السعودية تحاول الإمساك بالعصا من المنتصف في أزمة السودان

الرياض - تتعاطى المملكة العربية السعودية بحذر شديد مع التطورات الجارية في السودان، بعد قيام الجيش بإزاحة المدنيين عن السلطة الانتقالية، وأمر بحل الحكومة ومجلس السيادة.
وتقول أوساط سعودية إن الرياض تدرك حساسية الموقف في السودان، وليست ممن يرغب بأن يقرر للآخرين نوع أنظمتهم. ولأنها تقف بالفعل إلى جانب السودانيين، بصرف النظر عمن جاء وعمن ذهب. ومن الطبيعي ألا تتخذ موقفا مسبقا.
وانحصرت تصريحات المسؤولين في المملكة في الدعوة إلى ضبط النفس والتهدئة، وعدم الانجرار إلى لغة التصعيد، ويبدو أن موقف الرياض لم يرق للإدارة الديمقراطية في واشنطن، التي كانت على ما يبدو تنتظر من الرياض ما هو أبعد من ذلك.
وحرص وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على التواصل مباشرة مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان عقب الانقلاب الذي جرى.
وكان الاتصال الأول الذي يجريه المسؤول الأميركي مع أي من نظرائه بالخارج بشأن الأزمة السودانية. ويعتقد أن ذلك دفع الرياض إلى مغادرة المنطقة الرمادية والدعوة إلى الحوار بين طرفي الأزمة من جديد.
وتذهب تقديرات للخارجية الأميركية، أن السعودية أحيطت علما بتحركات الجيش السوداني قبل وقوعها، وأنه اتخذ منها موقفا تم فهمه على الجانب الآخر على أنه رضا. إلا أن ذلك يبقى أمرا قابلا للاجتهاد.
ولم يُجر بلينكن اتصالات مرتين بشأن السودان، إلا مع نظيره السعودي. وقال بلينكن في تغريدة على تويتر، “تحدثت مع وزير الخارجية السعودي حول الرد على الانقلاب العسكري في السودان، بالإضافة إلى قضايا ثنائية مهمة أخرى، بما في ذلك حقوق الإنسان”. وزاد بيان للخارجية الأميركية في تقديم الإيضاحات بالقول إن الوزيرين “عبرا عن إدانتهما لاستيلاء الجيش على السلطة في السودان، وتأثيره على استقرار البلاد والمنطقة”.

وأوحى موقف الخارجية الأميركية بأن السعودية بدأت مع الانقلاب ثم انتهت ضده. ولكن هذا الإيحاء يظل أمرا قابلا هو الآخر للاجتهاد، لأن ما قاله بيان الخارجية الأميركية، بقي على لسانها وحدها.
وحملت الصورة التي نشرتها القوات المسلحة السودانية خلال استقبال البرهان للمبعوث الأممي للسودان فولكر بيترس دلالات عميقة، حيث ظهر البرهان وهو يرفع قدمه اليسرى ليكون حذاؤه في مواجهة المسؤول الدولي وهو من المحرمات في التقاليد العربية، ما عكس استخفافا تاما بالأمم المتحدة.
في المقابل فإن الصورة التي نُشرت للبرهان وهو يستقبل السفير السعودي في الخرطوم علي حسن بن جعفر، أظهرته جالسا جلسته الاعتيادية، قدماه على الأرض واضعا يديه على ركبتيه. وهي الجلسة المألوفة في الاستقبالات الرسمية.
وأكد السفير السعودي خلال اللقاء على “حرص بلاده على تحقيق الاستقرار بالسودان، ودعمها لكل ما يؤدي إلى تحقيق الوفاق بين القوى السياسية”.
وعلى الرغم من أن المصادر الرسمية السعودية، لم تذكر شيئا عن وجود وساطة بين طرفي الأزمة، فإن مسارعة الرياض لفتح باب البحث عن “وفاق بين القوى السياسية”، يشير على الأقل إلى أن السعودية لا تريد أن تبدو وكأنها تقف مع طرف ضد آخر في السودان، وأنها مستعدة للعب دور يجمع بين البرهان وحمدوك، يفترض أن يُسفر عن عودة الحكومة المدنية إلى العمل.
ومع اشتداد الضغوط الخارجية، وتصاعد الاحتجاجات وأعمال العصيان المدني التي تشارك فيها قطاعات مهنية واسعة، فهناك خشية من أن “يسبق السيف العذل” على مبادرة الوساطة السعودية، بحيث يرفض المحتجون أن يبقى للجيش بقيادة البرهان أي دور في العملية الانتقالية، لأن الثقة به باتت معدومة بالكامل.
ويخشى من أن تجد السعودية التي تواجه تهما من قبل البعض بالوقوف مع الانقلاب في موقف دفاعي إذا تغلبت الاحتجاجات على سلطة الجيش. كما أنها سوف تكون موضع اتهام من جانب الولايات المتحدة إذا تمسك البرهان بالسلطة وظل يرفع قدمه في وجه المبعوثين الدوليين.
وفي الحالتين معا، تبدو الخارجية الأميركية مطمئنة، حتى الآن على الأقل، من أن السعودية لن تدعم سلطة البرهان بالمساعدات. وهو ما يزيد من عزلتها، ويعزز موقف القوى المدنية في البلاد التي تدعو إلى إبعاد العسكريين عن السياسة ليتفرغوا لشؤونهم الخاصة.