الرئيس الجزائري يصدم الإسلاميين بعرض محدود في الحكومة

الجزائر- كرّس إعلان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عن تعيين رئيس وزراء تكنوقراط الصدمة التي ألحقها بالإسلاميين الذين كانوا يتوقون إلى الفوز بدور فعال في الحكومة والانفراد بالجهاز التنفيذي، وأعطى الانطباع بأن حكومته الجديدة ستكون في منأى عن طموحات الإخوان.
وجسّد تعيين الوزير السابق للمالية أيمن عبدالرحمن رئيسا للوزراء وتكليفه بمواصلة المشاورات مع الأحزاب السياسية وكتلة المستقلين من أجل تشكيل الحكومة مخاوف أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد (حركة مجتمع السلم) من انفلات المغنم السياسي من بين يديها، مما جعلها تستبق الأحداث وتفاجئ الرأي العام بالإعلان عن عدم مشاركتها في الحكومة الجديدة.
وجهر عبدالرزاق مقري الرجل الأول في حركة “حمس” بعدم اقتناع الإخوان بحجم العرض الذي قدمه لهم تبون، خلال اللقاء الذي جمعه بهم في إطار المشاورات السياسية بين رئاسة الجمهورية والأحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وهو ما يعبر عن صدمة الحركة التي كانت تطمح إلى حضور قوي في التركيبة الحكومية وفي البرنامج الذي تنفذه.
وكشف رئيس حركة مجتمع السلم أن “العرض الذي تلقاه الحزب لدخول الحكومة لا يسمح لنا بالتأثير في المسارات السياسية والاقتصادية وفق ما تعهد به للناخبين”، الأمر الذي يعكس طموحات الإخوان في تصدر المشهد الجديد رغم حلولهم ثالثا في ترتيب القوى التي استحوذت على مقاعد البرلمان.
وبرر رئيس حمس قرار مجلس الشورى القاضي بالامتناع عن دخول الحكومة في المؤتمر الصحافي الذي عقده الأربعاء بكون “تبون ذكرنا بأن من يريد أن يكون في الحكومة عليه أن يلتزم ببرنامجه الذي عرضه على الناخبين المشكل من 54 نقطة، ونحن اقترحنا على الرئيس طريقة لمعالجة هذه النقطة من خلال دمج برنامج الرئيس مع برنامجنا ولم نجد من نواصل معه الحوار في موضوع البرنامج”.
ولفت إلى أن رئاسة الجمهورية طلبت من حمس إرسال لائحة تتضمن 27 اسما يختار منها أربعة أو خمسة عناصر لتولي مناصب وزارية في الحكومة الجديدة، وهو ما يوحي بأنه لا شيء قد تغير في الميدان، وأن ما كان سائدا قبل حراك الـ22 من فبراير 2019 لا زال مستمرا، في تلميح إلى عدم وجود تغيير حقيقي في ممارسات السلطة خاصة فيما يتعلق بالتعاطي مع الأحزاب السياسية.
ولم يخف مقري طموح الحركة لأداء دور أكبر وأثقل في المشهد الجديد بالقول “حمس كانت تطمح إلى المشاركة في الحكم وليس الحكومة”، في إشارة إلى رغبة الحركة الإخوانية في توسيع وجودها في مختلف المؤسسات والهيئات الرسمية للدولة، وعدم اكتفائها بما كانت تؤديه سابقا بالوجود المحدود في الحكومة، واستدل على ذلك بكون حزب جبهة التحرير الوطني كان نافذا في مختلف المؤسسات كالسفراء والولاة ومختلف المناصب الحكومية.
ويبدو أن تبون قد راوغ الإسلاميين بالتصريح الذي أدلى به لوسائل إعلام أجنبية حول عدم انزعاج السلطة من صعود الإسلاميين، حين قال إن “الإسلاميين في الجزائر يمتثلون لقوانين الجمهورية، ولا يحملون مشروعا أيديولوجيا كما هو قائم في بعض الدول العربية والإسلامية”.
ويقول متابعون للشأن الجزائري إن هذا التصريح قد أوحى للإسلاميين أن السلطة في حاجة إليهم، قبل أن تحدث الصدمة ويتم تقديم عرض محدود لهم يعيدهم إلى حجمهم الحقيقي في البلاد، وحتى الوجود المنتظر للفصيل الثاني من الإخوان (حركة البناء الوطني) في الحكومة لن يغير في الأمر شيئا.

وبعد تعليقه لشماعة الفشل في تحقيق الأغلبية البرلمانية، على التزوير الذي نزّه منه تبون، عاد مقري إلى انتقاد الحراك الشعبي خاصة الأحزاب السياسية المعارضة التي اتهمها بـ”خدمة أغراض حزبية ضيقة وأيديولوجية، مما مكن العصابة وبقايا العصابة (جيوب نظام بوتفليقة) من استدراج الحراك وتحوير مضامينه”.
ويبدو أن مقري الذي استبق صدمة تبون بالإعلان المفاجئ عن عدم المشاركة في الحكومة يريد الإبقاء على جسور التواصل مع الشارع الجزائري من خلال ما أسماه بـ”أداء حمس لدور المعارضة داخل البرلمان، والعمل على تكريس توافق سياسي وطني وفتح حوار شامل والذهاب إلى إجراءات تهدئة”.
غير أن محللين سياسيين يرون أن الدور المذكور لا يستبعد أن يكون بالاتفاق مع السلطة، على اعتبار أن البرلمان الجديد حمل تركيبة موالية كلها للنظام القائم، وهو وضع يستدعي إحداث معارضة لإقناع الرأي العام بوجود مناخ ديمقراطي.
وأعرب مقري عن تمسك حركته بـ”الدفاع عن الحريات والحق في تأسيس الأحزاب والوحدة الوطنية واستمرار البحث عن التوافق الوطني”، وهو الخطاب الذي كان غائبا عن أدبيات حمس منذ دخولها في مسار السلطة إلى غاية الحملة الانتخابية الأخيرة.