السلطان هيثم يمهد للإصلاح بنهضة عمانية ثانية

مسقط – حدّد سلطان عمان الجديد هيثم بن طارق في ثاني خطاب له منذ توليه زمام الحكم ببلاده في الحادي عشر من يناير الماضي خلفا لسلفه الراحل قابوس بن سعيد، العناوين الكبرى لبرنامج عمله في بداية فترة حكمه، جاعلا من التأسيس على المنجز المتحقّق طيلة الخمسين سنة الماضية من عمر عُمان الحديثة منطَلقا لإنجاز جملة من الإصلاحات العميقة والشاملة يراها ضرورية لمنح عملية التطوير والتحديث نفسا جديدا.
وقال السلطان هيثم إنّ بلاده على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخها، واعدا بإنجاز تغييرات تطال الإدارة، والاقتصاد، كما تمسّ قطاع التعليم كإحدى أولويات الدولة في عهده.
وبدا سلطان عمان الجديد من خلال منظومة الإصلاحات التي أعلن عنها في خطابه، عازما على وضع بصمته على مسيرة النهضة العمانية مُنطلِقا من خبرته الواسعة في شؤون الدولة التي عمل مطوّلا ضمن جهازها التنفيذي، ورصد عن قرب هناتها وحدّد المواضع الأكثر حاجة إلى الإصلاح والتطوير.
ويعي السلطان هيثم حاجة بلاده، بعد تجاوزها مرحلة تأسيس الدولة الحديثة وإرساء نظمها وتشريعاتها، إلى متنفّس من حرّية الرأي والتعبير وتوسيع المشاركة في عملية صنع القرار وتوجيه السياسات العامة.
ومن هذا المنطلق وعد بتعزيز حرية التعبير والنزاهة والمساءلة، وتكريس القانون والمؤسسات القائمة على رعاية الحريات العامة.
ويرى مراقبون أنّ السلطان هيثم بن طارق الذي يجمع بين شخصية رجل الدولة وشخصية المثقّف، بالإضافة إلى كونه أحد الأعضاء المرموقين في أسرة آل سعيد الحاكمة، بصدد التأسيس لمرحلة عمانية غير مسبوقة من الانفتاح المدروس والمتوازن.
فالرجل الذي يظهر احتراما كبيرا لإرث سلفه وحرصا على الحفاظ على منجزه وتطويره، سيكون متحرّرا من متطلبات مرحلة تأسيس الدولة التي واجهت السلطان قابوس وأملت عليه قدرا كبيرا من مركزة جميع السلطات بيد الشخص القائد للدولة في المقام الأول، وبيد الأسرة الحاكمة في المقام الثاني.
وركّز المتابعون للشأن العماني، في قراءتهم للخطاب السلطاني، على ما ورد فيه من عزم على تحديث الجهاز الإداري للدولة ودراسة آليات صنع القرار الحكومي وتطويرها.
واعتبر هؤلاء أنّ السلطان هيثم يضع بذلك يده بجرأة وواقعية على إحدى أبرز الهنات التي بدأت تثقل كاهل الدولة العمانية التي تعاني منذ سنوات من وجود جهاز إداري استكان المسؤولون فيه، على مختلف درجاتهم ومراتبهم، لدور الموظّف وافتقروا إلى روح الإبداع والمبادرة، مستندين إلى الدور المحوري الذي كان يضطلع به السلطان الراحل قابوس بن سعيد وحضوره القوي والمباشر في كلّ مفاصل الدولة ومواقع صنع قرارها.
وشدّد السلطان هيثم على تبني نظم وسياسات عمل جديدة تمنح الحكومة المرونة اللاّزمة والقدرة على تحقيق الاستفادة من الخبرات والكفاءات الوطنية.
ولم يستثن السلطان هيثم في خطابه الإشارة إلى حاجة الاقتصاد العماني إلى دماء جديدة بإجراء مراجعة لأعمال الشركات الحكومية لرفع كفاءتها وزيادة مساهمتها في المنظومة الاقتصادية. ووصف السلطان هيثم الشباب في خطابه بأنهم “ثروة الأمم وحاضر الأمّة ومستقبلها”، مضيفا “سوف نحرص على الاستماع لهم وتلمس تطلعاتهم”.
ووعد في خطابه بمراجعة نظم التوظيف في القطاع الحكومي، وتبني سياسات جديدة لدعم الحكومة للاستفادة من الموارد البشرية واستيعاب أكبر قدر من الشباب. وقال إنّه سيحرص على توجيه الموارد المالية للدولة التوجيه الأمثل بما يضمن خفض المديونية وزيادة الدخل.
ويقول المختصّون بشؤون الاقتصاد، إنّ اللحظة الراهنة مناسبة لإدخال إصلاحات عميقة على الاقتصاد العماني الذي أظهر خلال السنوات الماضية نوعا من الهشاشة تجلّت بالخصوص في تأثره بتقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية، ما يحتّم الحاجة إلى تنويع موارده والتقليل من اعتماده على النفط، وخصوصا أن السلطنة تمتلك المقومات اللاّزمة لذلك ومن ضمنها موقعها الجغرافي وبناها التحتية المناسبة لتنشيط الحركة التجارية فضلا عن امتلاكها مقوّمات قطاع سياحي قوي.
وارتفعت نسبة الدين العماني، المصنف بأنه عالي المخاطر من جميع وكالات التصنيف الائتماني الرئيسية الثلاث، إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى قرابة 60 في المئة العام الماضي من حوالي 15 في المئة عام 2015، وربما تصل إلى 70 في المئة بحلول 2022 بحسب ستاندرد آند بورز غلوبال.
وأجّلت السلطنة فرض ضريبة قيمة مضافة بنسبة 5 في المئة من عام 2019 إلى 2021. كما كان التنويع الاقتصادي بطيئا إذ مثل النفط والغاز أكثر من 70 في المئة من إيرادات الحكومة.
وقالت وكالة التصنيف فيتش الأسبوع الماضي إن السلطنة كانت تضع ميزانية لعجز أعلى يبلغ 8.7 في المئة لعام 2020 رغم توقعها للمزيد من عائدات بيع الأصول وبعض التخفيضات في الإنفاق.
وفي أوقات الأزمات الاقتصادية العالمية انعكست حالة الاقتصاد العماني ومحدودية قدرته على خلق مناصب الشغل على الحالة الاجتماعية للعمانيين الذين تمثل شريحة الشباب النسبة الأكبر من بينهم، حيث شهدت السلطنة أوائل العشرية الجارية تململا اجتماعيا محدودا للمطالبة بالوظائف.