السلطة الجزائرية تواصل تجاهل تعقيدات الأزمة السياسية

تعيين تكنوقراطي على رأس الحكومة لمعالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.
الجمعة 2021/07/02
السلطة الجزائرية لا تريد الذهاب إلى حكومة سياسية

لا تزال السلطة الجزائرية تتجاهل أسباب تفاقم الأزمة السياسية بالبلاد، حيث حمل اختيار الرئيس عبدالمجيد تبون لشخصية تكنوقراط على رأس حكومة بلاده جملة من الرسائل مفادها الترويج للاهتمام بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية، في خطوة تهدف إلى تجنب الدعوات المنادية بتكوين حكومة سياسية وتكريس مبدأ استقرار السلطة.

الجزائر- فاجأ الرئيس الجزائري الطبقة السياسية، وفي مقدمتها الأحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، بتعيين تكنوقراطي على رأس الحكومة الجديدة، في رسالة تعطي الانطباع بأن أولوية السلطة في الظرف الراهن هي الجبهتان الاقتصادية والاجتماعية، رغم التعقيدات التي تمر بها البلاد منذ أكثر من عامين في المجال السياسي، وتوسع القطيعة بين الشارع والنظام القائم.

وشرع الوزير الأول الجديد أيمن بن عبدالرحمن، منذ الخميس، في مشاورات سياسية مع الطبقة السياسية المتوجة في الانتخابات النيابية الأخيرة، من أجل استكمال تشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب عليها. وهي الخطوة التي تأكد طابعها الشكلي، في ظل توجه السلطة إلى حكومة تكنوقراطية تضطلع بالملفات الاقتصادية والاجتماعية، وتجاهلها للأزمة السياسية ولمطالب الحكومة السياسية التي طالبت بها بعض الأطراف.

ويبدو أن السلطة غير مكترثة بالشرعية الشعبية المفقودة بعد مقاطعة نحو 80 في المئة من الجزائريين للانتخابات النيابية الأخيرة، ولا تريد الذهاب إلى حكومة سياسية لجَسر الهوة السحيقة بينها وبين الشارع، وأن أولويتها تتركز على الملفين الاقتصادي والاجتماعي.

وجاء اختيار الرئيس عبدالمجيد تبون لوزير المالية ومدير بنك الجزائر السابق، الخبير المالي أيمن بن عبدالرحمن، ليكرس استقرار السلطة على مخزونها البشري من الكفاءات والكوادر، ويقطع الطريق أمام أصوات التغيير الداخلي المرفوعة من طرف بعض القوى الحزبية والسياسية الموالية لها.

وبهذا التعيين يكون الرئيس تبون قد حافظ على تقاليد السلطة السائرة في التعاطي مع حلفائها السياسيين، بمنحهم حقائب محدودة ومن وزن الصف الثاني، في ظل توقع أن تحتفظ لنفسها بالحقائب السيادية كالخارجية والداخلية والمالية والعدل.

وينتظر أن يعلن أيمن بن عبدالرحمن عن طاقمه الحكومي خلال الأيام القليلة القادمة، بغية التفرغ الفوري لمعالجة الكثير من الملفات المتراكمة في مختلف المجالات، خاصة في ظل التداعيات التي خلفتها الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا على الاقتصاد المحلي الذي يعاني من حالة اختناق حقيقي.

وتأكد ذلك من خلال الكلمة المقتضبة التي وجهها الرئيس تبون لرئيس الوزراء الجديد، خلال مراسم التعيين، والتي جاء فيها “أنت أهل للمهمة لأن ما ينتظرنا في المستقبل له علاقة بالشأن الاقتصادي والاجتماعي، إذن مالي وأنت على دراية بكل المسائل المالية”

أيمن بن عبدالرحمن: سنعمل جاهدين كرجل واحد لتحقيق الجزائر الجديدة

وقضّى أيمن بن عبدالرحمن مساره المهني في القطاع المالي منذ التحاقه بقطاع الضرائب في مطلع التسعينات، قبل أن يرقى إلى مدير عام البنك المركزي، ثم عين وزيرا للمالية في الحكومة السابقة، وارتبط اسمه بأزمة السيولة التي عاشتها البلاد بحدة خلال الأشهر المالية، أين أبدى ارتباكا وخطابا غير مقنع.

