جيهان الهندي لـ"العرب": حولت اضطراب ثنائي القطب من معاناة يومية إلى أعمال فنية

الفن التشكيلي لا يختلف عن بقية الفنون ويحظى باهتمام بالغ ضمن رؤية السعودية 2030.
الجمعة 2024/09/20
المرأة حاضرة بهوياتها المتنوعة

تتعامل الفنانة السعودية جيهان الهندي مع إصابة زوجها باضطراب ثنائي القطب بشكل مختلف، حيث اتخذت منها حافزا للرسم وللتعريف بأعمالها وبخطورة هذا المرض، محاولة الجمع بين تجربتها الذاتية وتجارب أشهر الفنانين العالميين، ومستفيدة من حركة الفن المزدهرة في المملكة.

جيهان عبدالله الهندي كاتبة وفنانة تشكيلية سعودية حاصلة على بكالوريوس إدارة أعمال، وحصدت خلال مسيرتها المهنية جوائز محلية وعربية وعالمية. استطاعت هذه الفنانة أن تتحدى الصعاب وتحول معاناتها اليومية إلى أعمال فنية تقتبس بعضها من أعمال أشهر الفنانين العالميين. جمعنا بها حوار، تحدثت فيه عن ملامح تجربتها وما يميزها إلى جانب تقييمها لحركة الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية.

عن كيفية ترجمة مشاعرها وأفكارها في لوحاتها الفنية، قالت الفنانة لـ”العرب”: “كانت بدايتي الفنية منذ أكثر من 30 عاما لكن على مستوى المعارض المدرسية وإدارة التعليم فقط، أما انطلاقتي الفنية فبدأت على الصعيد الداخلي والخارجي بعد أن قمت بتأليف كتاب “بين قطبين” في فترة الحجر الصحي جراء جائحة كورونا، خطرت لي فكرة ترجمة أحداث الكتاب في لوحات فنية وخاصة أن الكتاب يحكي قصة حياتي الشخصية مع زوجي المشخص بالاضطراب ثنائي القطب فكنت أرسم كل لوحة وكأني أعيش مشاعر تلك اللحظات والأيام بكل تفاصيلها”.

وأوضحت أن “هذه المشاعر التي رسمت بها اللوحات كان لها تأثير على كل زوار المعرض. وفي النهاية وجدت نفسي قد رسمت سلسلة كاملة من الأحداث بلغت 150 لوحة”. وأضافت “بعد اختيار الفكرة التي أود طرحها والتفكير الطويل بيني وبين نفسي كيف يمكن أن أجسدها على المحمل، أبدأ باختيار المجموعة اللونية التي ستبرز فكرتي بالشكل المناسب الذي أرجوه. لكنني عادة أحب الألوان التي تشعرني بالسعادة والأمل والفرح”.

أما عن اللون المفضل لها ومدى هيمنته على لون آخر ضمن أعمالها، فقالت الفنانة لـ”العرب”: “حقيقة أنا أحب الألوان كلها لكني أعشق الأحمر والبرتقالي والأصفر، يمكن أن تثير المشاعر الإيجابية، مثل السعادة والتفاؤل والطاقة، في حين يمكن أن تثير الألوان الباردة مثل الأزرق والأخضر والأرجواني، مشاعر الهدوء والاسترخاء. أما الألوان المحايدة، مثل الأبيض والأسود والرمادي، فيمكن أن تثير المشاعر المتوازنة، مثل الهدوء والانسجام والاتزان. فجميع الألوان تشعرني بالسعادة”.

◙ مجموعتي "بايبولار" تتكون من 150 لوحة فنية كانت خلفيتها أشهر لوحات فان غوخ مثل "زهرة دوار الشمس"
◙ مجموعتي "بايبولار" تتكون من 150 لوحة فنية كانت خلفيتها أشهر لوحات فان غوخ مثل "زهرة دوار الشمس"

ورأت الفنانة السعودية أن مشاركتها في المعارض الفنية التي تشهدها الحركة الفنية التشكيلية في جميع مناطق المملكة التي تشهد تحركا فنيا واسعا وتجمع الكثير من الفنانين التشكيليين، سواء الرواد أو المبتدئون، والمتذوقين والنقاد وكل محبي الفن والزوار تمنحها فرصة اكتساب الخبرات، فهي ترى أن “هذا التنوع يكسب الفنان خبرات متنوعة والاستفادة من آراء النقاد في التحسين والتطوير واكتساب معارف جديدة، وهو ما يساهم في الارتقاء بالمشهد الفني التشكيلي، وهذا يتناسب مع رؤية 2030 وتوجه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان باعتبار الفنون البصرية بكل أنواعها أحد روافد القوى الناعمة للمملكة”.

وكشفت الرسامة أن “جميع معارضي الشخصية كانت أفكارها نابعة من أحداث ومعاناة شخصية عشت تفاصيلها لحظة بلحظة فكانت الفكرة تأتي من خلال موقف عشته فأجسد هذه الفكرة في لوحة، أما بالنسبة إلى المعارض الأخرى التي أشارك فيها حسب المناسبة والحدث فأختلي بنفسي وأبحث وأقرأ، وعندي مخزون عال من الصور أتفحصها وأتأمل فيها حتى تتبلور الفكرة في رأسي”.

