السلطة تشيع أجواء الخوف لإجهاض مليونية رفض ترشيح بوتفليقة

أحدث تسريب على شبكات التواصل الاجتماعي، نقل محادثة بين مدير حملة مرشح السلطة، عبدالمالك سلال، ورجل الأعمال النافذ في السلطة علي حداد، صدى كبيرا لدى الرأي العام المحلي، نظير تزامنه مع المسيرة الشعبية المليونية، وتعزيزه بتحذيرات أخرى من رئيس الوزراء أحمد أويحيى، أطلقها أمام نواب البرلمان.
الجزائر - فجّرت المحادثة المسربة ليل الأربعاء/الخميس، على شبكات التواصل الاجتماعي، والتي جرت بين مدير حملة المترشح عبدالعزيز بوتفليقة، رئيس وزرائه السابق عبدالمالك سلال، وبين أكبر ذراع مالية للسلطة، رجل الأعمال علي حداد، غضبا شديدا لدى الشارع الجزائري، بسبب تضمّنها عبارات استعمال العنف ضد الرافضين للعهدة الخامسة.
وفيما لا زال مصدر التسريب والغرض منه مبهما، فإن المحادثة التي تم تداولها على نطاق واسع على شبكات التواصل الاجتماعي تتضمن عبارات لإرباك المظاهرة المليونية المنتظرة اليوم الجمعة في العاصمة الجزائرية، وفي مختلف المدن والمحافظات، رفضا لترشيح بوتفليقة لولاية رئاسية جديدة.
وتضمّنت المحادثة التي لا زالت محلّ شكوك بعض الدوائر السياسية، نبرة واضحة لعبدالمالك سلال وعلي حداد، يتبادلان الآراء حول تسيير الحملة الانتخابية لمرشح السلطة، وعلى ضرورة إجهاض المسيرة المليونية، بالعصا والجزرة، حيث وردت مفردات دعوة الناس إلى ولائم الكسكس، وأخرى عن الاستعداد لاستعمال السلاح (المسدس الرشاش)، وتوظيف عناصر الدرك.
وقدّم مراقبون قراءتان للمحادثة المسربة بين الرجلين عشية المسيرة المليونية، تتمثل الأولى في التسريب العمدي من أجل بثّ الرعب والخوف لدى الشارع، من أجل أن يتراجع عن التظاهر ضد العهدة الخامسة، أما الثانية فتتمثل في موقف حقيقي لدى السلطة من أجل الدفع بالوضع إلى الانفلات لتبرير قرارات أمنية مرتقبة، لإعلان حالة طوارئ في العاصمة وربما في عموم البلاد.
الحراك الشعبي في البلاد، شكل صدمة قوية للسلطة، كونها لم تكن تتوقع مثل هذه الهبة الشعبية والوعي الجماعي
وتعززت المقاربة الثانية بالأخبار المتداولة عن تعبئة المصالح المختصة لأعداد من البلطجية، لتفجير أعمال عنف وشغب في البلاد، يسهل للحكومة إطلاق وضعية أمنية استثنائية، تفضي إلى إجهاض الحراك الشعبي، الذي لا زال نشطاؤه يصرون على الطابع السلمي والهادئ، وعدم الانجرار لاستفزازات قوات الأمن، وعلى المضيّ قُدما في المطالب السياسية المرفوعة منذ أسبوعين.
وفي هذا الشأن تم تطويق العاصمة بتعزيزات أمنية بشرية وإمكانيات لوجستية كبيرة، منذ الأربعاء، تحسّبا للمسيرة الشعبية المليونية التي تمت الدعوة إليها على شبكات التواصل الاجتماعي، ولا زالت تحمل طابعا أفقيا، تنخرط فيه جميع التيارات والمرجعيات السياسية والأيديولوجية، وتوحيد المطلب حول رفض ترشيح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ورحيل رموز السلطة القائمة.
وتعزّز الحراك الشعبي في الجزائر، بانخراط فئتي المحامين والصحافيين في المسيرة الشعبية، حيث شهدت الأيام الأخيرة وقفات احتجاجية للمنتسبين إليهما في العاصمة ومختلف محافظات البلاد، كانت آخرها الوقفة التي نظمها الأربعاء، محامو منطقة عنابة في شرق البلاد، على هامش زيارة وزير العدل طيب لوح، والوقفة التي نظمها العشرات من الصحافيين الأربعاء في العاصمة، للمطالبة بتحرير الصحافة من الضغط والتعتيم وتأييد الحراك الشعبي.
