السلطات العراقية تفتح ساحة التحرير مهد "انتفاضة تشرين"

بغداد - فتحت السلطات في العراق، السبت، ساحة التحرير وجسر الجمهورية أمام حركة المركبات بعد إغلاق دام أكثر من عام إثر “انتفاضة تشرين” التي خرج خلالها العراقيون في مظاهرات كبيرة للمطالبة باجراء إصلاحات سياسية وحلول اقتصادية.
وخلت الساحة المتواجدة في وسط العاصمة بغداد من خيامها، وأزيلت صور شهداء “انتفاضة تشرين”، فيما رجع المتظاهرون إلى بيوتهم مع إعادة السلطات فتح الموقع المغلق أمام حركة السير.
وفي الساحة كما على مواقع التواصل الاجتماعي، سادت حالة من الحزن والصدمة على خلفية فتحها، حيث تحولت إلى موقع رمزي للانتفاضة التي انطلقت قبل عام. ورفض شباب جالسون في الموقع التحدث إلى وسائل الإعلام وسط انتشار كثيف لقوات الأمن.
وكتب أحد المغردين على تويتر “ما ترفعه الجرافة ليست أنقاضا… بل تاريخ شعب وقصص ضحايا كُتبت قبل عام في #تشرين… وما زالت تكتب”.
وشكل جسر الجمهورية وساحة التحرير مركزاً للتظاهرات التي انطلقت في 25 أكتوبر من العام الماضي ضد الفساد وللمطالبة بتوفير فرص عمل للشباب وتأمين خدمات عامة وضمان إجراء انتخابات شفافة في هذا البلد الذي يخضع لتجاذبات نفوذ واشنطن وطهران.
وباتت ساحة التحرير رمزا لانتفاضة العراقيين ضد الفساد، حيث أصبحت تحمل تعبيرات فنية ومجسمات ومنحوتات عن الثورة والحرية والانتماء للوطن، ورسوم الغرافيتي التي تعبر عن مطالب دفعت العراقيين للنزول إلى الشوارع.
كما تحولت الساحة إلى مركز فني مصغر يجتمع فيه الفنانون في خيم مخصصة للمسرح والسينما والرسم تجمع العراقيين بمختلف انتماءاتهم.
وتعد إعادة فتح هاتين المنطقتين مؤشرا على نهاية “انتفاضة تشرين” التي فقدت زخمها تدريجياً منذ بداية العام وسط أزمة كورونا وبفعل التوتر بين واشنطن وطهران على الأراضي العراقية.
ولكن الناشط في الحركة الاحتجاجية كمال جبار رأى أن “إخلاء الساحات لا يعني انتهاء الانتفاضة، لكن يعني أن الثوار خسروا معركة فقط، والانتفاضة مستمرة، وعلينا أن ننظم أنفسنا في إطار تنظيمات سياسية”.
وشكل جسر الجمهورية الذي يربط ساحة التحرير مباشرة بالمنطقة الخضراء حيث مقر الحكومة والبرلمان والسفارة الأميركية، رمزا للعنف الذي أدى إلى مقتل نحو 600 متظاهر وإصابة 30 ألفاً بجروح في كافة أنحاء العراق.
وبالرغم من أنها لم تحقق كل أهدافها، إلا أن “انتفاضة تشرين” نجحت في الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي الذي خلفه رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي الذي يواجه الآن ضغوطا متصاعدة من أجل الإيفاء بتعهداته لوضع حد للفساد وتحسين جودة الخدمات.
وعلّق الكاظمي في تغريدة على عملية فتح الساحة قائلاً “شبابنا في ساحة التحرير ضربوا أروع الأمثلة الوطنية طوال عام كامل، اليوم يؤكدون شموخهم الوطني بإبداء أقصى درجات التعاون، لفتح الساحة أمام حركة السير وإعادة الحياة الطبيعية”.
وأضاف أن “الانتخابات الحرة النزيهة هي موعد التغيير القادم الذي بدأه الشباب بصدورهم العارية قبل عام”.
وتولى مصطفى الكاظمي في مايو الماضي رئاسة الحكومة في العراق بعد أشهر من أزمة سياسية، متعهداً بتضمين مطالب المحتجين في خطط حكومته وإجراء انتخابات مبكرة وإخراج البلاد من الأزمة السياسية والاقتصادية. لكن رغم تأكيده العمل على إعادة الحياة إلى مسارها الطبيعي، لم يطلق بعد الإصلاحات التي طالب بها المتظاهرون.
وتعهد الكاظمي بإجراء انتخابات مبكرة في يونيو، لكن العديد من السياسيين يرون أن تحقيق ذلك في هذه المهلة أمر شديد الصعوبة لاسيما بسبب عراقيل تقنية.
وتثير الإصلاحات المقترحة أيضاً جدلاً واسعاً في البرلمان الموالي بغالبيته لإيران والذي يزداد عداؤه تدريجياً تجاه الكاظمي.
وحظيت الحركة الاحتجاجية قبل عام بدعم شعبي واسع.
لكن الحجر الصحي وتراجع أسعار النفط العالمية تسببا في إغراق العراق في أزمة اقتصادية خانقة غير مسبوقة في تاريخه، مع تضاعف معدل الفقر ليبلغ 40 في المئة.
وفي هذا السياق، ارتفعت أصوات عديدة مطالبة بفتح ساحة التحرير وجسر الجمهورية لتسهيل حركة السير في العاصمة التي يبلغ عدد سكانها عشرة ملايين نسمة، وإحياء الحركة التجارية من جديد في بغداد.
وقرر المتظاهرون في ساحة التحرير الانسحاب، الإثنين الماضي، وذلك بعد يوم من إحيائهم الذكرى السنوية الأولى لانطلاق التظاهرات، بعد دعوات من ناشطين إلى إنهاء الاعتصام لتجنّب أعمال عنف قد تستهدفهم والقوات الأمنية من قبل مندسين.