السوداني وجرَّة القلم

إذا أراد السوداني أن يكون استثناء ومصدرا لقرار يمكن للتاريخ الذي سيدون لاحقا أن يتخذه مثالا عليه أن يؤدي المهمات الملقاة على عاتقه في سبيل تحقيق طموحات العراقيين السياسية والاقتصادية والأمنية.
السبت 2023/01/07
تبني تطلعات العراقيين

بعد صراع وخلاف ولعب بالأوراق وخلطها، ونشر أخبار يومية وتصريحات مخدرة وخادعة ومضللة للرأي العام، وتهديدات بالحرب الأهلية تارة، والمسيرات والصواريخ تارة أخرى، وبعد الوقوف لسنة عاجفة كاملة أمام الخطر المفتوح على كل الاحتمالات جراء الاستخفافات المتعمدة بنتائج الانتخابات النيابية والمهل الدستورية والقيم الديمقراطية، وخاصة في ما يتعلق بتقاسم المناصب العليا وتشكيل الحكومة في المهلة المقبولة، وجد العراقيون أنفسهم أمام انقلاب مفاجئ في موازين القوى.

ما كان هذا الانقلاب أن ينجح ويرى النور ويؤدي إلى ولادة قيصرية لحكومة إطارية برئاسة محمد شياع السوداني لولا انسحاب الصدريين من الساحة السياسية والتوقيع على ورقة الاتفاق السياسي من قبل أحزاب الإطار التنسيقي الشيعي والكرد والعرب السنة، وما كان الكرد والعرب السنة يقبلون التوقيع على هذه الورقة والمشاركة في الحكومة لو لم يؤمنوا بضرورات إتاحة فرصة جديدة للبحث عن الحلول بالحوار والتفاهم ونبذ العصبية والتطرف، ولو لم يحصلوا على ضمانات موثقة بتنفيذ مطالبهم القانونية والدستورية خلال مدد محددة.

هؤلاء ساندوا السوداني وتمنوا أن يصبح استثناء في المشهد السياسي العراقي المليء بالعواصف الكارثية، وربما السوداني أيضا تمنى أكثر من ذلك، ولكن الواقع المفروض والتوجهات السياسية المذهبية والمجاميع المسلحة والأجندة الخارجية لم تسمح له حتى الآن بأن يكون استثناء، علما بأن مجيء الاستثناء غير مستحيل في المرحلة العسيرة.

البعض، كما يقال في الإعلام، لا يسمحون لحكومته بتطبيق البرنامج الحكومي المتفق عليه سواء في الأحداث اليومية أو الاستحقاقات الدستورية. والبعض الآخر يحاولون منعه من أن يصبح استثناء، أو أن يصدق أنه يتقلد فعلا منصبا رفيعا في إدارة العراق، ويريدونه أن يقف حائرا ومربكا خلال النقاش بينه وبينهم، وأن ينصاع لهم ويحاول استرضاءهم، وألا يمتلك مواصفات الرئيس الكاملة وأن يقبل بالتجاوز على هيبته وهيبة حكومته وشعبه، وألا يشعر بالقوة أمام نفسه وأمام الآخرين ولا يتحدث برؤية واضحة عن المشكلات الرئيسية التي تواجه العراقيين وعن خطط مواجهتها، وألا يستفيد من إخفاقات ونجاحات قادة وشعوب بعض دول العالم، رغم أن لكل دولة تجربتها الخاصة في حل المشكلات. وألا يطرح الحقائق الأساسية والتفاصيل التي تؤكد على أن كل المشكلات يمكن حلها عندما يفكر القائد بضمير حي ويؤمن بضرورات مكافحة الفساد ونشر المساواة والعدالة بين أفراد المجتمع، ولا يريدونه أن يلتزم بالوعد والعهد.

ولكن إذا أراد السوداني أن يكون استثناء حقيقيا، ومصدرا لقرار يمكن للتاريخ الذي سيدون لاحقا أن يتخذه مثالا، عليه أن يؤدي المهمات الملقاة على عاتقه في سبيل تحقيق طموحات العراقيين السياسية والاقتصادية والأمنية، دون أن يصبح دكتاتورا صارما أو قاسيا أو ظالما يسهم في تحول غضب العراقيين إلى ثورة، وأن يتبنى الخيارات السلمية في التعاطي مع الفاسدين و”الاستثنائيين”، وأصحاب الأجنحة المسلحة الذين يمكنهم ابتكار أساليب جديدة بدفعات متنوعة تفشل جهوده وتمنع تنفيذ المطالب الكردية والسنية، خاصة الفقرات التي تم الاتفاق عليها والتي يمكن تنفيذها بجرة قلم.

8