وشكّل إعلان العشرات من الشخصيات السياسية، عن التحاقها بالمسيرة المليونية المنتظرة اليوم الجمعة، دعما نوعيا يزيد من تأطير الشارع وضبط الأجندة السياسية.
ويأتي على رأس هؤلاء المناضلة التاريخية والشخصية الرمزية جميلة بوحيرد، ومجموعة الـ29 الذين يتصدرهم رئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور، الوزير والدبلوماسي السابق عبدالعزيز رحابي، المناضل والقيادي في جيش التحرير لخضر بورقعة، فضلا عن عدد من الأساتذة والأكاديميين.
وكان ستة مرشحين مستقلين للانتخابات الرئاسية، قد أعلنوا عن التحاقهم بالمسيرات الشعبية في العاصمة، وأن موقفهم بشأن الاستمرار في السباق من عدمه سيتحدد بعد الجمعة.
وأجمع كل من رشيد نكاز وطاهر ميسوم، وغاني مهدي، في تصريحات صحافية، على أن “الظروف غير ملائمة لإجراء انتخابات شفافة ونزيهة في ظل ترشح بوتفليقة، وأن خيارهم هو خيار الشعب”، في تلميح إلى إمكانية الانسحاب.
وانضم رئيس الوزراء أحمد أويحيى، إلى آلة التخويف والتحذير مما أسماه في البرلمان، الخميس، بـ”مآلات الانزلاق إلى الفوضى والعنف”، وفي رده على انشغالات النواب المتدخلين على هامش عرض بيان السياسة العامة للحكومة قال “في سوريا أيضا بدأت بالورود والقبلات وانتهت إلى ما يعرفه الجميع عن سوريا الآن”.

ويرى مراقبون، بأن الحراك الشعبي في البلاد، شكل صدمة قوية للسلطة، كونها لم تكن تتوقع مثل هذه الهبة الشعبية والوعي الجماعي، وهو ما يتجسد في ردود فعل دوائرها ومؤسساتها المهتمة بإجهاض الغضب الشعبي بأي وسيلة، قبل أن يتحوّل إلى انتفاضة مفتوحة قد يعصف بها من مواقعها.
وحذر أويحيى، في مداخلته أمام النواب، مما أسماه بـ”العودة إلى العشرية السوداء”، ومن المناورات والاستغلال، في إشارة إلى امتداد عدوى رفض ترشح بوتفليقة، لتلاميذ الثانويات والمتوسطات، وحتى أطفال التعليم الابتدائي.
واتجهت أنظار الرأي العام الدولي، إلى تطورات الوضع السياسي والاجتماعي في الجزائر، بعد اندلاع احتجاجات الشارع ضد مخططات السلطة، حيث شهد الموقف الرسمي الفرنسي تعديلا بعد دعوة مسؤول في الخارجية، إلى ضرورة “إجراء انتخابات شفافة ونزيهة في الجزائر”.
وتناقلت مصادر إعلامية في باريس، بأن الرئيس إيمانويل ماكرون، يتصل عدة مرات في اليوم الواحد مع سفير بلاده في الجزائر كزافييه دريانكورت، للاطلاع على الأوضاع، وأنه طلب منه المعاينة الميدانية لحراك الجمعة، ثم الانتقال إلى باريس لنقل المعطيات لوزارة الشؤون الخارجية.
ويأتي ذلك بعد التسريبات السرية التي كشفت عنها مصادر أمنية فرنسية مؤخرا، وبوسم “سري”، تداولت صحف فرنسية، وثائق استخباراتية فرنسية، عما أسمته بـ”تخابر الرئيس السابق هواري بومدين، عن وزير خارجيته (الرئيس الحالي) عبدالعزيز بوتفليقة، وضلوع الأخير في تصفية وجوه من المعارضة السياسية خلال سبعينات القرن الماضي”.
ويشير هذا التعامل الفرنسي الحذر مع الوضع في الجزائر، لاسيما بعد المظاهرات الحاشدة التي شهدتها مدينتي باريس ومرسيليا الأحد الماضي، وينتظر أن تتجدد الأحد المقبل، إلى مراجعة الإليزيه لموقفه، بعدما أبدى في السابق دعمه لترشيح بوتفليقة، وأن المسؤولين الفرنسيين يتابعون الحراك الشعبي في الجزائر عن كثب، تحسبا لأي تداعيات ممكنة.