السودان يخوض معركة ضبط ميزانية 2022 لمواجهة انفلات الأزمات

مخاوف من أن تلجأ الحكومة إلى فرضيات غير واقعية تفاقم معاناة المواطنين.
الثلاثاء 2021/09/28
الطبقة الفقيرة في صراع من أجل البقاء

تخوض الحكومة السودانية معركة شاقة لضبط ميزانية 2022 في ظل مرحلة مفصلية تمر بها البلاد علي الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، لتخطي العديد من العقبات قبل إحداث التوازن بين سياسات الإصلاح ومعالجة آثارها على السكان، خاصة بعد الدفعة الكبيرة التي تلقتها السلطات من المانحين الدوليين.

الخرطوم - اشتدت المناقشات في السودان حول طبيعة الميزانية الجديدة التي من المتوقع أن تتم المصادقة عليها قبل نهاية العام الجاري بعد أن أصدرت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي منشورا حول المقترحات والفرضيات التي ستمهد الطريق لاعتمادها.

وتحاول الحكومة الانتقالية عبر ميزانية 2022 تجاوز مخلفات العقوبات الأميركية التي عرقلت جهود البلد في تحقيق التنمية، إضافة إلى شح الموارد في وقت تواصل فيه السلطات مساعي استقطاب استثمارات أجنبية جديدة إلى البلاد الغنية بالمعادن والثروات الطبيعية.

ويتخوف المحللون والأوساط الاقتصادية والمالية السودانية من أن تلجأ السلطات أثناء اعتماد الميزانية إلى فرضيات غير واقعية بالنظر إلى مجموعة من المؤشرات السلبية التي تخنق مجمل النشاط الاقتصادي للبلد المتعطش إلى النمو بعد سنوات من الشلل.

وزارة المالية: خفض الفقر وزيادة الدخل وتحقيق التوازن المالي أهم الأهداف

ويقول عبدالله إبراهيم علي إسماعيل الوكيل الأول لوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي إن الميزانية الجديدة سوف تضمن خفض الفقر وزيادة الدخل وتوجيه كافة القطاعات الاقتصادية والإنتاجية إلى انتهاج إدارة فاعلة لتحقيق التوازن المالي وتعزيز التحول الاقتصادي من أجل النمو والازدهار الشامل.

ويعاني السودانيون من وقع الأزمات الاقتصادية التي انعكست على حياتهم نظرا لتردي أوضاعهم المعيشية ووقوع الآلاف منهم تحت خط الفقر في ظل انعدام الرؤية وضبابية الإصلاحات.

ويرزح السودان، الذي يواجه أزمة اقتصادية أثارت احتجاجات واسعة، تحت دين يتوقع أن يصل إلى 56 مليار دولار بحلول نهاية العام الجاري، بينما يواجه المواطنون أزمات متجددة في المحروقات والخبز، فضلا عن غلاء المعيشة والتدهور المستمر في العملة المحلية.

وشكل الدعم السخي للوقود والخبز طيلة سنوات ضغطا كبيرا على الخزانة العامة الفارغة وتسبب في مشكلات في العرض والتوزيع وشجع السوق السوداء وذكّى الأزمات الاقتصادية.

ونسبت وكالة الأنباء السودانية الرسمية إلى إسماعيل قوله إن “الميزانية ستكون ثمار مخرجات إعادة الاندماج في الاقتصاد العالمي بفضل التحرك السياسي والدبلوماسي الإيجابي في الفترة الأخيرة”.

وأشار إلى أن الضوابط العامة لتقديرات الإيرادات العامة تتضمن الضوابط الخاصة بالإنفاق العام وأهمها إعداد مقترح تقديرات الإيرادات الضريبية والإيرادات الأخرى وفق مؤشرات الإطار الاقتصادي الكلي للعام المقبل واستنباط مصادر دخل حقيقية جديدة لزيادة الموارد بما يواكب تطلعات السودانيين.

وأفضت تحركات الخرطوم إلى استعادة المعاملات المالية مع العالم ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتسوية المتأخرات المستحقة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبنك الأفريقي للتنمية.

وإلى جانب ذلك تم الوصول إلى نقطة اتخاذ القرار بالتقدم المحرز في ملف إعفاء الديون في إطار مبادرة الهيبك وما يترتب على ذلك من آثار إيجابية على مجمل الأوضاع الاقتصادية.

