الرواية الفيسبوكية تحول الكاتب إلى إنسان عادي

الرباط – أدى فرض تدابير الحجر الصحي وغيرها من القيود التي تحد من حركة المواطنين في أغلب مناطق العالم إلى إشاعة تفاعل القراء مع الأعمال الأدبية، بشكل أكبر، على منصات التواصل الاجتماعي، في ظل الحاجة إلى التغافل عن إحصائيات كوفيد – 19 وتجنب الإرهاق النفسي.
ويتميز الأدب التفاعلي (الرقمي)، أساسا، بإشراك المتلقي في صياغة النص وإنتاجه، بل يرى بعض المهتمين أن المتلقي يشغل -في عملية بناء النص التفاعلي- حيزا يزيد عن المبدع الأصلي للعمل الأدبي.
ويعتبر الروائي المغربي عبدالواحد استيتو من أبرز المجربين في حقل الأدب الرقمي، وفي ما يلي حديث معه بخصوص رؤيته لهذا النوع الأدبي الحديث من ناحيتي التشكيل والتلقي. كما يستعرض تجربته الخاصة مع الرواية الرقمية (روايته الفيسبوكية “على بُعد ملمتر واحد فقط”)، وكذلك التراكم الذي أحدثه الكتاب العربي في هذا المضمار، باعتباره فائزا بجائزة الإبداع الأدبي التي تمنحها مؤسسة الفكر العربي عن روايته الرقمية.
يرى البعض أن الأدب يعيش ردة إبداعية حين اتخذ الإنترنت ووسائطها التعبيرية -الصورة، الصوت، الحركة، وغيرها- جسرا للوصول إلى القراء، ولكن استيتو يرى أنه إذا كان الكثيرون يعتقدون أن الأدب الرقمي هو انسلاخ تام عن الأدب الكلاسيكي فإن الحقيقة هي أنه تكملة له، في سنة تطوّر طبيعية لا يحيد عنها مخلوق أو مجال فني.
الأدب يعيش ردة إبداعية حين اتخذ الإنترنت ووسائطها التعبيرية -الصورة، الصوت، الحركة، وغيرها- جسرا للوصول إلى القراء
ويضيف”أظن أن الأدب، مثل باقي الفنون، يعتبر انعكاسا للتطور المجتمعي بشتى أشكاله، لذا كان من الطبيعي أن يتفاعل مع موجة ظهور الإنترنت أولا، ثم مواقع التواصل الاجتماعي ثانيا”.
ويشدد الروائي على أن الأدب الرقمي يتعين عليه أن يجعل من التطور التكنولوجي خادما للإبداع، وليس مجرد جزء منه بحيث لا يضيف له شيئا، كي نقول في الأخير إننا أنتجنا “أدبا رقميا”.
وحول ما يميز الأدب الرقمي التفاعلي المستحدث عن الأعمال الكلاسيكية والشروط التي يتأطر ضمنها هذا النمط يقول استيتو “أدبيا تختلف كتابة رواية فيسبوكية عن كتابة رواية كلاسيكية، فالقارئ ‘الفيسبوكي‘ قارئ ملولٌ، وإذا سقط الكاتب في الإطناب فسيخسر قراء كثيرين، ذلك أن التلاعب بالأسلوب ونسيان الحبكة والشخصيات سيكونان على حساب المتابعة. لهذا فعناصر التشويق والإثارة وإحداث المفاجأة مع نهاية كل فصل مطلوبة بشدة”.
ويلفت الروائي المغربي إلى أن الرواية الفيسبوكية تفرض -بكل ما لها وما عليها– الشروط التي ذكرها، متابعا “إما أن يخضع لها الكاتب أو فليكتب رواية عادية إن كان يرى أن هذا يؤثر على عطائه الأدبي”.
ويواصل حديثه “عندما أقول هذا فأنا لا أقصد أن تكون الرواية مبتذلة أو سطحية، بل أؤكد على تفضيل الأسلوب السهل الممتنع، ولعلي أستحضر هنا ما قاله الكاتب الروائي الفرنسي باسكال في هذا الخصوص: عندما نقرأ أسلوبا طبيعياً تأخذنا الدهشة والنشوة، لأننا نتوقع أن نجد كاتبا فإذا بنا نكتشف إنسانا”.
لا يتشدد استيتو في اعتبار الحبكة والشخصيات في الرواية أهم من الأسلوب. لكن غيابهما، في رأيه، هو إقبار للرواية الفيسبوكية بمعناها التفاعلي الذي يقتضي وجود قراء كثر ومتفاعلين على مدار الساعة.
وعن تجربته الخاصة في هذا الصدد، وأبرز التقنيات التي اعتمدها في الكتابة، وكيف يقع التفاعل بين العناصر بغية توليد النص، يقول الروائي المغربي “أحاول دائما أن أوضح وأفْصل بين الرواية الرقمية التفاعلية والرواية الفيسبوكية، فالرواية الفيسبوكية هي رواية تكتب فصولها مباشرة على موقع فيسبوك، ويتفاعل معها القراء، وقد يشاركون في تغيير أحداثها أيضا أحيانا”.
ويضيف “لقد اعتمدت في رواية ‘على بعد ملمتر واحد فقط‘ على تقنية استطلاعات الرأي لاستشارة القراء في حدثين مفصليين من الرواية حيث تركت لهم حرية اتخاذ القرار في مصير البطل، وكانت نتيجة التصويت هي الحكم”.
إضافة إلى ذلك يشير إلى أن فيسبوك يوفر خاصية نشر الفيديو والصور، وهما تقنيتان اعتمدهما من أجل وصف أماكن الرواية والأغاني التي يستمع إليها البطل مثلا، والأفلام التي تحدث عنها.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تم نشر “برومو” للرواية وأغنية خاصة بها، وكل هذا على موقع فيسبوك بفضل التفاعلية الدائمة التي يوفرها.
ويقر بأن تفاعلية الرواية وصلت إلى حدّ أن العنوان الثانوي للرواية كان من اقتراح أحد القراء، وهو “زهرليزا” (دمج كلمتي الزّهرة والموناليزا).
وقد فازت روايته الفيسبوكيّة “على بُعد ملمتر واحد فقط”، وهي أوّل رواية عربية نُشرت فصولها الـ35 على موقع فيسبوك، وسط تفاعل القراء المباشر مع أحداث الرواية بجائزة الإبداع الأدبي العربي. وفي تقييمه للتجربة العربية في هذا النوع الجديد من الإبداع الأدبي من ناحيتي الإبداع والنقد يقول استيتو “حاول الأدب الرقمي العربي أن يستثمر الخصائص التي يوفرها الكمبيوتر من صورة وصوت وغيرهما، ثم انتقل إلى استثمار وسائل التواصل الاجتماعي، مع اختلاف في قوة هذا الاستثمار بين كاتب وآخر”.
ويضيف “من خلال ملاحظتي البسيطة لنقد التجارب الرقمية أرى أن قلة قليلة من النقاد تطلع فعلا على التجارب وتمحصها بدقة قبل أن تقدم إلى الجمهور رؤيتها بشأن هذه التجارب، بل هناك من يهاجمها أحيانا وهو لا يضبط حتى عنوان الرواية، فما بالك بمحتواها”.