الركض أقل من الموصى به يُخفّض خطر الموت المبكر

منظمة الصحة العالمية توصي البالغين المتراوحة أعمارهم بين 18 و64 سنة بالحصول على 150 دقيقة على الأقل من التمارين معتدلة الكثافة.
الأحد 2019/11/17
الركض يقلل احتمال الموت جرّاء أمراض الأوعية الدموية

لا يحبذ الكثير من الناس ممارسة الركض لاعتباره نشاطا منهكا ويتطلب اختيار الوقت والمكان المناسبين بعناية. ويعتقد معظمهم أن هذه الرياضة لا تحقق الأهداف المرجوة منها إلا في حال الالتزام بأداء مسافات بعينها أو فترات محددة ومكثفة وبسرعة مقيدة.

سيدني - كشفت مراجعة بحثية حديثة أن ممارسة أي قدر من الركض المنتظم، حتى وإن كان منخفضا، لها الكثير من الفوائد على اللياقة والصحة. ويمكن للقليل من الركض أن يقلل من خطر الوفاة المبكرة، خاصة بسبب السرطان أو أمرض القلب، مقارنة بعدم ممارسة هذه الرياضة تماما.

فحص الباحثون بيانات من 14 دراسة سابقة مع ما مجموعه 232149 من البالغين الذين تمت متابعتهم لمدة 5 سنوات ونصف السنة إلى 35 سنة. خلال ذلك الوقت، توفي 25951 منهم.

ومقارنة بالأشخاص الذين لم يركضوا على الإطلاق، كان احتمال الوفاة لأي سبب، طوال الدراسة، أقل بنسبة تقدر بـ27 بالمئة بين أولئك الذين تعودوا على ممارسة الركض. كما كانوا أقل تعرضا للموت جراء أمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 30 بالمئة وأقل عرضة بـ23 بالمئة للموت نتيجة السرطان.

وجد الباحثون أنه ما من تأثير لعدد مرات ممارسة الركض، كل أسبوع، ولا للمدة لتي يستغرقها ولا حتى للسرعة على انخفاض خطر الموت الذي تم ربطه بهذه الرياضة.

كتب زيليكو بيديسك من معهد الصحة والرياضة بجامعة فيكتوريا في ملبورن بأستراليا وزملاء له في المجلة البريطانية “الطب الرياضي” “زيادة معدلات المشاركة في الركض، بغض النظر عن كميته، من المحتمل أن تؤدي إلى تحسينات كبيرة في صحة السكان وطول أعمارهم”.

وأضاف “أي قدر من الركض، حتى مرة واحدة في الأسبوع، أفضل من عدم الركض، لكن ممارسة فترات أطول من الرياضة قد لا ترتبط بالضرورة بفوائد أكبر لتقليل معدل الوفاة”.

توصي منظمة الصحة العالمية البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و64 سنة بالحصول على 150 دقيقة على الأقل من التمارين الهوائية معتدلة الكثافة أو 75 دقيقة على الأقل من النشاط المكثف كل أسبوع. وينصح خبراء اللياقة بضرورة أن تستمر كل جلسة تمرين لمدة 10 دقائق على الأقل.

مدربو اللياقة أفادوا بأن ممارسة رياضة الركض لمدة دقيقة واحدة إلى دقيقتين، يوميا، تحسن صحة العظام لدى النساء

وتقول جمعية القلب الأميركية إن الأنشطة معتدلة الكثافة يمكن أن تشمل ممارسات مثل المشي السريع أو البستنة أو الرقص في قاعة الاحتفالات أو التمارين الرياضية المائية أو ركوب الدراجة على مهل. وتشمل التدريبات النشطة رياضات مثل الركض والسباحة وركوب الدراجات لمسافة لا تقل عن 10 أميال في الساعة. وخلص الباحثون إلى أن التحليل الحالي يشير إلى أن الركض بشكل أقل بكثير مما تنصح به هذه الإرشادات يمكن أن يحدث فرقا كبيرا. فعلى سبيل المثال، لا يبدو أن الركض أكثر من مرة واحدة في الأسبوع لمدة تقل عن 50 دقيقة بسرعة أقل من 6 أميال في الساعة (أو أقل من 8 كيلومترات في الساعة) يرتبط بفوائد في إطالة العمر.

ولاحظ الباحثون أن هذا يعني أن الركض لمدة 25 دقيقة أقل من المدة الأسبوعية الموصى بها من النشاط البدني القوي يمكن أن يطيل العمر. وقالوا إن هذا يجعل الركض خيارا جيدا محتملا لأولئك الذين يعتبرون ضيق الوقت هو إحدى عقباتهم الرئيسية في ممارسة الرياضة.

وأظهر التحليل أن زيادة “الجرعة” عن طريق الركض لفترة أطول مما تشير إليه الإرشادات لا ترتبط بزيادة خفض خطر الوفاة لأي سبب.

لم يتم تصميم الدراسة لإثبات ما إذا كان الركض قد يؤثر على معدلات الوفيات أو كيفية حدوث ذلك. ولاحظ الباحثون أن الدراسات المعتمدة في التحليل لم تفسر بشكل كامل العوامل الأخرى التي قد تؤثر على النتائج، مثل الأمراض لاسيما أمراض السرطان أو القلب التي يمكن أن تمنع بعض الأشخاص من الركض والمساهمة في موتهم المبكر.

إضافة إلى ذلك، لا يظهر التحليل مقدار الركض المثالي أو السرعة التي يجب أن يلتزم بها الأشخاص أو المدة التي يجب أن يكون فيها كل تمرين أو أقصى مدى لفوائد طول العمر المثلى.

وكانت دراسة سابقة قد أثبتت أن ممارسة رياضة الركض لمدة دقيقة واحدة إلى دقيقتين، يوميا، تحسن صحة العظام لدى النساء.