الدعم السخي للوقود والخبز شكل ضغطا كبيرا على الخزانة العامة وذكّى الأزمات الاقتصادية
الدعم السخي للوقود والخبز شكل ضغطا كبيرا على الخزانة العامة وذكّى الأزمات الاقتصادية

وفي حين لم تكشف وزارة المالية عن أية أرقام حول الميزانية الجديدة كونها لا تزال في طور النقاش، إلا أن الخبراء يتوقعون أنها ستتضمن نفقات أقل بسبب ضغوط صندوق النقد الدولي لتقليص الدعم والنفقات التشغيلية التي تلتهم جزءا كبيرا من المخصصات السنوية.

ويبدو أن السودان سيجد نفسه في موقف صعب لتحقيق الأهداف بالنظر إلى ما تعنيه المؤشرات هذا العام حيث تستهدف الحكومة في موازنة 2021 معدل تضخم بحدود 95 في المئة وتحقيق نسبة نمو قدرها 1.7 في المئة بنهاية العام الجاري، لكن بالنظر إلى الوضع الحالي من المستبعد أن تحقق ذلك الهدف.

وألغى السودان في العام الماضي دعما باهظا لواردات البنزين والديزل مما أدى إلى ارتفاعات حادة في أسعار السلعتين الأساسيتين، وتسبب أيضا في وصول التضخم إلى مستويات قياسية بلغت نحو 400 في المئة.

ويهدف برنامج لدعم الأسر، وُضع تحت إشراف البنك الدولي وبتمويل دولي، إلى تحويل مبالغ نقدية شهرية مباشرة إلى ما يصل إلى 80 في المئة من السكان لمواجهة تداعيات رفع الدعم.

وقال إسماعيل إنه “تم إعداد مقترحات لبرامج دعم الأسر والشرائح الفقيرة وفقاً للأعداد المستهدفة والأسس والضوابط والمعايير التي تضمن عدالة توزيع الدعم المباشر وإعداد مقترحات التأمين الصحي للأسر الفقيرة حسب الأعداد المستهدفة” .

الحكومة الانتقالية تحاول عبر ميزانية 2022 تجاوز مخلفات العقوبات الأميركية التي عرقلت جهود البلد في تحقيق التنمية

ومنذ شروع وزارة المالية في إعداد الميزانية خلال أغسطس الماضي، تعرضت لبعض الانتقادات كونها لا تراعي مسألة الحماية الاجتماعية، كما أن منتقديها يرون أنها قد تزيد من الإضرار بالقدرة الشرائية للسودانيين.

واعترضت اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير، الحاضنة السياسية للحكومة، على قرارات رسمية شملت تحريك الدولار الجمركي وتحرير سعر الجنيه في مقابل سلة العملات الأجنبية الرئيسية.

وأدت سياسة تعويم العملة المحلية في فبراير إلى انخفاض قيمة الجنيه أمام العملة الأميركية، وبينما يبلغ متوسط سعر الدولار في السوق الرسمية حوالي 439 جنيها يصل سعره في السوق السوداء إلى 448 جنيها.

وكانت الحكومة قد وضعت برنامجا محليا للإصلاحات يهدف إلى استقرار الاقتصاد وإزالة التشوهات وتحسين القدرة التنافسية وتعزيز الحوكمة، ويحقق في النهاية الحصول على تأشيرة تخفيف عبء الديون.

وتقضي خطة الإصلاح بإلغاء دعم الوقود والمحروقات لإفساح المجال للمزيد من الإنفاق الاجتماعي وتوسيع القاعدة الضريبية من خلال ترشيد الإعفاءات الضريبية.

وفي يونيو العام الماضي خرج مؤتمر برلين بتعهدات بتقديم مبلغ 1.8 مليار دولار من أجل دعم الحكومة السودانية وتحفيز اقتصاد البلاد المتراجع وتوفير نقد أجنبي لمنع تدهور أكبر في أسعار الصرف.

ويمثل تخفيف الديون عن السودان أولوية بالنسبة إلى صندوق النقد، كما يعد هذا التحرك إحدى خطوات الدعم الدولي الذي يفترض أن يساهم في معالجة المستويات المرتفعة للبطالة والفقر في بلد شهد سنوات من الاضطرابات.

10