السعادة، الجمال والشباب.. خطوط متقاطعة في مفهوم الجاذبية الشخصية

لندن - “لا يبدو عليك وكأنك في الأربعين!” هذه المجاملة المبالغ فيها، قد تبدو في نظر العديد من الرجال والنساء على حد سواء، مزحة غير مقصودة من أشخاص غرباء أو مقربين لا يبيتون سوء النية بالضرورة.
وتعتقد أوتمن وايتفيلد، مؤلفة كتاب “الطرق الخفية التي يتخذها الجمال لتشكيل حياة المرأة”، أن في مثل هذه الأقوال تبدو المفارقة الحقيقية، فطالما اعتدنا على أن يرتبط الجمال بالعمر لزمن طويل، لكن صورتنا عن أنفسنا قد شابها بعض التغيير فأصبح التقدم في السن بمثابة نضج في الوعي. اعترافنا بأهمية كل مرحلة عمرية وميزتها بصرف النظر عن عمر الشباب، والتغيير الذي طرأ على الأزياء والمظهر وتسريحات الشعر ورفض العديد من السيدات الاستسلام إلى مظهر الرتابة والوقار الذي تتطلبه مرحلة عمرية معينة، وهناك أيضا مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة مع وجود إحساس داخلي بضرورة تقبل الأمر الواقع والتعامل مع التقدم في السن باعتباره تجربة ومرحلة جديدة في الحياة تحمل وجوها مختلفة شأنها شأن مراحل العمر الأخرى.
وتشير وايتفيلد إلى الدراسة التي أشرف عليها باحثون في جامعة ميسوري الأميركية، حول إمكانية وجود علاقة بين مفهوم الناس للعمر وتعبيراتهم الانفعالية. وأظهرت الدراسة التي تعد الأولى من نوعها في هذا المجال، أن الوجوه التي تظهر عليها تعابير للسعادة يقيّم أصحابها على أنهم أكثر شبابا مقارنة بأشخاص في مثل سنهم يظهرون تعابير للحزن على ملامحهم طوال الوقت، في حين استغرقت الدراسة التركيز على تعبيري الحزن والفرح أكثر من تركيزها على أصحاب الوجوه من ذوي التعبيرات الحيادية، كما أنها لم تربط بين هذه العلاقات وجمال الوجه لكن لا ينكر، في العموم، الدور الذي يلعبه الجمال في تقدير الحالة الانفعالية للأفراد وبالتالي صلته بمفهومي الشباب والشيخوخة.
وبهذا، فإن الدراسة تخرج باستنتاج مفاده أن بعض الأشخاص لا يبدون في سنهم الحقيقية بل أقل من ذلك بكثير، ليس لتعلق الأمر بوجوههم وما قد تعكسه من ملامح شبابية بل لأن الأمر في حقيقته يتعلق بتعبيراتهم الانفعالية سواء أكانت تعكس حزنا أم فرحا.
وترى الدكتورة مارسيا رينولدز، مديرة التدريب بمعهد الرعاية الصحية والتدريب في ولاية كارولاينا الشمالية الأميركية، أن دخول المرء لأي عقد أو مرحلة عمرية جديدة، يعني أنه في مواجهة أخرى مع السؤال الصعب “هل ما حققته من إنجاز حتى اللحظة كفيل لضمان مستقبل سعيد وحياة مستقرة؟”، ولعل هذا السؤال يصبح أكثر تعقيدا عندما يقطع الأشخاص أشواطا بعيدة من سنوات حياتهم، فيتراكم القلق والخوف على ملامحهم خاصة إذا لم تكن الأهداف واضحة لديهم حتى في هذه المرحلة من العمر.
الوجوه التي تظهر عليها تعابير للسعادة يقيم أصحابها على أنهم أكثر شبابا مقارنة بأشخاص يظهرون الحزن
وتشير رينولدز إلى أن نتائج أبحاثها في هذا الإطار توصلت إلى أن معظم السيدات اللاتي يتصفن بشخصية قوية وذكاء فطري لا يعنيهن كثيرا تحقيق ألقاب علمية أو ثروات أو مسارات وظيفية واضحة، أو التطلع بصورة متواصلة لبلوغ قمة النهايات وفي مجالات مختلفة في الوقت ذاته. وقد يحققن بعض هذه الألقاب والمناصب وهن في خضم البحث عن تحقيق وجودهن وشكل مقبول لحياتهن، من دون خوض صراع مع النفس والعمل على وضع أهداف مستحيلة قد تفسد وجه الحياة الحقيقي الذي ينبغي أن يعاش. فكل ما يعنيهن في هذا النطاق هو الدخول في تحديات جديدة وإتقان العمل، أيا كان على أكمل وجه، وشعور الرضا المتولد من أهمية ما يقمن به ودوره في تغيير حياة الآخرين.
ومن جانب آخر، فإن السعادة غالبا ما ترتبط بالجمال بالنسبة إلى المرأة في الأقل. وفي هذا الإطار تؤكد إحدى الدراسات في العام 2011، أن ملامح المرأة السعيدة تزيدها رونقا وجاذبية في حين أن تعبير الكبرياء يضاعف من جاذبية الرجل.
وفي المجمل، فإن الخيوط الثلاثة السعادة، الجمال والشباب، تعمل في خطوط متوازية أو متقاطعة لخلق مفهوم الجاذبية لكلا الطرفين بالاعتماد على طريقة يتم تفسيرها من قبل الآخرين. وعموما يبني الآخرون- الغرباء حكمهم على الصورة التي نبدو لهم فيها اعتمادا على مفهومهم الشخصي للعمر والجمال، كما يعتمدون على طبيعة نظرتنا لأنفسنا وتصالحنا مع ذواتنا وأيضا تقبلنا للواقع مهما كان. فالإيمان بأن التقدم في السن هو قدر وواقع وأن الحياة هي مجموعة من مراحل العمر التي تتطلب تغيير الأدوار والميزات، هما الخيار الذي يسهل علينا التعامل مع مراحل متقدمة في العمر، بثقة تامة ونفس راضية، وهذا هو بالذات ما ينعكس على ملامحنا، فيراها الآخرون على شكل شباب متجدد وحيوية وجمال. إلا أن المفارقة تظهر ثانية بصورة واضحة، فطالما استساغ الإنسان مظهر الشباب الدائم من خلال انعكاس ملامح الرضا والسعادة والابتسامة في مرآة الآخرين، فإنه سيقع في شرك آخر، يفرض عليه عدم الاعتراف بالتقدم في السن في صورته الواضحة والمباشرة.
لكن هذا الربط الخفي بين الشباب والجمال والسعادة، لا يبدو أنه مفهوم ينم عن وعي بقدر ارتباطه بنظرتنا وتقييمنا الشخصي للأشياء أو إلى أبعد من ذلك، فإنه تقييم يرتبط نوعا ما بالغموض أو ربما يكون نتاجا بين الحقائق والتصورات الشخصية.