الزمن متوقف في العراق!

ما زالت الأحزاب الشيعية وميليشياتها الطائفية تؤمن بأن أصلح نظام للعراقيين هو نظام دكتاتوري شبيه بنظام صدام حسين، من خلال محاولتها الدائمة التفرد بالحكم وإقصاء الآخرين وإخضاع المؤسسات الحكومية المهمة لسيطرتها، دون أن تترك هامشا ولو بسيطا للآخرين للمشاركة في القرارات المصيرية للبلاد، فكل القرارات المهمة بيدها، هي التي تتحكم بها، وتحذو حذو نظام الدكتاتور السابق وتحاول تقليده.
وكما كان صدام يناصب العداء للشيعة والكرد وينكل بهم، تفعل هذه الأحزاب الشمولية الشيء نفسه، ولكن مع السنة والكرد، فهم الشغل الشاغل لها، وهي دائمة البحث عن طريقة للنيل منهم وإبعادهم عن المشهد السياسي.
دخلت في حرب ضروس على الهوية مع السنة، وقطعت رواتب الموظفين في إقليم كردستان، ومنعت الإقليم من تصدير نفطه عبر تركيا، ومارست كل أنواع التعسف الطائفي والقومي عليه؛ ضيقت عليه الخناق عبر البرلمان والقضاء والمحاكم المسيسة لإجباره على الخضوع والتسليم للأمر الواقع تمهيدا لنسف كيانه الدستوري من خلال تعديل مواد الدستور.
◙ العراق يعيش في حالة ضياع وفقدان هوية لا مثيل لها عبر تاريخه الطويل، منذ سقوط الصنم البعثي لم يجر أي تغيير حقيقي في هيكلية الدولة
ومن شدة إعجاب هذا النظام بصدام وطريقته في الحكم، أن أعاد معظم القادة البعثيين إلى الوظيفة، فانخرطوا في صفوفها وأصبحوا جزءا منها. وقد أفاد نائب عن كتلة الأحرار بوجود 11 قائدا للفرقة و85 ضابطا بعثيا في مكتب رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي.
وإذا كان صدام حسين يدعو إلى العروبة والفكر الشوفيني، فإن المالكي ورؤساء الحكومات المتعاقبة ساروا وفق برنامج طائفي وعروبي شوفيني معا، وقاموا بعمليات تعريب واسعة في المناطق المتنازع عليها بين العراق وإقليم كردستان وخاصة مدينة كركوك والموصل، وضربوا بالدستور والمادة 140 التي تعالج مشاكل تلك المناطق وتضع حدا للصراع الكردي – العربي التاريخي الدامي حول هذه المناطق الملتهبة وكل العهود والاتفاقيات السياسية التي أبرموها مع الكرد عرض الحائط.
لم يكن النظام البائد ضبابيا وغامضا، يقول شيئا ويخفي شيئا آخر، مثل الحكام الجدد، بل كان صادقا مع نفسه ومع العراقيين يرفع شعارات واضحة ومحددة؛ الدعوة إلى العروبة وتوحيد الأمة العربية، ولا يخفي شيئا بينما يظهر شيئا آخر، ولا يتعامل مع نوعين من الشعارات؛ شعار ظاهري من أجل خداع الناس، وشعار باطني يحاول تحقيقه، وهو شعار يدعو إلى العمل وفق الدستور والبرلمان والمواطنة وحكم القانون، وشعار يخرق الدستور والقانون ويحوله إلى مطية لتمرير مشاريعه ومخططاته الجهنمية. شعار يدعو إلى الديمقراطية وتثبيت أركان الفيدرالية، وشعار آخر حقيقي يدعو إلى حكم مركزي حديدي وإلى التوسع ونشر الفكر الطائفي بقوة الفصائل الميليشياوية.
لا شيء واضحا ومحددا في ظل هذا النظام الديني القاتم.
العراق يعيش في حالة ضياع وفقدان هوية لا مثيل لها عبر تاريخه الطويل، منذ سقوط الصنم البعثي لم يجر أي تغيير حقيقي في هيكلية الدولة، الحركة والزمن متوقفان تماما، لا أحد يعرف أين يسير وإلى أين ينتهي به المطاف!