وأشارت الدراسة، التي أجراها باحثون في جامعة إكزتر البريطانية، كذلك إلى أن النساء اللائي يمارسن تمارين رفع الأثقال لمدة دقيقة إلى دقيقتين يوميا، تتحسن لديهن صحة العظام بنسبة 6 بالمئة. ونشرت النتائج في دورية “إنترناشيونال جورنال أوف ايبيدمايولجي” العلمية.

وللوصول إلى نتائج الدراسة، راجع الباحثون بيانات أكثر من 2500 امرأة، وقاموا بقياس مستويات النشاط عبر أجهزة مراقبة، يرتدينها في معاصمهن.

كما تابعوا صحة العظام لدى المشاركات عبر الفحص بالموجات فوق الصوتية للعظم. ووجد الباحثون أن النساء، اللائي سجلن نشاطا مكثفا كالركض من دقيقة إلى دقيقتين يوميا، كانت صحة عظامهن أفضل بنسبة 4 في المئة من أقرانهن، اللائي لم يقمن بأي تمارين رياضية.

وقالت قائدة فريق البحث الدكتورة فيكتوريا ستايلز، إن “هناك صلة واضحة بين هذا النوع من التمارين القصيرة، والمركزة، وتحسين صحة العظام في النساء”. وأضافت أن “صحة العظام الجيدة تعود بفوائد صحية متعددة، أبرزها انخفاض خطر الإصابة بهشاشة العظام، والكسور في سن الشيخوخة”.

وكانت دراسات أخرى كشفت أن ممارسة الرياضة بانتظام يوميا، خصوصا المشي، تقلل فرص تعرض كبار السن لمشاكلات في التنقل والحركة.

كما خلصت دراسة نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية إلى أن ممارسة رياضة الركض بانتظام تجعل الناس أكثر سعادة وثقة بأنفسهم.

وأكدت النتائج أن ممارسة رياضة الركض بانتظام تؤدي إلى شعور الإنسان بالرضا والارتياح.

وأجرى الباحثون مسحا استقصائيا على 8 الآف شخص من ممارسي رياضة الركض وتوصلوا إلى أن محبي هذه الرياضة يشعورن بسعادة بالغة لدى ممارسة الركض بشكل جماعي مع أهالي الحي، كما يجري في بريطانيا حيث تُنظم في أغلبية متنزهاتها مرة على الأقل أسبوعيا مثل هذه الأنشطة الرياضية الجماعية، وكذلك الاشتراك في تطبيقات تُعني بهذه الرياضة على الهواتف النقالة مثل تطبيق “سترافا”، وهو شبكة اجتماعية للرياضيين تضم الملايين من المتسابقين وراكبي الدراجات والرياضيين، وتعمل على تشجيع الرياضيين وإطلاق العنان لإمكانياتهم.

مفتاح اللياقة الجيدة في انتظام النشاط لا في حجمه ومدته
مفتاح اللياقة الجيدة في انتظام النشاط لا في حجمه ومدته

وأكد 89 في المئة من المشاركين في المسح أن الركض بصورة منتظمة يشعرهم بالسعادة ويؤثر بصورة إيجابية على صحتهم العقلية ورشاقة أجسامهم.

وسجل المشاركون في هذه الدراسة مستويات عالية من السعادة لدى قياسها على “مقياس أكسفورد للسعادة ” وكانت أعلى من المعدل بأربع درجات.

وقال الباحثون في جامعة غلاسكو كيدونين الذين أشرفوا على هذه الدراسة إنهم أجروا مقابلات مع 8.157 شخصا من ممارسي رياضة الركض مسجلين بصورة رسمية للركض في المتنزهات المحلية وفي مبادرة بنك نيشون وايد للركض الحر لـ5 كيلومترات أسبوعيا وتطبيق “ستارفا”.

وصرح الدكتور إيمانويل تيول بأن “الركض يُشعر المرء بأنه أنجز شيئا ما، الأمر الذي يشعره بالرضى الذاتي الكامل”. وأضاف أن “الركض يمد الإنسان بالثقة بالنفس ويشعره بالسعادة”.

وأردف أن “ممارسة رياضة الركض في المتنزهات المحلية مع أبناء المنطقة والقدرة على متابعة درجة تقدم المرء في ممارسة هذه الرياضة عن طريق التطبيقات على الهواتف النقالة، تجعلان ممارسة هذه الرياضة أكثر متعة”. وأشار إلى أن “الركض يعتبر وسيلة للحفاظ على رشاقة الجسم”.

وكشفت الدراسة أن تطبيق “سترافا” شجع 83 في المئة من المشاركين في المسح الاستقصائي على الركض، فيما قال 55 في المئة منهم إن النشاطات التي تنظم في المتنزهات المحلية حفزتهم على ممارسة رياضة الركض بانتظام.

وفي الوقت نفسه، توصلت دراسة بريطانية منفصلة نشرت في الدورية الأميركية لعلم النفس إلى أن القيام بأي نشاط بدني يقلل من نسبة الإصابة بالاكتئاب.

وقام فريق دولي من الباحثين من بينهم خبراء من كلية كينغز كوليدج في لندن بتحليل بيانات 49 دراسة مختلفة تتضمن معلومات عن الاكتئاب والنشاط البدني.

واطلع الخبراء على بيانات 266 ألف شخص، وتوصلوا إلى نتيجة مفادها أن نحو ربع مليون شخص ممن لا يقومون بأي نشاطات بدنية تذكر كانوا عرضة للإصابة بالاكتئاب.

وأضافوا أن “أولئك الذين يمارسون التمارين الرياضية ويقومون بأنشطة بدنية متنوعة كانوا أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب”.

18