وتواجه الجزائر وضعا ماليا واقتصاديا معقدا، بسبب تراجع مداخيل النفط والإنتاج، وجمود الإنتاج المحلي، وتفشي البطالة خلال السنوات الأخيرة، وتراجع القدرة الشرائية، بما يضع الجبهة الاجتماعية على صفيح ساخن بدأت ملامحه تتجلى في مسلسل مفتوح من الاحتجاجات، كان آخرها أزمة الماء الصالح للشرب المفاجئة والتي شملت بشكل كبير وسط وغرب البلاد.

وفيما كانت الأنظار ومطالب بعض الأحزاب تتوجه إلى حكومة توافق سياسي، لمعالجة الوضع الداخلي المحتقن بسبب إمعان السلطة في تشديد قبضتها الحديدية على فواعل ونشطاء الحراك الشعبي المعارض، جاء تعيين التكنوقراطي أيمن بن عبدالرحمن على رأس الحكومة ليؤكد أن السلطة غير مستعدة للالتفات إلى مطالب امتصاص الغضب السياسي والتهدئة والانفتاح على الطبقة المعارضة.

وتزامن التعيين المذكور مع إصدار قضاء العاصمة قرارا يقضي بإيداع منسق الحركة الديمقراطية الاجتماعية المعارضة فتحي غراس السجن، بعد توقيفه الأربعاء في مسكنه بمدينة قسنطينة، لينضاف بذلك إلى نحو 300 موقوف ومسجون بسبب مواقفهم السياسية المعارضة للسلطة، الأمر الذي يرشح المشهد الجزائري للمزيد من الاحتقان والقطيعة بين السلطة والشارع.  

وكانت حركة مجتمع السلم الإخوانية، الفائزة بـ68 مقعدا نيابيا، قد أعلنت أمس الأول عن عدم مشاركتها في الحكومة، وأنها ستكون في صف المعارضة داخل البرلمان، كما يبدو أن الأحزاب الأخرى غير متحمسة لمرافقة السلطة في منعرجها الجديد، ولو أنها ستكتفي بحصتها المحدودة في الطاقم الحكومي الجديد، والتنازل عن برنامجها من أجل دعم برنامج رئيس الدولة، ليستنسخ من جديد سيناريو الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة الذي فرض برنامجه على برامج الأحزاب الداعمة له طيلة أربعة ولايات رئاسية.  

وفي أول تصريح له قال أيمن بن عبدالرحمن “كلفني السيد رئيس الجمهورية بالإشراف على الحكومة الجديدة من أجل تطبيق فعال للبرنامج النهضوي للسيد رئيس الجمهورية الذي سيسمح للجزائر بالانطلاقة الاقتصادية المنشودة.. سنعمل جاهدين كرجل واحد لتحقيق الجزائر الجديدة”.

ويوحي التصريح بأن الرجل الأول في الحكومة سيعكف على تنفيذ البرنامج الانتخابي الذي وعد به تبون الجزائريين خلال الانتخابات الرئاسية التي أفرزته رئيسا للبلاد في ديسمبر 2019، وهو البرنامج الذي أوجزه في 54 التزاما.

ورغم مرور نحو عام ونصف العام على انتخاب تبون رئيسا للجمهورية لم تقدم إلى حد الآن ولو حصيلة أدبية للفترة المذكورة، كما قدِمت ورحلت حكومة عبدالعزيز جراد ولم تقدم أي تقرير للبرلمان حول حصيلتها، مما عزز الشكوك لدى المعارضة في مدى جدية السلطة في تكريس خطاب التغيير الذي تروج له.

وسيكون رئيس الوزراء الجديد مثقلا بالملفات المتراكمة على مدار السنوات الأخيرة، آخرها أزمة مياه الشرب التي خلفت حالة من الذعر والقلق لدى الشارع الجزائري، وطرحت دور الحكومة في التخطيط والاستشراف وتسيير المخزونات الاستراتجية في مختلف المجالات، لاسيما في ظل تسلسل الأزمات بداية من أزمة السيولة المالية والحرائق والكهرباء وبعض المواد الاستهلاكية ووصولا إلى أزمة المياه، مما يجعل البلاد على حافة صيف ساخن بامتياز.

وكانت آخر الأرقام الاقتصادية صادمة للرأي العام، بعد إعلان إدارة شركة سوناطراك النفطية المملوكة للقطاع العام، الخميس، عن تراجع رقم أعمالها بنحو 40 في المئة، وهو ما يعكس الوضع الحرج الذي يعيشه الاقتصاد الجزائري، باعتبار أن سوناطراك هي الشركة التي تعيل الجزائر بنحو 98 في المئة من مداخيلها. 

4