستفز عقل المتفرج ليتأمل لوحاته ويعيد تفكيك عناصرها.

لم يلهث الفنان التشكيلي السوري أحمد عكو وراء الأضواء، ولم يتجاوز حدود البلاد إلى بلاد أخرى كما فعل الكثيرون، بقي يعمل بصمت مدقع، يندد بالقبح كثيرا ويُهلّل للجميل كثيرا أيضا، وهو غير قادر على إخفاء أريجه الذي يفوح في المكان بأكمله، أريج أعماله ذات الصِّلة الدقيقة بحقيقة مكنوناته الداخلية حيث أحاسيسه مضرَّجة بالمكان الذي يستنشقه طويلا.

لم ينحز الفنان إلى مظهر الأشياء وسطوحها المرئية بقدر انحيازه إلى أعماق النفس الإنسانية ولهذا جاءت الكثير من أعماله محاكاة لعوالم تفصيلاته الداخلية، محاكاة لتلك الأحاسيس في إيقاعاتها المتصاعدة بقيمها الجمالية مع توتُّر ذاكرته بوضعها المتخطية لمرحلة طويلة من التهكم باختراق الحكايات الكبرى التي تقربه من بوابات الأفق. يدرك عكو أن كسرها وتجاوزها أمر لا مفر منه بمستوياتها المختلفة دون أي تبديد في رصيده الفني، فهو بإملاءات وترسيخ لغة بصرية لديه يتيح خلق ما يضفي طابعا جماليا محليا غالبا على منتجه مع استمرار الاستغراق في المشاهد التي يبلغها.

بوكس

وهو لا يستطيع حصر استغراقه في زوايا ضيّقة من العمل بل يسرده في الجهات كلها فتصبح المساحات أمامه مفتوحة ليسرد عليها تفصيلاته الجميلة على ضوء رؤية إبداعية لا يغيب عنها ما تثيره من أسئلة جوهرية دون إطلاق ما يمكن أن يعرقل محاولاته البحثية، فهو يسعى إلى جعل اللون زاده الفني الأجمل وضمن مسافات يفعل فيها ما يفهم المتلقي أنه يؤسس لمرحلة بغيضة حيث الحروب والصراعات غير المستقلة وغير المستقرة وحيث كل شيء في البلاد ينقسم على نفسه بدءا من المكان والأحزاب ومرورا بالناس والرايات، فالمآثر لا تعد حسب نشرة الأخبار.

وسط هذه الجعجعة من الحالة وحيث المجاورة بين الأضداد يبحث الفنان التشكيلي أحمد عكو عن صوته الإبداعي لا كنوع من التلامس مع ثقافة التداول، فهو ينطلق من رؤية تعتمد الاشتباك العميق بين جدولة المحاولات التي تحرّض المتلقي على التفكير والتأمل وبين الواقع بإضافاته الدينامية والمتفاعلة ضمن قوى هي التي تشكل بؤرة الحراك الجدلي في مجمل مكونات خطابه الفني الجمالي.

إذا أردنا اصطياد اللحظات المحتدمة في عمله علينا الإلحاح في تحديد شبكة العلاقات الفنية بين مفرداته، والتي بها ندرك طريقة نسجه لتلك الشبكة وبالتالي الوقوف على الكيان الذي أنتجه عكو، فهو ينتقل بين أصوات كثيرة في غير نظام متسق ولا ترتيب، نظام فيه الطابع التجريبي الذي يمزج بقليل من عبثية الامتهان وإن بحرارة متفاوتة.

وإذا كان أحمد عكو يسترد وعيه المحمول على الهواجس عبر مرآة الذات فإنه بذلك يحضر صرخات مشاهده وعذابات ما يتراءى من ازدحام حين يحاول تجاوز المألوف كتوطئة من أجل جر العصب الحساس للتقنية التي بها يواجه مشاهده ويختزل الزمن وعودته في ذلك الاستبصار كمظهر للوعي التاريخي بالوجود مع تقبل أهمية التقنيات التي يلجأ إليها.

عُرفت عن هذا الفنان السوري الرغبة الدائمة في الاكتشاف والبحث الدؤوب عن الصيغ الموازية للحالة المتاحة في تلاوة الحكايات الجمالية اللافتة والتي ستغدو على نحو دائم خلقا لمشاهد بصرية تنتمي إلى محاكاة الفنان الإيقاعية بما يلائم إبداعه.

إن أحمد عكو يفصّل لنا جوانب كثيرة من تجلياته التي هي بمنزلة أنموذج لآماله الكثيرة التي يشدّد فيها على جوانب مهمة من تبايناته النسبية في إطار من منظومة قيمية جمالية.

يذكر أن الفنان التشكيلي أحمد عكو من مواليد عامودا 1955، يحمل إجازة في الآداب من جامعة دمشق 1976، درس الفن دراسة ذاتية. في رصيد الفنان عدد من المعارض الفردية ومشاركات في معارض جماعية محلية وعربية وأعماله مقتناه داخل سوريا وخارجها. ويعرف الفنان بعيدا عن اشتغاله في الفن التشكيلي بأنه يكتب الشعر والقصة القصيرة والنقد التشكيلي وهو متفرغ للعمل في مجال الدعاية والإعلان.

صورة

14