الرئيس الجزائري يطلق رسائل غزل لإسلاميي العشرية الدموية

الجزائر - وجه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون رسائل غزل إلى قواعد الإسلاميين عبر التعهد بمعالجة جديدة لملف سجناء العشرية الدموية، في خطوة يقول مراقبون إن هدفها توسيع شعبية الرئيس لتطويق ارتدادات معركته مع صقور الجيش.
وكشف العضو البارز في مبادرة قوى الإصلاح الوطني، الإخواني عبدالقادر بن قرينة، أن اللقاء الذي جمع أعضاء المبادرة مع الرئيس عبدالمجيد تبون قد أسفر عن تعهده بإعادة معالجة ملف مساجين العشرية الدموية.
وينحدر هؤلاء من الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة، حيث تم الحكم عليهم بعقوبات ثقيلة تتراوح بين المؤبد والإعدام، قبل أن يتم وقف العمل بالإجراء الأخير، بدعوى المشاركة في أعمال إرهابية خلال العشرية الدموية ( 1990 – 2000 )، وارتكاب أعمال إجرامية جماعية.
لكنّ جهات حقوقية وأهلية مقربة من إسلاميي جبهة الإنقاذ، كجمعية الدفاع عن المفقودين، تشدد على “براءة هؤلاء من التهم الموجهة إليهم”، وتعتبرهم ضحايا السياسة الاستئصالية المطبقة آنذاك من طرف السلط المدنية والعسكرية، بعد توقيف الجيش للمسار الانتخابي الذي اكتسحته حينها الجبهة الإسلامية للإنقاذ.
وينسب الخيار الاستئصالي إلى ما يعرف بـ”صقور الجيش”، وهم مجموعة الجنرالات والضباط في تسعينات القرن الماضي، كانت ترفض أيّ حوار أو تقارب مع الإسلاميين، وتعتبر السياسة الأمنية هي الخيار الوحيد لاجتثاث الإرهاب من البلاد.
وجاءت خطوة الرئيس عبدالمجيد تبون لمراجعة ملف مساجين العشرية الدموية مفاجئة، ولا يستبعد إصدار قرار عفو شامل عنهم، خاصة وأن العديد منهم بلغ سنا متقدمة أو أصيب بأمراض مزمنة، الأمر الذي يعيد الجدل حول علاقة جديدة بين السلطة والإسلاميين.
وإذا كان الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة هو المبادر بقانوني الوئام المدني في 1999 والمصالحة الوطنية في 2005، الأمر الذي مكن البلاد من استعادة استقرارها الأمني بشكل لافت، بعد نزول نحو 15 ألف إسلامي مسلح من الجبال، فإنه ترك المجال مفتوحا لمبادرات أخرى دون أن يتجرّأ على مراجعة ملف المساجين.
ولم يتوان بوتفليقة في أكثر من تصريح قبل إصابته بوعكة صحية في 2013، في الاعتذار عن الذهاب أكثر في ملف المساجين الإسلاميين، بدعوى الحفاظ على التوازنات المؤثرة في القضية، في إشارة إلى التيار العسكري والأهلي المتحفظ على خيار تقارب الإسلاميين والسلطة.
ويبدو أن الرجل الذي ظل يتحجج باحترام تضحيات المؤسسة الأمنية والعسكرية، وحتى المدنيين في الحرب على الإرهاب، كان يتلقى ضغوطا غير معلنة على مشروع المصالحة الوطنية، وهو ما توفر الآن للرئيس عبدالمجيد تبون، بعد التحولات التي شهدتها المؤسسة العسكرية، واستعادته المبادرة من قبضة الجنرالات المناوئين له.
وكانت آخر إنجازات تبون الحركة المهمة التي أجراها خلال هذا الأسبوع، حيث أقال عددا من تلك القيادات التي ظلت إلى غاية الانتخابات الرئاسية الأخيرة تمثل النواة الصلبة في منظومة العسكر، قبل وفاة قائد الجيش الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، كما هو الشأن بالنسبة إلى الجنرالين علي العكروم وعبدالقادر لشخم.
وشكل حضور القيادي السابق في الجبهة الإسلامية للإنقاذ علي جدي لندوة مبادرة قوى الإصلاح الوطني المنعقدة في العاصمة، واللقاء الذي جمع ممثلين عنها مع الرئيس تبون، مؤشرا على انفتاح غير مسبوق بين الطرفين، حتى وإن كان الرجل قد حضر كناشط سياسي وليس كقيادي في الحزب الإسلامي.
وشق علي جدي، منذ هيمنة العسكر على الواجهة السياسية في البلاد بعد تنحي الرئيس بوتفليقة عن السلطة، عصا الطاعة عن بقايا شتات جبهة الإنقاذ، فرغم قضائه عدة سنوات في السجن خلال تسعينات القرن الماضي مع الصف الأول لقادة الحزب، إلا أنه انحاز بعد تفجر الحراك الشعبي إلى جانب مقاربة قيادة المؤسسة العسكرية، والى جانب الانتخابات الرئاسية التي أفرزت تبون رئيسا للجزائر في ديسمبر الماضي.
وفيما بقي عدد من القادة على مواقفهم الراديكالية تجاه السلطة، كما هو الشأن بالنسبة إلى نائب رئيس جبهة الإنقاذ علي بلحاج، وعضو مجلس الشورى كمال قمازي، فإن علي جدي، جعل مما عرف بـ”مرافقة الجيش للشعب في الحراك الشعبي”، مبررا للانقلاب على مواقف رفاقه والانخراط في مسار السلطة، وهو ما يكون قد أفضى إلى تعهد تبون بخصوص ملف مساجين العشرية السوداء.
وتذكر مصادر مقربة من الحزب المنحل بأن “عدد المساجين المعنيين بالقضية 150 سجينا، تم إصدار أحكام ثقيلة في حقهم خلال العشرية الدموية، بتهم المشاركة في أعمال إرهابية، وقد بلغ أغلبهم سنا متقدمة تفوق الستين، في حين أصيب بعضهم بأمراض مزمنة وخطيرة”.
ويبدو أن مبادرة قوى الإصلاح الوطني، التي تريد أخذ منصب الوصاية على الحراك الشعبي وترفع شعارات التغيير المشترك بين السلطة والقوى الجديدة، تريد الدفع بالرئيس تبون إلى الاستثمار في قواعد الحزب الإسلامي المنحل، عبر مراجعة ملف المساجين، في خطوة تستهدف ترقيع شرخ الشرعية الشعبية.