الرئيس الجزائري يختزل "لمّ الشمل" في الحوار مع الموالاة

الجزائر – يواصل الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عقد سلسلة من المشاورات السياسية التي باشرها منذ أسابيع مع القوى الحزبية ومكونات المجتمع المدني، وهي العملية التي أُرجئت في الآونة الأخيرة بسبب الزيارتين اللتين أداهما تبون إلى كل من إيطاليا وتركيا.
ويقول مراقبون إن نوايا السلطة لا تزال غير واضحة بشأن الحوار، خاصة وأنه لم يشمل إلى حد الآن قوى المعارضة الراديكالية وفعاليات الحراك الشعبي.
واستقبل الرئيس الجزائري مساء الخميس قيادة حزب جبهة القوى الاشتراكية، وهو أقدم حزب معارض في البلاد.

يوسف أوشيش: ضرورة احترام الشروط المسبقة لأي حوار كإشارات حسن نية
ونشرت الرئاسة الجزائرية شريط فيديو للقاء مرفوقا ببيان جاء فيه أن الرئيس تبون استقبل الأمين الوطني الأول لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش والوفد المرافق له.
ولم يقدم البيان تفاصيل أكثر حول فحوى اللقاء، فيما قال أوشيش في تصريحات نشرتها الرئاسة على صفحتها بفيسبوك، إن حزبه “رد بإيجابية على دعوة الرئيس وفاء لمبادئه حول تبني الحوار والمعارضة المسؤولة”.
ولفت إلى أنه تم خلال اللقاء استعراض ثلاث نقاط رئيسة، أولاها طلب توضيحات حول مبادرة “لم الشمل”، وضرورة أن تكون “مرادفة لانفتاح ديمقراطي حقيقي”، والثانية عرض تصور الحزب لحوار يهدف إلى تجاوز الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وتطرقت النقطة الأخيرة حسب أوشيش إلى “احترام الشروط المسبقة لأي حوار كإشارات حسن نية للشركاء السياسيين وخاصة إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي دون شروط”.
وجبهة القوى الاشتراكية حزب يساري أسسه الزعيم التاريخي حسين آيت أحمد عام 1963 وظل يعمل سرا حتى عام 1989 عندما فتح مجال التعددية الحزبية.
وقاطع الحزب الانتخابات النيابية المبكرة التي جرت بالجزائر في يونيو 2021. لكنه شارك في الانتخابات المحلية في نوفمبر الماضي، في تغير لافت في موقف الحزب.
وقبل أيام تحدث الرئيس الجزائري لأول مرة عن مبادرة “لمّ الشمل” التي أطلقها خلال لقاء مع الجالية الجزائرية بتركيا في مستهل زيارة إلى أنقرة.
ووصف تبون المشروع بـ”الضروري” من أجل “تكوين جبهة داخلية متماسكة”، كما نقلت عنه وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية.
وأعلن الرئيس الجزائري بالمناسبة عن انعقاد “لقاء شامل للأحزاب في الأسابيع المقبلة” بعد اللقاءات الفردية التي أجراها مع قادة الأحزاب، مبرزا أن هذه اللقاءات سمحت بمناقشة وتقييم العديد من القضايا.
عوض الحديث عن العودة إلى المسار الديمقراطي في تونس، كان جديرا بتبون العمل على دمقرطة الحياة السياسية في بلاده، ورفع حالة القمع والتضييق على الحريات
وكان الأمين العام للمرصد الوطني للمجتمع المدني عبدالرحمن حمزاوي والأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين سليم لعباطشة آخر من استقبلهم الرئيس الجزائري في قصر المرادية في إطار المشاورات، كما ينتظر أن يكون فاعلون آخرون في أجندة الحوار، غير أن اللافت إلى حد الآن أن السلطة بدت وكأنها تحاور نفسها في “مونولوغ” سياسي.
وظهر من خلال التصريح المقتضب للعطابشة في المركزية النقابية أن “الرئيس تبون تعهد له بإعادة النظر مجددا في شأن رواتب الطبقة الشغيلة بعد أشهر من الآن”، وهو ما اعتبر محاولة من السلطة لضمان استقرار الجبهة الاجتماعية وتمرير الأجندة المنتظرة سياسيا واقتصاديا كلمّ الشمل ورفع الدعم الشامل للمواد ذات الاستهلاك الواسع قريبا.
ويشكك المراقبون في جدوى اللقاءات التي يجريها الرئيس الجزائري والتي لم تخل من انتقائية، وتتجاهل القوى الحية التي لديها تحفظات كبيرة على مسلك السلطة، فضلا عن كون هذا الحوار بدا أن الغاية منه هو التفاف جميع المكونات الفاعلة حول أجندة مرسومة مسبقا من الرئيس الجزائري.
ويشير المراقبون إلى أن تبون الذي وجه مؤخرا انتقادات ضمنية للمسار الانتقالي في تونس، عارضا المساعدة في إعادة تصويبه، كان الأولى به أن يلتفت إلى ممارساته التي تتناقض وما يروج له عن “لمّ الشمل”.
وعبرت قيادات جزائرية معارضة للسلطة من بينها رئيس حزب الحركة الديمقراطية والاجتماعية فتحي غراس عن استغرابها من تصريحات الرئيس تبون حول تونس، وذكر غراس في تغريدة له على حسابه الشخصي بأنه “لو كان التصريح أطلق في الجزائر لكان سياديا ومعبرا عن توجه ما للسلطة الجزائرية، أما أن يتم في روما فإن ذلك يوحي إلى ضغط ما مورس على الرجل الذي لم يتوان من قبل في إطلاق تصريحات متتابعة حول وقوف ودعم بلاده لتونس بعد مسار 25 يوليو”.
وأوضح غراس “أن يتحدث الرئيس تبون عن العودة إلى المسار الديمقراطي في تونس، فإن الأجدى به دمقرطة الحياة السياسية في بلاده، ورفع حالة القمع والتضييق على الحريات وملاحقة الناشطين، أما تونس فلا يزال فيها الرأي والرأي الآخر”.