السجن المؤبد للكتاب الجزائري

الجمعة 2016/09/02

بعدما نشر الاستراتيجي الأميركي، جوزيف ناي، لكتابه الشهير “القوة الناعمة” وأكد فيه أن ترقية الثقافة الأميركية والترويج لها في بلدان العالم مهمة حضارية كبيرة وحاسمة، أدرك أصحاب القرار في البيت الأبيض أكثر من أي وقت مضى أن استعمال القوة الغليظة بدل القوة الثقافية الناعمة في الساحة الدولية ليس الطريق الصحيح لكسب قلوب الناس في العالم.

لاشك أن الترويج للكتاب الثقافي والفني والفكري داخل الوطن وخارجه يدخل في نطاق كسب الهيمنة الحضارية والتعريف بالنفس، ولكن المسؤولين عن الشأن الثقافي في الجزائر يديرون الظهر لكل شيء له علاقة بالبعد الثقافي الروحي. لقد مر على استقلال الجزائر أكثر من نصف قرن وطوال هذه المدة لا تزال أبجديات الفعل الثقافي غائبة في البلاد ومختزلة فقط في النشاطات الموسمية الهزيلة في هذه المحافظة أو تلك البلدية المغمورة ويحدث هذا نتيجة خطة وطنية للعمل الثقافي الجاد علما أنه في الثمانينات من القرن الماضي أنجز ملف السياسة الثقافية من طرف لجنة وطنية رسمية كنت عضوا فيها إلى جانب عدد من الوزراء وكبار المسؤولين في الدولة، وتضمن هذا الملف استراتيجية مخطط محكم للإقلاع الثقافي ومن بين بنود هذا المخطط صناعة الكتاب الجزائري وتوزيعه في العالم العربي، وكذلك ترجمته إلى اللغات الحية وتوصيله إلى أهم أسواق الكتاب في بلدان المعمورة، ولكن هذا الملف الذي صرفت على إعداده أموال طائلة وسخرت له جهود معتبرة دفن ولا أحد دعا أو يدعو إلى تطبيقه بمجرد أن صادق عليه المكتب السياسي في ذلك الوقت.

وزارة الثقافة التي تحتكر الإشراف على كل ما يتصل بالشأن الثقافي ليس لها برنامج لصناعة الكتاب الجزائري المتطور ولتوزيعه توزيعا جديا على المستوى الوطني، أما الترويج له في الداخل والخارج أو ترجمته إلى اللغات الأجنبية فمعدومان بالمطلق.

في السنوات الأخيرة سمحت الدولة بإنشاء دور النشر الخاصة ولكن القانون الجزائري يكبلها باستمرار حيث لا يسمح لها بتوزيع الكتاب الجزائري في الخارج. إن الحصار المضروب على الكتاب الجزائري من طرف النظام الحاكم قد أدى ولا يزال يؤدي إلى حرمان إنتاج الكتاب الجزائريين من التفاعل الدائم والحوار الخصب مع القراء مغاربيا ومشرقيا ودوليا، وبذلك أصبح الكاتب الجزائري الموهوب غائبا وفي عداد النكرات، علما أن في الجزائر أدباء وشعراء ونقادا ومفكرين لهم قيمة في العالم العربي وفي أوروبا. ومما يؤسف له أن أجهزة الدولة المركزية والفرعية التي تتحكم في الثقافة مصفحة بذهنية احتقار الأدباء والشعراء والمفكرين والفنانين وتحاصرهم بالإهمال، والتفقير، الأمر الذي قضى على الكثير من الأسماء الواعدة، وفرض على الأسماء المعروفة الهجرة إلى دور النشر الأجنبية التي لا توزع منشوراتها في الجزائر غالبا.

كاتب من الجزائر مقيم بلندن

15