السلطة تدفع إلى قبضة حديدية مع الحراك الشعبي في الجزائر

ما زالت أحزاب الموالاة في الجزائر مصرة على ترشيح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، رغم الاحتجاجات التي عرفتها البلاد الأيام الماضية، وهو ما يثير توقعات بتأزم الأوضاع على نحو أكبر خلال الأيام القادمة.
الجزائر – تتجه الأوضاع السياسية في الجزائر إلى المزيد من التصعيد، في ظل بوادر الاستقطاب بين الحراك الشعبي وبين دعاة الاستمرارية وترشيح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لولاية خامسة، ففيما نسب إليه أنصاره رسالة تدعو إلى الاستمرار، تواصلت الاحتجاجات الشعبية المناهضة للسلطة في العاصمة وعدد من المدن الجزائرية.
وقابل المئات من سكان مدينة أدرار الجنوبية، الوفد الحكومي والسياسي الذي أشرف على الاحتفالات الرسمية المخلدة لذكرى تأميم المحروقات المصادفة لـ 24 فبراير، باحتجاجات عارمة للتعبير عن رفض خيار الاستمرارية وترشيح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة.
وأظهرت صور وتسجيلات للناشط الحقوقي نذير بوخطة، تجمع المئات من سكان مدينة أدرار قبالة المبنى الذي احتضن الاحتفالات الرسمية، وترديد الشعارات التي تبناها الحراك الشعبي الشامل المناهض للسلطة، والتشديد على الطابع السلمي للمظاهرات والاحتجاجات، والتأكيد على رحيل السلطة، ورفض المناورات الرامية إلى الالتفاف عليه.
وأبرزت مداخلات الوفد الحكومي والسياسي، الذي انتقل إلى المدينة الصحراوية في إطار حملة دعائية مبكرة لترشيح بوتفليقة، تحت يافطة الاحتفالات الرسمية بذكرى تأميم المحروقات عام 1971، تمسك محيط الرئيس بخيار الاستمرارية والذهاب إلى المبتغى بشتى الوسائل، حتى إن كان ذلك يدفع الوضع إلى المزيد من الاحتقان والغضب الشعبي.
سقف المطالب يرتفع تدريجيا من رفض الولاية الخامسة والتنديد بالسلطة، إلى إسقاط النظام ومحاكمة رموزه
وأجمع مدير الحملة الانتخابية عبدالمالك سلال، وأمين عام المركزية النقابية عبدالمجيد سيدي سعيد، فضلا عن وزير الداخلية نورالدين بدوي، على خيار الاستمرارية وترشيح بوتفليقة، رغم موجة الرفض العارم التي تجتاح البلاد منذ الأسبوع الماضي.
وفي رسالة نسبت إلى الرئيس الذي انتقل الأحد إلى جنيف السويسرية لإجراء فحوصات علاجية، حسب رواية بيان الرئاسة، تلاها وزير الداخلية نورالدين بدوي، فإن عبدالعزيز بوتفليقة ماض في خيار الاستمرارية والإصلاحات، الأمر الذي يؤكد عزم قوى الموالاة ورموزها على الذهاب إلى أجندتهم رغم الرسائل السياسية القوية التي أطلقها الشارع في احتجاجات الجمعة الماضية.
وفي الجزائر العاصمة، لبى الآلاف من الجزائريين نداء حركة مواطنة المعارضة للاحتجاج والتظاهر في ساحة موريس أودان والشوارع المحاذية، حيث أعاد هؤلاء ترديد الرسائل والشعارات السياسية التي يتبناها الحراك الشعبي، الداعية إلى رحيل السلطة ومحاسبة المسؤولين عن المرحلة الحالية، منادين بإرساء دولة الحريات والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
وبات سقف المطالب يرتفع تدريجيا من رفض الولاية الخامسة والتنديد بالمحيط المتحكم في السلطة، إلى إسقاط النظام ومحاسبة من يصفونهم بـ”العصابة الحاكمة “. ورغم استعمال قوى الأمن للعنف والغاز المسيل للدموع، إلا أن المحتجين صمموا على الاستمرار في الاحتجاج والتعبير عن رفض السلطة الحاكمة بقيادة الرئيس بوتفليقة.
وصرحت رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي، وعضوة حركة مواطنة المعارضة زبيدة عسول، للصحافيين بأن “حركة مواطنة التي دعت إلى تنظيم هذه الاحتجاجات والمظاهرات، تريد أن توصل رسالة ثانية للسلطة، عبر المطالب المشروعة للأجيال الشابة، لجمهورية ثانية تقوم على الحريات والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والشرعية الشعبية”.

وأضافت “يتوجب على السلطة الآن، أن تدرك أنها لم تعد مقبولة من طرف الجزائريين، وأن أساليب الاستفزاز والالتفاف لا مردود لها مع إرادة الشعب، الذي أبان عن وعي سياسي جماعي فاجأ الجميع في السلطة والمؤسسات، فالرسائل واضحة والمطالب مشروعة، والطابع السلمي والهدوء خير دليل على ذلك”.
واللافت في احتجاجات نهار الأحد الحضور الكثيف للشباب والمرأة الجزائرية، التي أظهرت تفاعلا كبيرا مع حراك الشارع، وعبرت عن انخراطها المطلق في الانتفاضة الشعبية المناهضة للسلطة وللرئيس بوتفليقة.
ويرتقب استمرار الحراك الاحتجاجي في الجزائر خلال الأيام الموالية، حيث يعكف طلبة الجامعات عبر كامل تراب الجمهورية على تنظيم مظاهرات واحتجاجات في الغرض نفسه يوم الثلاثاء القادم، ويليها في اليوم الموالي احتجاج آخر في مدينة ورقلة الجنوبية، فضلا عن دعوات أخرى أطلقت على شبكات التواصل الاجتماعي، لتنظيم احتجاجات أخرى في العاصمة وتنظيم إضراب شامل مطلع شهر مارس القادم.
وبالموازاة مع ذلك، تمكن المترشح المستقل رشيد نكاز -الذي أوقف مساء السبت في العاصمة من طرف قوات الأمن، وحول إلى مسقط رأسه في بلدة عين امران بمحافظة الشلف (200 كلم غربي العاصمة)- من العودة إلى تخوم العاصمة صباح الأحد، واستكمال مسار حملته الجوارية. وحظي نكاز باستقبال شعبي حاشد في مدينة برج امنايل بمحافظة بومرداس شرق العاصمة، ومنع أنصاره والمتعاطفون معه، قوات الأمن من الاقتراب وتوقيفه مجددا، حيث أحيط بسياج بشري خلال تحركه في ساحات وشوارع المدينة، كما تمت مرافقته إلى مدينة تيزي وزو (عاصمة منطقة القبائل)، لاستكمال نشاطه الجواري وجمع وتوقيع استمارات الاكتتاب الرئاسي.
وعرفت باريس ومرسيليا، التي تضم جالية جزائرية معتبرة، وقفات شعبية حاشدة، نهار أمس الأحد، للتعبير عن رفض ترشيح بوتفليقة، والتنديد بالسلطة الحاكمة، وباستفزاز الزمرة المحيطة به.