ولما سألناها عن تأثير رؤية 2030 على الفنون التشكيلية في السعودية قالت “أشارت رؤية 2030 إلى أهمية دعم قطاع الثقافة والفنون وذلك بتوفير سبل رعاية الفعاليات والمعارض والملتقيات الفنية لتطوير جودة حياة المواطنين والمقيمين، والفن التشكيلي لا يختلف عن بقية مجالات الثقافة والفنون فقد حظي باهتمام بالغ من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فالتغيير قادم والتطلعات كبيرة وسيكون للفن التشكيلي مستقبل زاهر بحول الله كإحدى القوى الناعمة في تحقيق رؤية المملكة”.

وفي استفسارنا عن المدرسة التشكيلية التي تنتمي إليها جيهان الهندي قالت الفنانة “حقيقة أنا أحب كل مدارس الفن ولي العديد من اللوحات الفنية لمدارس فنية مختلفة، ولكنني ولله الحمد أصبح لي أسلوبي الخاص في الرسم وتميزت به بشكل متفرد وهو أسلوب فن السرد القصصي، فكل من يتأمل لوحاتي يجد فيها قصة وقيمة وعبرة ورسالة نابعة من كتلة من المشاعر والأحاسيس وأسلوبا فنيا عميقا يخاطب النفس البشرية، وهذا هو دور الفن من وجهة نظري؛ مخاطبة العالم بلغة يفهمها الجميع”.

وتجتهد الرسامة لإثراء المشهد الفني السعودي، مانحة المرأة حضورا كبيرا في أعمالها، وقالت عن ذلك “كل من يتأمل لوحاتي يجدها لا تكاد تخلو من وجود المرأة سواء كانت الأم أو الزوجة أو الأخت أو البنت، وهي حاضرة بصورة قوية، شامخة ومتحدية، وبالنسبة إلي المرأة هي شريان الحياة؛ دونها ستتوقف الحياة وتنتهي، وكلما كانت المرأة قوية أنجبت جيلا قويا مبدعا ومتفردا”.

◙ الرسامة جيهان الهندي تجتهد لإثراء المشهد الفني السعودي مانحة المرأة حضورا كبيرا في أعمالها

وتذكرت الفنانة “الظروف القاسية التي مررت بها في مقتبل زواجي، وتحديدا معركتي في الحياة، معركتي في الانتصار على البايبولار القاتل (اضطراب ثنائي القطب)، معركتي في الحصول على أربع جوائز تميز ولله الحمد بالرغم من الظروف القاسية التي كنت أعيشها، فالحياة هي تحديات مستمرة ونحن دوما نحتاج إلى المرأة القوية التي تكون نموذجا مشرقا للأجيال”.

أما عن تأثرها بفنانين خلال مسيرتها الفنية فقالت “كل فنان يجب أن يمر على كل المدارس الفنية وكل الفنانين العالميين والرواد خلال مسيرته الفنية حتى تكون له مدرسته الخاصة به وأسلوبه الذي يتفرد به عن غيره من الفنانين وتصبح له بصمة تظهر في لوحاته ويعرفها الجميع حتى من دون ملاحظة توقيعه على اللوحة. وفي مجموعتي ‘بايبولار’ التي تتكون من 150 لوحة فنية كانت خلفية لوحاتي أشهر لوحات فان غوخ  ‘ليلة النجوم’ و’حقول القمح’ و’المقهى الليلي’ و’زهرة دوار الشمس’، كتعبير عن عالم بايبولار حيث أن الفنان فان غوخ كان مريضا بالمرض النفسي ذاته الذي يعاني منه زوجي وهو البايبولار”.

في الوسط التشكيلي يرى البعض أن تذوق الفن متاح للجميع في حين يرى البعض الآخر أنه أمر يتطلب متلقيا متخصصا، وفي هذا السياق قالت جيهان الهندي “من وجهة نظري الفن يؤثر على المجتمع من خلال تغيير الآراء وغرس القيم وترجمة الخبرات عبر المكان والزمان. ويعتبر الرسم والنحت والموسيقى والأدب والفنون الأخرى مستودعا للذاكرة الجماعية للمجتمع يعزز التواصل بين الثقافات، فهو وسيلة فعالة لتوحيد الأفراد وتحصينهم من الثقافات المتناقضة وتحسين فهمهم والتواصل مع بعضهم البعض”.

وأضافت أن “تذوق الفن التشكيلي ليست له صلة بالفهم والفعل، لأنه ليس مقالة مباشرة، وهو إحساس يتم استقباله عن طريق الوجدان والإحساس وعلى المتذوق ألا يتساءل عن معنى العمل الفني لأنه يحمل معاني متعددة متداخلة ودلالات كثيرة تتضافر كلها لتعطي إحساسا يتواصل به الفنان مع الآخر ويساهم في خلق شعور بالهوية والانتماء وتعزيز الإبداع والابتكار، ومشاركة الحقائق القوية حول المجتمع، وتوفير الترفيه والمتعة للمجتمعات، والحفاظ على التراث الثقافي”.

فنانة متمرسة

 

14