السلطة الجزائرية أمام تحدي كسر العزوف الشعبي عن الانتخابات القادمة

الجزائر - أعلنت الرئاسة الجزائرية، الخميس، أنّ الانتخابات التشريعية المبكرة ستقام في الـ12 من يونيو القادم، وذلك بعدما كان الرئيس عبدالمجيد تبون حلّ الغرفة الأولى للبرلمان الشهر الماضي.
وتزامن الإعلان عن موعد الانتخابات التشريعية مع تجدد الاحتجاجات في الجمعة 108 من عمر الحراك الشعبي، حيث عاشت العاصمة والعديد من المدن الأخرى مظاهرات ومسيرات شعبية جددت رفضها لمسار السلطة، وعلى رأسها الانتخابات المذكورة وما تسرب عن حوار بين السلطة وبعض رموز الحراك.
وصرح في هذا الشأن الناشط السياسي المعارض سمير بلعربي بأن “الانتخابات التشريعية هي مسعى من السلطة لتجديد نفسها، وترتيب أوراقها بغية الوصول إلى فرض الأمر الواقع، وتجاهل المطالب الأساسية للحراك الشعبي رغم دخولها العام الثالث على التوالي”.
وتتجه السلطة إلى استباق هاجس العزوف الشعبي عبر تدابير جديدة ضمنتها في القانون الجديد للانتخابات، من أجل كسر أي تشويش أو مقاطعة للاستحقاق كما حدث مع الانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر 2019، والاستفتاء على الدستور المنتظم في مطلع نوفمبر الماضي.
ورغم ذلك لم يقتنع جزء من الأحزاب السياسية بجدوى تلك الإجراءات قياسا بما تفرضه من ممارسات مستجدة قد تضعها أمام معوقات جديدة، كما هو الشأن بالنسبة إلى قضية “المناصفة بين الرجل والمرأة وبين العنصر الشبابي وباقي المرشحين في اللوائح الانتخابية”.
وطرحت رئيسة حزب العدل والبيان الموالي للسلطة، نعيمة صالحي، في تسجيل صوتي لها، العديد من العوائق التي يطرحها القانون الجديد، رغم أنه يظهر بأنه يعيد ترتيب أوراق الممارسة السياسية ويجعل الجميع على خط واحد.
وذكرت صالحي أن “رفع العتبة الانتخابية وفرض التوقيعات على جميع الأحزاب والمستقلين يفتحان المجال أمام الجميع”.
واستدركت بالقول “لكن دخول ورقة التمويل سيصنع اختلالات جديدة في المجتمع السياسي، كون توجه السلطة لتمويل حملة الشباب سيصنع التمييز والتفكك داخل لوائح الترشيح”.
غير أنه وأمام إمكانية تحول شرط المناصفة إلى عائق أمام القوى السياسية، وضع القانون الجديد استثناءات يمكن أن تحسم فيها السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات، بعد حصولها على تبريرات من اللائحة المعنية حول عدم تحقيقها لشرط المناصفة، خاصة وأن مؤشرات عديدة توحي إلى غياب الاستعداد الكامل لدى المجتمع لمثل هذا التحول.
وتضمن القانون الجديد للانتخابات العديد من المحفزات لصالح المرأة والشباب من أجل دخول المعترك الانتخابي، حيث تضمن بندا يشترط المناصفة بين العنصرين والتشجيع عبر تمويل الحملات الانتخابية للشباب، وذلك في خطوة لكسر عوامل العزوف والمقاطعة الشعبية للاستحقاقات الانتخابية.
وأكدت الشعارات التي ترددت في المسيرات الشعبية على رفض الذهاب إلى الانتخابات التشريعية المرتقبة، الأمر الذي يعيد سيناريو الانتخابات الرئاسية الأخيرة وتعديل الدستور إلى الأذهان ويضع شرعية المؤسسات التي ستفرزها على المحك مبكرا.

وكان الرئيس تبون قد استقبل وجوها من رموز الطبقة السياسية المحسوبة على النظام السابق، ويتعلق الأمر بكل من الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني أبوالفضل بعجي وفاطمة الزهراء زرواطي رئيسة حزب تجمع أمل الجزائر (تاج) وبلقاسم ساحلي رئيس الحزب الوطني الجمهوري، وهو ما وصفه ناشطون معارضون بـ”عملية الرسكلة السياسية للنظام”.
وبسبب هاجس العزوف والمقاطعة الذي يؤرق السلطة، أولى تبون أهمية قصوى للمجتمع المدني من أجل استقطاب مختلف الطبقات الاجتماعية والفئوية لمسار السلطة وإغرائها بالشراكة مع السلطة، حيث يراهن مستشاره المكلف بملف المجتمع المدني والجالية الجزائرية في الخارج نزيه برمضان على إطلاق خمسة آلاف جمعية ومنظمة وتنظيم أهلي في المدى القريب.
لكن قوى سياسية فاعلة عبرت عن امتعاضها من توجه السلطة لاستخلاف الطبقة الحزبية بالمجتمع المدني، وعن مخاوفها من إمكانية تحويل ما بات يعرف بـ”تكتل نداء الوطن” إلى حزب سياسي للسلطة يستحوذ على مخارج الاستحقاق الانتخابي القادم، في ظل تشابه المناخ الحالي مع المناخ الذي ساد ميلاد حزب التجمع الوطني الديمقراطي في منتصف تسعينات القرن الماضي ليستحوذ على برلمان 1997.
وهو ما جاء في آخر بيان لحركة مجتمع السلم الإخوانية التي عبرت عن خشيتها من تحول “نداء الوطن” إلى “حزب للسلطة وتكرار تجارب سابقة، وهو ما يبقي ممارسات الانحياز والتزوير”، لكن الرئيس تبون كان قد قدم تعهدات للطبقة السياسية بـ”نزاهة وشفافية وتكافؤ الفرص بين الجميع في الاستحقاق القادم”.
وكان المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) يتشكل من 462 عضوا، لكنه ينتظر رفع تعداده إلى أكثر من 500 عضو، قياسا باستحداث عشر ولايات (محافظات) جديدة في التنظيم الجغرافي الجديد للبلاد، يستهدف النهوض بالتنمية والواقع المعيش في ما بات يصطلح عليه في خطاب السلطة بـ”مناطق الظل”.